إيران: انتخابات الورقة البيضاء..

مدة القراءة 6 د

تُجري إيران انتخابات عامّة لمجلسَي النواب وخبراء القيادة، في أجواء تنافسيّة بين أجنحة التيّار المحافظ. هذه الانتخابات تشهد استبعاداً لرموز وممثّلي القوى الإصلاحية والمعتدلة من دون أيّ اعتبار لنسبة المشاركة الشعبية. في حين أنّ أجواء الشارع الإيراني تتحدّث عن مقاطعة شعبية وسياسية واسعة لأسباب سياسية واقتصادية. وهو ما يدفع إلى الاعتقاد بأنّ النظام لا يقيم وزناً لنسبة المشاركة الشعبية مقابل النتيجة التي تريدها الدولة العميقة. فالنظام يسعى للانتقال إلى خطوته بإقصاء كلّ المنافسين ومصادر القلق لتسهيل الانتقال السلس بين المرشد الحالي والمرشد المقبل.

بعد أيام، وتحديداً مطلع شهر آذار، ستشهد إيران إجراء استحقاقين انتخابيَّين أساسيَّين، هما انتخابات مجلس الشورى (البرلمان) وانتخابات مجلس خبراء القيادة. وهي انتخابات من المفترض أن تنتج برلماناً “أكثر ثوريّة”. مهمّته ترجمة توجّهات المرشد الأعلى والنظام على المستويَين السياسي والاقتصادي داخليّاً. في حين أنّ مجلس خبراء القيادة الجديد ستكون مهمّته تمهيد الأرضية لترجمة توجّهات المرشد والدولة العميقة. بهدف اختيار المرشد الجديد الذي سيتولّى موقع القيادة وولاية الفقيه بعد المرشد الحالي. خاصة أنّ المرشد السيد علي خامنئي أشار سابقاً إلى ضرورة التفكير جدّياً في الشخصية المناسبة التي ستتولّى موقع القيادة بعد رحيله.

ما يعيشه المجتمع الإيراني بكلّ مستوياته الشعبية والسياسية يكشف أنّ هذه الانتخابات ستجري في ظلّ مقاطعة شعبية واسعة هذا من جهة، واستسلام تامّ من القوى السياسية الإصلاحية والمعتدلة من جهة أخرى. خاصة بعد فشل هذه القوى في إحداث خرق في موقف المؤسّسات التي تدير المشهد الانتخابي من الخلف. في محاولة للالتفاف على قرار استبعاد الغالبية الساحقة من الشخصيات الإصلاحية المؤثّرة من السباق الانتخابي.

المقاطعة.. أو الورقة البيضاء

أمام هذا الواقع، يبدو أنّ الاتجاه المسيطر على الشارعين الشعبي والسياسي ينحو باتجاه المقاطعة أوّلاً. على الرغم ممّا فيها من إمكانية الدخول في مواجهة مفتوحة مع النظام والدولة العميقة. لأنّ النظام يعتبر أنّ مقاطعة الانتخابات تصبّ في خدمة أعداء إيران والنظام لنزع الشرعية الشعبية والتمثيلية عنه.

النظام يسعى للانتقال إلى خطوته بإقصاء كلّ المنافسين ومصادر القلق لتسهيل الانتقال السلس بين المرشد الحالي والمرشد المقبل

الاتجاه الثاني، الذي قد تلجأ إليه بعض القوى السياسية، هو الذهاب إلى الاقتراع السلبي (الورقة البيضاء). وهو خيار قد يخرجها من دائرة المقاطعة. ويسمح لها بإيصال رسالتها للنظام وقيادته برفضها لسياسة “تصفية” القوى السياسية وإخراجها من الفعل السياسي والمشاركة في الحياة العامّة.

يحمل هذا الخياردلالات على موقف سلبي من الإجراءات التي قام بها مجلس صيانة الدستور باستبعاد مرشّحي القوى السياسية. تلك المصنّفة في خانة عدم الولاء للنظام من السباق الانتخابي. لكنّ هذا الخيار يشكّل مصدر ارتياح للنظام الباحث عن رفع نسبة المشاركة من دون تأثير على المسار الذي رسمه للنتائج.

هذا الجدل بين صفوف النخب السياسية الإصلاحية والمعتدلة لا يلغي حقيقة سيطرة خيار المقاطعة المتأثّر بعدّة أبعاد أو محرّكات متداخلة:

  • سياسياً: نتيجة حالة إحباط لديها من سياسات النظام وآليّاته في أداء الحياة السياسية التي عزّزت القطيعة بينهما.
  • واقتصاديا: فالعامل الاقتصادي فيلعب دوراً مؤثّراً في تعزيز حالة العزوف وعدم المشاركة. خاصة أنّ الشارع الإيراني يحمّل النظام وإدارته السياسية والاقتصادية المسؤوليّة عن الأوضاع الصعبة التي وصلت إليها إيران. نتيجة سياسة العداء مع المجتمع الدولي. وما نتج عنها من عقوبات اقتصادية. بالإضافة إلى سوء إدارة حكومة رئيسي لهذا الملفّ.

