من هو اللواء فايز الدويري، الذي بات “نجماً” تلفزيونياً بعد حرب غزّة. وانتشرت جملة “حلّل يا دويري” عن لسان مقاتل غزّاوي، وفي أغنية خلّدتها. وكيف يتحوّل العسكري إلى “نجم”؟ هو و”أبو عبيدة” خرجا إلى النجومية معاً. وهما نقيض ظاهرتين: أحمد سعيد الناطق باسم هزيمة حزيران 1967، ومحمد سعيد الصحّاف الناطق باسم “سقوط بغداد” ذات 2003. فمن هو؟
للحروب أسباب ونتائج وآثار. لها أيضاً ضحايا وأبطال. مهزومون ومنتصرون. ولها نجوم يلمعون في سمائها. نجوم من النوع الذي تضيء نيرانه أسماءهم. الحرب التي تشنّها منذ 4 أشهر ونيّف إسرائيل على قطاع غزة، انبثق منها نجمان لا ينازعهما منازع: “أبو عبيدة” الملثّم والناطق العسكري الرسمي باسم كتائب عزّ الدين القسّام، واللواء فايز الدويري، الخبير والمحلّل العسكري.
القاسم المشترك بين الاثنين أنّهما الناطقان الإعلاميان باسم الحرب، من جهة الفلسطينيين. ناطقان محَوَا ناطقَين آخرين لا تزال ذكراهما السيّئة الذكر حاضرةً في العقل العربي:
ـ الإعلامي أحمد سعيد الناطق الرسمي باسم هزيمة حزيران 1967.
ـ وزير الإعلام العراقي الأسبق محمد سعيد الصحّاف.
إلا أنّ أبا عبيدة والدويري يمتازان عن الأخيرين بصدقهما. فما يقولانه تؤكّده الوقائع والأخبار الآتية من كلّ مصدر، بينما سعيد والصحّاف اقترنا بصفة التضليل الإعلامي.
منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، واللواء فايز الدويري يعرض مجريات الحرب العسكرية في قطاع غزة ووقائعها، على شاشة قناة الجزيرة. ومنذ هذا التاريخ، ومتابعو الحرب عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ينتظرون اللواء الدويري ليطّلعوا عن كثب عمّا يجري في قطاع غزة.
عند اللواء المجريات والوقائع والتفاصيل كاملةً. وله مصداقية أظهرتها الوقائع منذ اليوم الأوّل، وعزّزتها الكاميرات والبيانات العسكرية الصادرة من الطرفين المتحاربين.
منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، واللواء فايز الدويري يعرض مجريات الحرب العسكرية في قطاع غزة ووقائعها، على شاشة قناة الجزيرة
سيرة ومسيرة: من حرب اليمن إلى اليرموك
وُلِد فايز محمد حمد الدويري في الثالث من آذار 1952، في قرية كتم في محافظة إربد الأردنية. التحق بالكليّة العسكرية في 3 تشرين الأول 1970، وتخرّج منها عام 1972 برتبة ملازم ثانٍ، وانضمّ إلى سلاح الهندسة الملكي.
شارك في نزع الألغام على الحدود الأردنية السورية، ثمّ انتقل إلى اليمن في 1 كانون الثاني 1977 في مهمّة سرّية. وبقي هناك حتى عام 1979. واتّضح لاحقاً أنّه كان يشارك مع القوات المسلّحة اليمنية في تحصين مضيق باب المندب، وبناء معسكر خالد في تعز. عاد لاحقاً إلى الأردن برتبة نقيب.
انتسب عام 1979 إلى جامعة اليرموك، حيث التحق ببرنامج “إدارة الأعمال مع التركيز في المحاسبة”. حصل على ثلاث شهادات بكالوريوس: الأولى من جامعة اليرموك عام 1985، والثانية من جامعة مؤتة، وأمّا الأخيرة فكانت من جامعة بلوشستان. حيث حصل على درجة بكالوريوس في العلوم العسكرية وإدارة الدفاعات الاستراتيجية.
