ماذا إذا انتصر الحزب؟ وماذا إذا لم ينتصر؟ (3)

2024-02-18

ماذا إذا انتصر الحزب؟ وماذا إذا لم ينتصر؟ (3)

بعد العراق واليمن وسوريا، نصل إلى لبنان. هنا تبدو المعركة أكثر حدّة وكتماناً في الوقت نفسه. بين “مشروع” الحزب، و”لامشروع” الآخرين كلّهم.

في العمق، ثمّة ثلاثة محاور يدور حولها الصراع: ماذا سيحصل في جنوب لبنان؟ وهل من احتمال لصفقة إقليمية برعاية دولية هناك؟

ثمّ هل يتغيّر النظام في لبنان، بتركيبته الدستورية وموازين القوى المتحكّمة فيه، بما قد يكون دلالة على هويّات الرابحين والخاسرين في جولة الكباش الحالي؟ وبين الاثنين هناك محور من يكون رئيساً للجمهورية، كنتيجة مرافقة لنتائج المحورين السابقين؟

مؤيّدو الحزب من القوى الدائرة في فلكه يبدون مطمئنّين إلى مرحلة “اليوم التالي” بعد طوفان الأقصى، من غزة إلى بيروت. يعزون اطمئنانهم إلى سياسة الغموض التي ينسبونها للحزب. يتباهون همساً بأنّ الحزب يعتمد الصمت، كي لا يوافق على شيء. فلسفة الغموض التي ينتهجها، وفق آرائهم، تسمح له بألّا يقول ما يريد. وألّا يعلن ما يقبل به. أحياناً فقط، يُلمّح إلى ما يرفضه لا غير.

ينسب حلفاء الحزب إليه قدرته بذلك على التفلّت من أيّ أمر لا يخدم مشروعه. يقولون إنّه منذ انخراطه في الشأن العامّ اللبناني، التزم نصوصاً معلنة. بعضها تأسيسيّ حتى. كما سكت عن نصوص أخرى. لكنْ، لا صمته ولا توقيعه، كانا كافيَين لحظة، لتحويل التزامه إلزاماً. ويجردون الأمثلة والوقائع:

وقّع الحزب على وثيقة تفاهم مار مخايل مع ميشال عون في 6 شباط 2006. ولم تنفَّذ. بعدها أعلن وثيقته السياسية في 30 تشرين الثاني 2009، مؤكّداً ضرورة وضع استراتيجية وطنية للدفاع. ومضت 15 عاماً عليها بلا تجسيد.

بين الوثيقتين، وافق الحزب على “اتفاق بيروت” الدولي في 16 أيار 2008، الذي مهّد لاتفاق الدوحة، بما فيه من تأكيد على التزام “القيادات السياسية وقف استخدام لغة التخوين أو التحريض السياسي والمذهبي على الفور”… بلا نتيجة.

بعد العراق واليمن وسوريا، نصل إلى لبنان. هنا تبدو المعركة أكثر حدّة وكتماناً في الوقت نفسه. بين “مشروع” الحزب، و”لامشروع” الآخرين كلّهم

إعلان بعبدا… وشروط الحريري

حتى مع سعد الحريري، الذي يحتفي الحزب اليوم بزيارته بيروت، ظلّت المعضلة نفسها قائمة. إذ شارك الحزب في قرار مجلس الوزراء في 5 كانون الأول 2017، الذي انعقد تلبية لطلب الحريري شخصيّاً وكشرط منه. وأكّد “ضرورة ابتعاد لبنان عن الصراعات الخارجية (…) مع اعتماد سياسة خارجية مستقلّة تقوم على مصلحة لبنان العليا واحترام القانون الدولي. حفاظاً على الوطن ساحة سلام واستقرار وتلاقٍ”… فيما يبدو هذا الكلام اليوم سورياليّاً بالكامل.

فضلاً طبعاً عن إعلان بعبدا الأوضح والأفصح في 11 حزيران 2012، الذي وافق الحزب عليه، قبل دعوته إلى غليه وشرب مياهه.

كلّ ذلك من دون التوصّل حتى اللحظة إلى صيغة لترسيم الحدود الميدانية والفعليّة بين دولة الحزب، وبين ما صار فعليّاً “لادولة لبنان”.

يخلص “مريدو” الحزب من هذه الجردة إلى التأكيد أنّ ما بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول 2023) سيكون نصراً جديداً لحزبهم في بيروت ولبنان. وستكون مفاعيله جليّة على محاور الصراع المذكورة. وخلاصة هذا النصر:

  • إمّا أن يكون رئيسٌ للجمهورية وفق ما يريد.
  • وإمّا أن يستمرّ الفراغ حتى تغيير النظام.
  • وبين الاثنين، لا استقرار في الجنوب. وليتحمّل أصحاب المصلحة في هذا الاستقرار، من الدول الخارجية، من باريس حتى واشنطن، مسؤوليّة أيّ تدهور أو انفجار.

الحزب

الحزب يريد الرئاسة… غالباً أو مغلوباً

باختصار اختزاليّ تبسيطيّ جداً، يختم مريدو الحزب: نحن أمام احتمال من اثنين. إذا انتصر الحزب في الحرب، سيفرض مرشّحه رئيساً. وإذا خسر الحرب، لا سمح الله، ستُعطى له رئاسة الجمهورية تعويضاً. لاستيعاب نكسته وحرصاً على عدم تحويلها خطراً على “السلم الأهلي”!

في المقابل، وللمفارقة، يبدو كلام خصوم الحزب أكثر إنصافاً له، من كلام بعض “مريديه”. يجزم الخصوم أن لا صحّة لما يسوّقه أصحاب الرؤوس الحامية من حلفاء الحزب. فلا موازين القوى الخارجية في هذا الاتجاه. ولا الداخل على هذه الصورة من الانكسار الذي يتوهّمونه.

وقّع الحزب على وثيقة تفاهم مار مخايل مع ميشال عون في 6 شباط 2006. ولم تنفَّذ. بعدها أعلن وثيقته السياسية في 30 تشرين الثاني 2009، مؤكّداً ضرورة وضع استراتيجية وطنية للدفاع. ومضت 15 عاماً عليها بلا تجسيد

نخبة أميركا تحذّر من إيران

خارجياً، يكتفي هؤلاء بمؤشّرات بسيطة، لنفيِ مقولة الصفقة الأميركية – الإيرانية كليّاً. يقولون إنّ من يعرف كيف تعمل ماكينة القرار الأميركي، عليه أن يتوقّف طويلاً عند آراء ومواقف مرجعيّة. هذه بعض أمثلتها:

1- تحذير الكاتب توبي ماتيستن في “فورين أفيرز” من أيّ جبهة إخوانية خمينيّة إسلامية يمكن أن تنشأ من حرب غزة.

2- دعوة مايك بنس ومايك بومبيو صراحة إلى ضرب إيران. وذلك عبر مقالهما في “وول ستريت جورنال”.

3- كلام توماس فريدمان في “نيويرك تايمز” عن أنّ رجلين اثنين قادران على تغيير مسار الصراع في الشرق الأوسط: الرئيس الأميركي جو بايدن ووليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

4- وصولاً إلى كلام فريدمان نفسه عن “عقيدة بايدن” الشرق أوسطية المتشكّلة من 3 مسارات كما يقول: التحالف الأمنيّ الاستراتيجي بين واشنطن والرياض، الترويج لقيام دولة فلسطين، واتّخاذ موقف أميركي حازم تجاه إيران.

فضلاً عن عشرات الأمثلة المعزِّزة لهذا الاتجاه التفكيريّ نفسه.

تراجع أميركا… بعد 2050

حتى الكلام المناقض عن تراجع أميركا وسقوطها عن موقع القطب الدوليّ الأوّل، وسوى ذلك من توهيمات، يحيله خصوم الحزب إلى بحث فريد زكريا في “فورين أفيرز”. وفي خلاصته أنّ المسألة المتصوّرة متروكة جدّياً إلى ما بعد سنة 2050! فيما نبحث نحن وضع لبنان الآن.

أمّا داخلياً فيتابع خصوم الحزب بأنّ موازين القوى ليست كما يصوّرون إطلاقاً. وآخر تجلّياتها جلسة 14 حزيران الانتخابية. ولم يتغيّر حرف بعدها، كما يجزم هؤلاء.

حتى استطراداً يقولون، ولنفترض حصول أيّ من الاحتمالين المستحيلين:

 داخلياً فيتابع خصوم الحزب بأنّ موازين القوى ليست كما يصوّرون إطلاقاً. وآخر تجلّياتها جلسة 14 حزيران الانتخابية. ولم يتغيّر حرف بعدها، كما يجزم هؤلاء

1- ماذا إذا انتصر الحزب في حرب غزة؟ الجواب عبر تجربة سابقة حيّة: في تموز 2006 انتصر الحزب على إسرائيل. ثمّ انكفأ إلى الداخل لترجمة “نصره”. فاصطدم بأكثرية لبنانية. وتطوّر اصطدامه بها حتى 7 أيار 2008. فذهب بعدئذٍ إلى الدوحة حيث اضطرّ إلى انتخاب المرشّح الذي تبنّاه خصمه “تيار المستقبل” بعد 48 ساعة فقط على نهاية ولاية إميل لحّود. وهو ما يؤكّد استحالة تحويل حتى الانتصارات العسكرية إنجازات سياسية في لبنان، بشكل مغاير لثوابت هذا البلد ومرتكزاته الميثاقيّة.

2- ماذا إذا تمّت صفقة بين واشنطن وطهران؟ والجواب هنا أيضاً عبر تجربة سابقة. في أيلول 1988 تمّت صفقة بين الأميركي والسوري. فلم تصل إلى بعبدا إلا على بحر من الدماء. بحر قاتل انتقل بعد 20 عاماً ليُغرق سوريا كلّها بملايين القتلى والجرحى والمهجّرين ويؤدّي إلى دمار بلد كامل.

إقرأ أيضاً: أسرار إيرانيّة من اليمن والعراق إلى سوريا وسيّدتها الأولى (2)

وهذا كلّه ممّا يعرفه الحزب ويدركه تماماً، ويرفضه حتماً. حرصاً منه على “مقاومته” وتاريخها، وعلى الوطن الذي لم تولد “مقاومته” إلا في بيئته. وبالتالي ضنّاً بمستقبله الذي هو مستقبلها.

أيّ الرأيَيْن يصحّ؟

الجواب لأيّام مقبلة وبحسب قراراتٍ يُفترض أن تكون ملزمة لكلّ من يريد مواكبة تلك الأيام.

 

لمتابعة الكاتب على X:

JeanAziz1@

مواضيع ذات صلة

“أبو مازن”.. اعتمر الكوفيّة وعد إلى أهلك في جنين

هي رسالة إلى “أبو مازن” ندعوه فيها إلى اختصار الطريق، والذهاب إلى حيث يجب الذهاب وسط هذا التهديد الكبير. الأخ “أبو مازن”. تحيّة وبعد. أنت…

مناظرة تكتيكيّة: هاريس نحو التّعادل وترامب يصوّب على الهدف

منذ إطلاق أوّل مناظرة رئاسية متلفزة عام 1960، لم تكتسب المناظرات التلفزيونية أهمّية في تحديد هويّة من سيصل إلى البيت الأبيض كانتخابات هذه السنة نتيجة…

صفقات أميركا مع إيران: العراق يتقدّم على لبنان

يشكّل العراق كما جرت العادة في العقدين المنصرمين الساحة الرئيسة للمساومات بين إيران وأميركا، على الصعيد الإقليمي. في هذا المجال تتقدّم تلك الساحة على ساحة…

الحجّار وسلامة.. شجاعة رجلين

بعيداً عن الشعبوية والشماتة، ما يجب تأكيده في قرار مدّعي عام التمييز القاضي جمال الحجار بتوقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، أنّ أمامنا قصّة…