فلسطين: إيران دخلت بغياب العرب… فمتى العودة؟

مدة القراءة 7 د

كان ذلك عام 1974 عندما قرّرت القمّة العربية تسليم القضية الفلسطينية كلّها إلى منظمة التحرير الفلسطينية. وتذكر مذكّرات عددٍ من الساسة العرب أنّ ملك الأردن، حسين، ما كان راضياً انطلاقاً من العلاقة الخاصة للأردن بالأماكن المقدّسة وبالضفة الغربية، حتى الاحتلال الإسرائيلي عام 1967. لكنّ الحسن الثاني، ملك المغرب، أقنعه “استناداً إلى ما ستقبل عليه المنطقة من أحداث لا يستطيع الأردن ولا حتى العرب تحمّل نتائجها”.

في سنوات السبعينيات والثمانينيات صعدت منظمة التحرير بقيادة ياسر عرفات عالياً في العالم وفي الأمم المتحدة. وتلقّت منظمة التحرير صدمتين كبيرتين:

– الإخراج من لبنان عام 1982 بالاجتياح الإسرائيلي.

– واتفاقية كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل.

لكـنّها استعادت مكانتها وظهـرت شعبيّتـها لـدى الجمهـور الفلسطينـي في الانتفاضة الأولى 1986-1987 (= “ثورة الحجارة”). وكان من براعة إدارة بوش الأب وقد فازت أميركا في الحرب الباردة وحرب استعادة الكويت، أن مضت باتجاه إنفاذ القرارات الدولية بشأن القضية الفلسطينية وحلّ الدولتين، بل وبالتسوية مع الأردن وسورية، في محادثاتٍ ومفاوضاتٍ شاملة في مؤتمر مدريد 1992-1994. وعندما وجد عرفات أنّ المحادثات بطيئة، نظَّم محادثاتٍ سرّية مع الإسرائيليين في أوسلو، فانعقدت اتفاقية أوسلو عام 1993، وبها استطاع عرفات العودة إلى فلسطين (إلى رام الله) مع كوادر منظمة التحرير، وبدأ ببناء الدولة الفلسطينية على الرغم من الاشتراطات الكثيرة بشأن الجلاء الإسرائيلي التدريجي عن أراضي الضفة الغربية (أ، ب، جـ)، وبالتفاوض المعقّد حول أربع قضايا مؤجَّلة: القدس والأمن والحدود واللاجئين.

لدى العرب فرصة لاستعادة الزمام بعدما تركوه عمليّاً عام 1974. وقد كان المراد قديماً إحقاق الحلّ العربي للقضية، إنّما الذي يبدو الآن أنّ للعرب مصلحة حاسمة في استعادة الملف الفلسطيني لإزالة الاحتلال

أوسلو والأسد وحماس والانتفاضات

حافظ الأسد الذي كان ضدّ أوسلو أصلاً قال إنّه ضدّها لسببين:

1- أنّ الفلسطينيين كان بوسعهم أن يحصلوا على أكثر بكثير لو صمد عرفات.

2- أنّ الاتفاقية هي من التعقيد بحيث يحتاج كلّ بندٍ فيها إلى تفاوض واتفاق جديد.

كانت أكبر عقبتين واجهتهما أوسلو:

1- مقتل إسحاق رابين شريك عرفات في اتفاقية السلام على يد متطرّف إسرائيلي عام 1995.

2- واندفاعة حماس في هجمات انتحارية بداخل إسرائيل بحجّة معارضة أوسلو وبدعمٍ من سورية الأسد وإيران.

حتّى الانتفاضة (1987) ما كانت حماس تمتلك تنظيماً مسلَّحاً. وكانت المخابرات الإسرائيلية ليّنةً معها للتأثير على شرعية منظمة التحرير. وقد ظلّت هذه العلاقات الغامضة الطالعة والنازلة حتى نشوب الحرب الأخيرة (“طوفان الأقصى“، 7 أكتوبر، تشرين الأوّل 2023).

