الحريري يستخدم آخر أوراقه: حزب الله في مواجهة دياب

مدة القراءة 6 د


حَسَم الرئيس سعد الحريري قراره بمقاطعة اجتماع قصر بعبدا الذي دعا إليه رئيسُ الجمهورية ميشال عون رؤساءَ الكتل النيابية للتشاور في شأن الخطة المالية الإنقاذية وتأمين الغطاء “الوطني” لها. قرار الحريري، وفق المعلومات، كان محطّ تشاور شمل بشكل أساس الرئيس نبيه بري والنائب السابق وليد جنبلاط، ومن شأنه أن يؤثّر في مستوى تمثيل باقي الكتل النيابية، وقد أعلن أن جنبلاط لن يشارك شخصياً، بل سيبعث ممثّلاً عنه.

مصادر الحريري سألت في حديث لـ”أساس”: “كيف يمكن الدعوة إلى مناقشة خطة قد أقرّت سلفاً؟”، أما إذا كانت الدعوة هي بمثابة دعوة لحوار وطني “فلا مانع، لكن ليست طاولة رئاسة الجمهورية هي المكان الدستوري والمؤسّساتي الملائم لمناقشة خطة اقتصادية بحضور رؤساء الكتل وقد أقرّت سابقاً في مجلس الوزراء”.

إقرأ أيضاً: قراءة تاريخية لـ”14 آذار”: خروج أهل السنّة من المعادلة الوطنية! (1/2)

موقفٌ تصعيدي متوقّع من جانب الحريري، المعارض الأوّل للخطة المالية الإصلاحية للحكومة رغم تلمّسها طريق صندوق النقد الدولي، والناقم على ممارسات يرى فيها هيمنة على قرار الرئاسة الثالثة، والساعي إلى تكريس مسافة فاصلة مع العهد ورئيس الحكومة حسّان دياب، بعد اتهامهم صراحة بـ”تصفية الحسابات السياسية” معه، وممارسة السياسات الانتقامية ضدّه.

صارت معركة سعد الحريري واضحة. للمرّة الأولى تكتسب عنوان “صراع البقاء”. ولعلّ خصومه من داخل الساحة السنية، بدءًا من “قلب” بيته “الحريري” وشقيقه بهاء تحديداً، أخطر بكثير عليه من المواجهة المفتوحة مع حسّان دياب. وبطريقه لا بأس من الاستنجاد بنادي رؤساء الحكومات السابقين .

تتراجع قدرة “الشيخ سعد” على التحكّم بكلّ شيء، وعلى رأس لائحة الخسائر الزعامة المنفردة للطائفة، والإدارة الحكيمة والمنتجة لتيار المستقبل. جزءٌ من جمهوره، من موظفي تيار المستقبل و”سعودي أوجيه”، كان أوّل المدشّنين للتحرّك ضدّه في الشارع. يعاني من ارتباك في علاقاته الدولية، ومن علاقة غير سويّة مع قيادة المملكة العربية السعودية، مع عجز عن تنظيم الصفوف في معسكر المعارضة. كذلك ثمة تعثّر ماليٌ لا يوازيه فداحة سوى التعثّر السياسي، بعدما تيقّن متأخّراً جداً أنّه أدار تسوية سياسية حملت معها مشروع تحجيم بيت الوسط. حتّى الهالة التي حاول مساعدوه أن يحيطوا عودته إلى بيروت بها مؤخراً، وتصويره كقائد غرفة عمليات تأديب المعتدين على “الحريرية السياسية”، سرعان ما فقدت بريقها.  

مع ذلك، ثمّة ورقة مخفية في جيب الحريري: العلاقة مع حزب الله.

منذ اعتراف المحيطين برئيس تيار المستقبل، وتحديداً وزيرة الداخلية السابقة ريّا الحسن،  بأنّ حزب الله “كان الأكثر شفافية في التعاطي معنا والأكثر التزاماً”، خلال مفاوضات تسمية رئيس الحكومة بعد استقالة الحريري في 19 تشرين الأول الماضي، لم تتغيّر الأجواء الإيجابية في بيت الوسط حيال حارة حريك. ستاتيكو المرحلة “مهادنة وتنسيق” حتّى إشعار آخر.

سعد نفسه يوحي بذلك حين يغيب الحزب عن خطاباته وبياناته وعن مواقف نواب “المستقبل”. كأنّ حزب الله غير موجود على الساحة. وحتّى في بيانات رؤساء الحكومات السابقين، وإن حَضَر، يلامس حدّ العتب وليس الهجوم: “حزب الله لا يوافق على أعمال جبران باسيل، لكنه يتحمّل مسؤولية حمايته، وهو موجود بسبب حزب الله”. هكذا يقرأ قريبون من الحريري اللحظة. حزب الله بالنسبة لهم “يتحمّل” مسؤولية باسيل.

بالتأكيد تكبر المسافة التي تفصل اليوم بين الحريري ورئيس الحكومة وباسيل أكثر من المسافة الفاصلة بينه وبين حزب الله. أكثر من ذلك، تؤكّد المعطيات أنّ الحريري، بُعَيد عودته إلى بيروت، أوعَز إلى جهازه الإعلامي وفريقه السياسي بتركيز هجومهم على دياب وباسيل و”ارتكابات” الحكومة مع تحييد حزب الله.

القريبون من الحريري يجزمون أنّ الأمر “لا يخرج عن إطار السياسة المتبعة من جانب الحريري بتجنّب أيّ خضّة تحرّك فالق الفتنة السنية – الشيعية، خصوصاً في شارع يغلي”.

لذلك ليس في اللقاء الليلي الذي جَمَع مؤخراً الحريري، رغم نفيه له، مع معاون أمين عام حزب الله الحاج حسين خليل في بيت الوسط، أيّ إضافة مستجدّة على نمطية العلاقة بين الطرفين منذ انطلاق العهد، حين كان الحريري يجالس وزراء الحزب على مدى حكومتين في ظلّ تنسيق الضرورة على مستوى القيادات. ناهيك عن الأخبار عن لقاء بين الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وبين الحريري، قبل شهر تقريباً، والتي نفاها الطرفان.

يقف الحزب اليوم داعماً لحسّان دياب، لكن ليس من موقع خصومة الحريري، مع إدراكه بأنّ حجر الأساس لخطاب حكومة “دكتور الأميركية”، هو إدانة مرحلة “الحريرية” وفساد الحكومات المتعاقبة

يكفي القول إنّ حزب الله لم يكن ليتبنّى اسم أيّ رئيس حكومة يمكن أن يؤدّي الى الاصطدام مع رئيس “تيار المستقبل” بعد تقديم استقالته. وكان على الحزب، عبر ممثّله الحاج حسين خليل، أن يَسمع رأي الحريري شخصياً بحسّان دياب ليبني على الموافقة المقتضى. يومها كان جواب الحريري حرفياً: “لا مانع لديّ”. الرواية الحريرية تفيد بالمقابل بأنّ دياب “زار بيت الوسط مستوزِراً ومثمّناً لدور رفيق الحريري في الماضي”.

لم تنقطع خطوط التواصل بين الضاحية وبيت الوسط منذ تسمية دياب رئيساً للحكومة وإبّان مفاوضات التأليف. وبعكس ما تردّد عن تجاهل حزب الله لتهديد الحريري بالانسحاب من مجلس النواب على خلفية ملف التعيينات المالية، فإنّ الخطوط كانت مفتوحة مع الحريري الذي كان خارج لبنان.

لكنّ المطلعين يؤكّدون أنّ الهدف “لم يكن ثنيه عن استقالة لم تكن لتحصل أساساً. وهو أمرٌ يدركه نبيه بري وحزب الله، لكنّ الأخير يحرص دوماً على عدم قطع شعرة معاوية مع الحريري، الحريص بدوره على استمرارية العلاقة وصيانتها بشكل دائم. وهي الشعرة الكفيلة وفق حسابات الطرفين بتجنيب الساحة السنية – الشيعية خضّات غير محسوبة النتائج”.

لم يعد سعد الحريري حاجة لحزب الله كما كان بُعَيدَ تقديم استقالته تحت وطأة انتفاضة الشارع. يقف الحزب اليوم داعماً لحسّان دياب، لكن ليس من موقع خصومة الحريري، مع إدراكه بأنّ حجر الأساس لخطاب حكومة “دكتور الأميركية”، هو إدانة مرحلة “الحريرية” وفساد الحكومات المتعاقبة.

ولعلّ الاختبار الأهمّ لحرص الطرفين على العلاقة المدوزنة، سيُترجم بعد صدور قرار المحكمة الدولية المرتقب في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري خلال أسبوعين بحسب التقديرات.

إقرأ أيضاً: قراءة تاريخية لـ”14 آذار”: الحشد لقرار المحكمة الدولية وإسقاط العهد القوي (2/2)

مواضيع ذات صلة

أميركا مطمئنّة.. ونتنياهو “يسرق الوقت”

عاد الموفد الأميركي آموس هوكستين من زيارته إلى المنطقة، ووصل إلى العاصمة الاميركية أمس. وقبل أن يصل إلى واشنطن كان قد طمأن عين التينة إلى…

مبعوث ترامب إلى الشّرق الأوسط: معجب “بروحانية” نتنياهو..

تشبه الشّخصيّات التي رشّحها الرّئيس الأميركيّ المُنتخب دونالد ترامب شخصيّته الجدليّة. فهو كما فاجأ المراقبين يومَ فازَ في انتخابات 2016، وبفوزه الكبير في انتخابات 2022،…

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…