التحق بكلّية القيادة والأركان الملكية الأردنية لمدّة عام. ثمّ أرسلته القيادة العامّة في بعثة إلى باكستان للمشاركة في دورة دوليَّة في كلّية القيادة والأركان الباكستانية. بعد عودته درّس في كلّية القيادة والأركان لمدّة 4 سنوات. كما تولّى قيادة كتيبة للجيش الأردني خلال حرب الخليج الثانية.
بعد ذلك تولّى منصب مدير سلاح الهندسة الملكي الأردني. حتى أصبح أخيراً آمراً لكلّية القيادة والأركان الأردنيَّة برتبة لواء. ثمّ أحيل إلى التقاعد. انضمّ بعدها إلى الجامعة الأردنية، حيث حصل على درجة دكتوراه في فلسفة التربية. وكان عنوان أطروحته “دور الجامعات الرسمية في تعزيز مفهوم الأمن الوطني”. إلى ذلك كلّه، عمل محاضراً لمدّة عامين في الجامعة الأردنية.
أداء إعلاميّ مختلف… واتّهامات
بماذا يمتاز اللواء الدويري، كمحلّل عسكري واستراتيجي، عن غيره من المحلّلين العسكريين والاستراتيجيين؟
بثقافته العسكرية الواسعة، وطريقة شرحه وتحليله للوقائع والأحداث العسكرية.
أثناء مشاركته الإعلامية في تغطية الحرب الإسرائيلية على غزة، عبر قناة الجزيرة، خطف الأضواء. ساهم بالتحليلات والمعلومات التي قدّمها ولا يزال عن الحرب في غزة في رفع المعنويات.
بلغ اللواء الدويري ذروة الشهرة، يوم 25 كانون الأول الماضي. بعدما بثّ الجناح العسكري لحركة حماس فيديو لأحد عناصر كتائب القسام في أثناء استهدافه قوّةً إسرائيليةً متحصّنةً في منزل بقذيفة
كلّ ما فعله عن قصد أو بغيره بدا أنّه لرفع معنويّات المشاهدين العرب ومعنويات المقاتلين والمحاصَرين في غزة. يتقن التعاطي مع الكاميرا. في هذا المجال هو فنّان مبدع، تحسبه مقدّم برامج تلفزيونية منذ دهر. كثيراً ما أفصحت الكاميرا عن علاقة خاصة بينها وبينه. وعلاقات الكاميرا مع الأفراد تندرج دائماً في خانة الكاميرا وأسرارها.
على ضفّتَي الجبهة
هذا في الشكل. أمّا في المضمون، فيبدو للمشاهدين وكأنّه جزء من غرفة عمليات المقاومة في غزة. يبدو أحياناً وكأنّه هو من يخطّط للعمليات العسكرية هناك، ويحدّد نوع الأسلحة التي ستُستخدم فيها والمسارات التي ستتّخذها. ثمّ يخرج عبر شاشة “الجزيرة” ليعلن عنها. ثمّ يخوض فيها شارحاً كيفيّتها وأبعادها ونتائجها.
طوال الحرب بدا نقيض الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، حتى لتبدو الحرب حرباً شخصيّةً بينهما. ذاك يعلن وهذا ينفي… وهكذا.
الشهرة الواسعة التي حقّقها على امتداد العالم العربي، لم ترُق لكثيرين. انتقده كُثر من غزة. واتّهموه بأنّه بما يقدّم من تحليل عسكري وأمنيّ واستراتيجي، يحرف الأنظار عن الوقائع الاقتصادية والاجتماعية هناك.