ما تقدّمت أوسلو قليلاً أو كثيراً بعد مقتل رابين وحلول الحكومات اليمينيّة في إسرائيل. لقد جرت مفاوضات جديدة أيام الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، بين فلسطين وإسرائيل في الولايات المتحدة الأميركية، ثمّ حصلت الانتفاضة الثانية عام 2000 بسبب الجمود في أوسلو، واستخدام السلاح من الطرفين.

لمّا حصلت أحداث عام 2001 وشنّ الأميركيون حربهم العالمية على الإرهاب (السنّيّ) وغزوا أفغانستان والعراق، فوجدها رئيس حكومة إسرائيل في حينها آرييل شارون فرصة للخلاص من القضية الفلسطينية كلّها، من دون غزة، التي انسحب منها عام 2005.

توفّي ياسر عرفات (أو اغتيل؟) عام 2005 وخَلَفه الرئيس محمود عباس، أبو مازن، مهندس أوسلو، فجرت انتخابات عام 2006 التي تقدّمت فيها حماس، في حين كان الشركاء الدوليون لا يقرّون لها بالاشتراك في الحكومة الفلسطينية لأنّها لا تعترف بإسرائيل.. فاشتدّ الاضطراب في غزة وجرى انقلاب من جانب مسلَّحي حماس أدّى إلى خروج فتح وممثّلي حكومة السلطة الفلسطينية من غزة، فحكمتها حماس منذ عام 2007. ومنذ عام 2008 جرت أربع حروب بين حماس وإسرائيل آخرها هي تلك المستمرّة حاليّاً والأكثر هولاً كما هو معروف.

تفويت فرصة “قمّة بيروت” للسلام

أدرك العرب مبكراً ماذا عنت غارات “القاعدة” عام 2001 على الولايات المتحدة، ثمّ المصير الكئيب للانتفاضة الثانية، فقدّم الملك عبدالله بن عبد العزيز (كان ما يزال وليّاً للعهد) في مؤتمر القمّة العربية ببيروت عام 2002 مبادرةً للسلام صارت “المبادرة العربية للسلام” لأنّ القمّة تبنّتها. وهي تتقدّم في أطروحاتها على بعض القرارات الأممية، ولها ضمانات الدعم والإنفاق العربي من أجل بناء السلام الشامل. بل أكثر من ذلك، هي تقول بالاعتراف بإسرائيل إذا نُفّذت أوسلو أو “الأرض والدولة مقابل السلام”. وما اهتمّ لها الدوليون ولا إسرائيل، لأنّ النيّة والخطط صارت أن لا تقوم للفلسطينيين أو دولتهم قائمة.

لقد كان من ضمن استبعاد العرب ومنظمة التحرير من الساحة الفلسطينية، ولأنّ الطبيعة تأبى الفراغ، أن حلّت التنظيمات المسلّحة التي تدعمها إيران محلّ العرب ومحلّ أبي مازن الذي استُضعف حتى ما عاد رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو يعتبره شريكاً. وطوال حوالى الخمسة عشر عاماً كانت المجاولات والمداولات و”قواعد الاشتباك” المزعومة تدور بين التنظيمات المسلّحة في غزة ولبنان. وكما خرّبت تلك التنظيمات أربع دولٍ عربية، تسبّبت الآن في تخريب إسرائيل لغزّة وقتل البشر فيها بما لا يمكن نسيانه.

مع ذلك فإنّ الخبراء يلحظون للحرب التي بدأتها حماس فائدةً بارزةً وهي عودة الاهتمام العربي والدولي إلى القضية الفلسطينية وإرادة إنهاء الحروب التي لا نهاية لها بإقامة دولةٍ للفلسطينيين.

فرصة ذهبيّة لعودة العرب

لكنْ بعد هذه الحرب لا أحد يقبل حماس شريكاً، مع أنّه على الرغم من ضعفها نتيجة الحرب فسيبقى لها حضور شعبي بارز وعسكري مؤثّر. والكلّ يتحدّث الآن عن السلطة الفلسطينية وضرورة الاعتراف بها باعتبارها قاعدة الدولة التي يُرادُ بناؤها وإخراج الاحتلال منها، وإنهاء المذابح ضدّ الفلسطينيين. لكنّ الجميع يقولون إنّ الدوليين ينبغي أن يذهبوا لمجلس الأمن ويعلنوا عن قيام الدولة، ثمّ تجري مفاوضات الإنشاء أو الإقامة، وهناك أساس لذلك في رام الله.

إقرأ أيضاً: مشكلتنا الخطيرة مع ذاكرة بايدن

فلنُعِدْ ذكر العقبات:

1- إسرائيل في حكمها الحالي ضدّ أوسلو وضدّ الدولة الفلسطينية ويأمل الأميركيون إقناعهم بالعكس.

2- الأطراف غير الغربية كانت ترغب دائماً (روسيا والصين مثلاً) في إقامة مؤتمر دولي للقضية الفلسطينية. أمّا الولايات المتحدة وحلفاؤها فيريدون الاستئثار ولا يمانع العرب باعتبار الأميركيين أكثر مَونةً على الكيان الصهيوني.

3- السلطة الفلسطينية مطلوبة، لكنّ الجميع يقولون إنّها غير مؤهَّلة بوضعها الحالي.

4- حماس الطرف الأقوى شعبياً، لكن لا يقبلها الغربيون ولا إسرائيل بالطبع.

5- الإيرانيون وميليشياتهم الذين حملوا الراية الفلسطينية وما يزالون يستغلّونها في تجاذباتهم مع الأميركيين لن يقبلوا بالدولة بصيغة أوسلو، ولا بأن يستبعدهم الغربيون لمصلحة الفلسطينيين والعرب.

6- تحتاج إعادة إعمار غزة وإعادة وصلها بالضفة الغربية إلى إنفاقٍ هائلٍ ولا أحد يستطيع ذلك غير عرب الخليج مع الدوليين.

لدى العرب إذن فرصة لاستعادة الزمام بعدما تركوه عمليّاً عام 1974. وقد كان المراد قديماً إحقاق الحلّ العربي للقضية، إنّما الذي يبدو الآن أنّ للعرب مصلحة حاسمة في استعادة الملف الفلسطيني لإزالة الاحتلال، ثمّ التطلّع لاستنقاذ الدول العربية التي تسيطر عليها وتقسّمها إيران.

الجرس موجود، لكنْ من يعلّقه؟

لمتابعة الكاتب على تويتر: RidwanAlsayyid@

مواضيع ذات صلة

2024: زلزال دمشق وصحوة الإسلام السّنّيّ

شهد عام 2024، في قلب وعقل الإسلام العربي السنّي، صحوة على القضيّة الفلسطينية قادتها حماس و”الحزب”، وأفادت منها إيران، لكنّها خلّفت إحباطاً كبيراً بعد شهورها…

فلسطين: نكسة 2024.. 2025 القضية مستمرّة..

ساد قولٌ لا أساس له من الصحّة، مفاده أنّ عملية طوفان الأقصى أحيت القضية الفلسطينية، بعدما لفظت أنفاسها وأصبحت نسياً منسيّاً. ازدهر هذا القول حين…

“الزّلزال الشّيعيّ”: الفالق في طهران والدمار في لبنان

“طوفان الأقصى”، في غزة، يحرّر سوريا من إيران، في 11 يوماً فقط، وبطريقة صادمة ومؤلمة لمحور المقاومة، وللهلال الشيعي خاصة. فكانت ضربتان قاصمتان: الأولى، سقوط…

واشنطن براغماتيّة وليس الجولاني

حين يتسلّم الرئيس ترامب سدّة الرئاسة في 20 كانون الثاني لن يكون أمام إدارته اتّخاذ قرار بالتواصل مع هيئة تحرير الشام لأنّ الإدارة الحالية سارعت…