“لزوم ما لا يلزم”

المعارضة السياسية بكلّ أطيافها تنظر إلى هذه الانتخابات باعتبارها “لزوم ما لا يلزم”. خاصة بعد مراحل تصفية المرشّحين التي بدأت من وزارة الداخلية ثمّ مجلس صيانة الدستور.

لذلك تتعامل مع العملية الانتخابية بكثير من الحذر. فمن جهة تخشى الموافقة على الإجراءات المعتمَدة التي ستؤدّي إلى خسارتها ما بقي لها من قواعد شعبية. ومن جهة أخرى، تتخوّف من الإجراءات العقابية التي قد تلجأ إليها الدولة العميقة في حال أعنلت أو دعت إلى مقاطعة الانتخابات. خاصة أنّ هذه المعارضة ما زالت تعلن إيمانها بالعملية الانتخابية وقدرتها على إحداث تغيير سياسي واجتماعي.

النظام يعتبر أنّ مقاطعة الانتخابات تصبّ في خدمة أعداء إيران والنظام لنزع الشرعية الشعبية والتمثيلية عنه

المشهد الذي رسا عليه السباق الانتخابي يؤكّد أنّ النظام قد حسم خياراته باستبعاد كلّ مصادر الخطر بغضّ النظر عن الأثمان. وهو ما يعني السير بمشروع تصفية السلطة للأصوات التي تملك خطاباً مغايراً. وإن كان تحت سقف الدستور وولاية الفقيه.

تعتقد هذه المنظومة بأنّ المرحلة المقبلة ستكون مصيريّة لجهة تحديد مستقبل النظام والسلطة. لذلك عليها الانتقال إلى الخطوة الحاسمة في مشروعها في إدارة النظام. بحيث تكون منسجمة مع الاستراتيجية التي رسمتها للسلطة وتمكين صلاحيّات الدولة العميقة.

لا تغيير سياسياً

لذلك العملية الانتخابية لن تحدث تغييراً في المسار الذي بدأه النظام لاستكمال سيطرته وتصفية مواقع القرار. خاصة في ما يتعلّق بإجراء انتقال سلس في موقع القيادة من المرشد الحالي إلى خليفته المرتقب. وهذا ما يفسّر استبعاد الرئيس السابق حسن روحاني ووزير مخابراته محمود علوي من انتخابات مجلس خبراء القيادة. باعتبارهما مصدر قلق أو تشويش محتمل على خططه. وأيضاً لقطع الطريق على أيّ مفاجآت، وسدّ أيّ نافذة قد تتسرّب منها أصوات معترضة.

إقرأ أيضاً: إيران: روحاني المنحرف أو الخطير؟

من خارج هذه الاستراتيجية، أي ترتيب المرحلة المقبلة والانتقال السلس لخلافة المرشد، لن يكون لهذه الانتخابات أيّ تأثير على العلاقات الإيرانية مع المجتمع الدولي أو على سياسات إيران الإقليمية. لأنّ هذه السياسات تُرسم وتوضع من قبل الدولة العميقة. وهي سياسات تأخذ شرعيّتها من المرشد الأعلى الذي يرسم هذه السياسات والاستراتيجيات من ضمن صلاحيّاته المطلقة.

مواضيع ذات صلة

جنبلاط يقبض على اللّحظة الإقليميّة

كان الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في طليعة من قاربوا بالتعليقات الرمزية وبالمواقف، وبالخطوات العملية، مفاعيل الزلزال السوري على لبنان.   يتميّز جنبلاط…

سليمان فرنجيّة: رئاسة الحظّ العاثر

ـ عام 2004 سأل بشار الأسد سليمان فرنجية: “هل للرئاسة في لبنان عمر معيّن كما عندنا؟ لا يُنتخب رئيس الجمهورية قبل بلوغه الأربعين؟”. ـ مرّتين…

الشّرع وسوريا: الرّسم بالكلمات

لم نسمع من أحمد الشرع أو أيّ وزير من الحكومة المؤقّتة في سوريا أيّ رفع لشعار “الإسلام هو الحلّ” الذي درجت جماعة الإخوان المسلمين على…

مآلات الحرب على كلّ جبهاتها: سقوط المحور

لم تنتهِ بعد حرب الشرق الأوسط المتعدّدة الساحات والتسميات.. طوفان الأقصى والسيوف الحديدية والإسناد إلخ…. لذا لن تكون قراءة النتائج التي أسفرت عنها نهائية حاسمة،…