كما شنّ عليه المساندون للمقاومة الفلسطينية في غزة هجوماً حادّاً. ووجّهوا إليه سيلاً من الانتقادات. فحواها بغالبيّتها أنّه يتجاهل ما يقوم به الحوثيون في اليمن والحزب في لبنان والمقاومة الإسلامية في العراق، وأنّه يُعدّ ذلك غير ذي أهمّية، وقد انتقد مراراً عمليّات الحوثيين في البحر الأحمر.
سلفيٌّ ضدّ إيران
في المقابل، يعزو كثر هذا التجاهل إلى موقف الدويري من إيران ومَن يدور في فلكها. ويقولون إنّ مواقفه في هذا المجال معروفة وغير خافية على أحد. حتى إنّ كثراً قالوا مراراً وتكراراً، وتثبت تصريحات الدويري وكتاباته هذا الأمر، إنّه كان يوجّه سهام انتقاداته إلى حركة حماس ويعدّها ذراعاً عسكريةً لإيران. وإنّه سلفيّ الهوى يؤيّد الحركات الجهادية في الوطن العربي المعادية لإيران وحلفائها والتي تتوسّل العنف سبيلاً إلى مبتغاها.
لكن في مطلق الأحوال، يبقى اللواء المتقاعد فايز الدويري علماً من أعلام التحليل الأمنيّ والعسكري والاستراتيجي، على الشاشات العربية التي تزخر بكلّ محلّل وخبير.
الشهرة الواسعة التي حقّقها على امتداد العالم العربي، لم ترُق لكثيرين. انتقده كُثر من غزة. واتّهموه بأنّه بما يقدّم من تحليل عسكري وأمنيّ واستراتيجي، يحرف الأنظار عن الوقائع الاقتصادية والاجتماعية هناك.
لحظات شرف
بلغ اللواء الدويري ذروة الشهرة، يوم 25 كانون الأول الماضي. بعدما بثّ الجناح العسكري لحركة حماس فيديو لأحد عناصر كتائب القسام في أثناء استهدافه قوّةً إسرائيليةً متحصّنةً في منزل بقذيفة. إذ خاطبه بعدها قائلاً: “حلّل يا دويري”.
عشيّة ذلك اليوم، خرج اللواء الدويري عبر شاشة الجزيرة مستجيباً لنداء المقاتل، قائلاً: “سأحلّل”. بعدها كتب على حسابه على منصّة “إكس”: “أرفع رأسي وأشمخ وربّما تكون أجمل لحظات حياتي حين سمعت المقاوم ينادي باسمي. إنّها لحظات شرف تلك التي علمت فيها أنّ المقاومين يتابعون ويثنون على ما أقدّمه من جهد بسيط، بل ولا يُذكر أمام أصحاب الفعل”.
الدحيّة الفلسطينيّة.. حلّل يا دويري
لم يكن اللواء الدويري وحده من ابتهج بكلمة المقاوم تلك، بل احتفل بها كثر وعلى رأسهم الفنّان الفلسطيني سائد العجيمي. إذ أصدر أغنيةً (دحيّة) تحمل اسم “حلّل يا دويري” يغنّي فيها الكلمات التالية: “يا ويلك يا محتلّ من الغزّاوي… قله حلّل يا دويري وأطلق صاروخ… وهذا القسّامي شيخ ابن الشيوخ… قله حلّل يا دويري وفجّر البيت… حلّل يا ابن الأردن يا صقر وطيّب… ردّ الدويري وقله أبشر يا كبير… راح أحلّل وإلّي بدّه يصير يصير…”.
إقرأ أيضاً: وطن الأزمات حدّق: أتذكر دولةً كانت هنا؟
على نجوميّته العريضة، يبقى أنّه يراوح بين قولين يقودان إلى اللعثمة. وهما: هناك “من جهة”… وهناك “من جهة أخرى”.
في الأحوال كلّها، فإنّ فايز الدويري يبقى في الوعي الجمعيّ بطلاً لم يخُض حرباً، وعسكري ميدانه شاشة. في عالم عربي وإسلامي مجهول المستقبل.
لمتابعة الكاتب على X: