في السياسة مرّة أخرى: التشكيلات القضائية “طارت”… إلى تشرين!

مدة القراءة 5 د


يبدو أن لا أفق للمواجهة المفتوحة بين مجلس القضاء الأعلى ووزيرة العدل ماري كلود نجم، ومن خلفها طاقم سياسي على رأسه ميشال عون الذي لن يضع توقيعه على صيغة المرسومين.

 لم تكن تجزئة مرسوم التشكيلات القضائية أساس المشكل، بل إحدى متفرّعات أزمة سيتمّ ترحيلها، وفق المعلومات، إلى تشرين الأول أو الثاني المقبل، التاريخ المتوقّع لتشكيلات مرتقبة ستضمّ القضاة المتخرّجين الجدد الذين كان يُفترض أن تصدر مراسيمهم في تموز، لكنّ أزمة كورونا التي أدّت إلى إقفال أبواب معهد الدروس القضائية رتّبت جدول التشكيلات على ساعتها!

إقرأ أيضاً: عون: التشكيلات القضائية لن تمرّ

يمكن في هذا السياق القول بأن التشكيلات القضائية “طارت”، بعد ترحيل الحلّ أشهرًا إضافية. بعد ردّ مجلس القضاء الأعلى  التشكيلات لوزيرة العدل في 17 آذار الفائت من دون أيّ تعديل وتجاهل كامل ملاحظاتها سَلكت المواجهة بين الطرفين منعطفًا حاسمًا كرّس التباعد ورفع السقوف.

وَصَل الأمر إلى حدّ نشر الغسيل فوق السطوح من خلال طلب مجلس القضاء ببيان صادر عنه في 7 نيسان من وزيرة العدل، ردًّا على مقابلة تلفزيونية اتّهمت خلالها المجلس باعتماد “المحاصصة والتسييس وإجراء التسويات وتدوير الزوايا”، وإلى إعطاء مشروع التشكيلات القضائية مساره القانوني الواجب التطبيق، من خلال توقيعه وإحالته على المراجع المختصّة، مرفقاً بأسبابه الموجبة وبالملاحظات والردّ عليها.

لكنّ مسارعة وزيرة العدل إلى تجزئة مرسوم التشكيلات في سابقة لم يشهدها قصر العدل في تاريخه، وبغضّ النظر عن مدى قانونيتها، أوحى بتحوّل المواجهة الى معركة “تكسير رؤوس”. جرى ذلك في ظلّ عهد أقسم على المحافظة على استقلالية القضاء، فيما “مشروع” هذه الاستقلالية لا يزال تائهًا في غرف القرار.

المرسوم الأول الخاص بالمحاكم العادية للقضاة العدليين وقّعته الوزيرة ماري كلود نجم ونال كافة التواقيع ليستقرّ في جارور “القصر” منتظرًا توقيع رئيس الجمهورية الذي لن يحصل بسبب الاعتراض الرئاسي على بعض المناقلات.

أما المرسوم الثاني الخاصّ بقضاة المحكمة العسكرية فلا يزال في جارور وزيرة العدل بانتظار جواب وزيرة الدفاع زينة عكر حول أسماء القضاة العدليين في القضاء العسكري عملًا بالمادة 13 من قانون القضاء العسكري (الصادر عام 1968)، والتي تشير إلى اختيار هؤلاء القضاة “بناءً على اقتراح وزير العدل ووزير الدفاع بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى”. وهي المادة التي لم يأخذ بها مجلس القضاء الأعلى على اعتبار أنّها بحكم الملغاة. (بناء على المادة الخامسة من قانون تنظيم القضاء العدلي الصادر عام 1983، وجرى تعديلها عام 2001 وتحصر بمجلس القضاء الأعلى اختيار جميع القضاة العدليين).

وقد أتت إجابة الهيئة الاستشارية العليا التي طلبت وزيرة الدفاع رأيها لتؤكّد وجهة نظر مجلس القضاء الأعلى “بأن لا دور لوزير الدفاع في ما يتعلق بمناقلات القضاة العدليين في المحاكم العسكرية”.

نزاع قانوني يخفي ما هو أكبر. معسكر قضائي يجزم بأن تجزئة المرسوم إلى مرسومين هرطقة غير مقبولة، أوحى بمحاولة سياسية للدخول إلى ملعب القضاء، ومعسكر آخر صبّ جَام غضبه على “المجلس” الذي لم يلتزم، برأيه، بوحدة المعايير وغلّب منطق النكايات والمحاصصة داخله وظلم قضاة و”رفّع” قضاة غير مستحقين، وحتّى افتقر إلى الذكاء في بعض الأحيان بسبب نقله المحاصصة من أروقة السياسيين إلى مجلس القضاء الأعلى نفسه، ما استفزّ بشكل كبير رئيس الجمهورية الذي رأى في التشكيلات استهدافًا مباشرًا له. 

إجراء أيّ تعديل في ما يتعلّق بقضاة المحكمة العسكرية سيجرّ إلى إدخال تعديلات على مرسوم القضاة العدليين الموجود اليوم لدى رئيس الجمهورية

وفيما تتوجّه الأنظار الى وزيرة الدفاع لمعرفة وجهة قرارها خصوصًا لجهة اقتراح أسماء قضاة آخرين للمحكمة العسكرية غير تلك الواردة في مشروع التشكيلات، فإن المعطيات تفيد بأن عكر وتجنّبا لاقتراح أسماء قضاة جدد للمحكمة العسكرية ستطلب شطب أسماء ستة قضاة ممّن تمّ انتدابهم الى القضاء العسكري في مشروع التشكيلات، وهم بمثابة فائض على ملاك المحكمة العسكرية البالغ 12 قاضيًا.

وفي هذه الحال تحيل وزيرة العدل مجدّدًا تشكيلات قضاة المحكمة العسكرية إلى مجلس القضاء الأعلى لشطب أسماء هؤلاء القضاة المنتدبين. لكن ذلك سيُواجه بأمرين: الأول إصرار مجلس القضاء الأعلى على رأيه باعتبار ما يحصل بمثابة “اعتداء” على صلاحياته. فيما يشير قضاة إلى أن كان على وزيرة العدل أصلًا حين تسلّمت مشروع التشكيلات للمرّة الثانية بعد ردّ ملاحظاتها بإجماع أعضاء مجلس القضاء أن تُوقِّعه فورًا وتُحيله لنيل باقي التواقيع.

الثاني أن إجراء أيّ تعديل في ما يتعلّق بقضاة المحكمة العسكرية سيجرّ إلى إدخال تعديلات على مرسوم القضاة العدليين الموجود اليوم لدى رئيس الجمهورية. يقول أحد القضاة البارزين “أن هذا التخبيص الذي اقترفته السلطة السياسية بحق التشكيلات والقضاة يفوق بأضعاف الشوائب التي قد يكون تضمّنها مشروع التشكيلات”!

ويُنتظر أن يكون لمجلس القضاء الأعلى ردًّا مباشرًا بناء على الخطوة التي ستتّخذها وزيرة الدفاع، مع العلم أن تأخير التشكيلات في ظلّ واقعٍ حكومي غير مسبوق لجهة فتح ملفات الفساد وملاحقة المرتكبين واستعادة الأموال المنهوبة من الخزينة العامة والمودعين أثّر سلبًا على القضاة الذين شملتهم المناقلات ولم تأخذ طريقها إلى التنفيذ. فحالة المراوحة، برأي مصادر قضائية، تضعف مناعة الجسم القضائي وتوحي بأن التدخلات السياسية قدرٌ محتوم في السلك القضائي. يقابل هذا الرأي جبهة قضائية تجزم بأن التشكيلات كما وردت بالإجماع من مجلس القضاء الأعلى غير مطابقة لما رفعه المجلس من شعارات لجهة الحيادية واعتماد الكفاءة.

مواضيع ذات صلة

إسرائيل تتوغّل جنوباً: هذه هي حرّيّة الحركة!

بعد انقضاء نصف مهلة الستّين يوماً، الواردة في اتّفاق وقف إطلاق النار، ها هي القوّات الإسرائيلية تدخل وادي الحجير. ذلك الوادي الذي كان في عام…

الموقوفون الإسلاميّون… ملفّ أسود حان وقت إقفاله

عاد ملفّ الموقوفين الإسلاميين إلى الواجهة من جديد، على وقع التحرّكات الشعبية المطالبة بإقرار (العفو العام) عفو عامّ لحلّ هذا الملفّ، الذي طالت مأساته على…

الجماعة الإسلامية: انقلاب يقوده الأيّوبيّ ومشعل

إذا أردت أن تعرف ماذا يجري في “الجماعة الإسلامية”، فعليك أن تعرف ماذا يجري في حركة حماس،  وعلاقة الفرع اللبناني بالتحوّلات التي تشهدها حركة حماس……

لا تعهّد إسرائيليّاً بالانسحاب

قابل مسؤولون إسرائيليون الشكاوى اللبنانية من الخروقات المتمادية لقرار وقف إطلاق النار، بسرديّة مُضلّلة حول “الانتشار البطيء للجيش اللبناني في جنوب الليطاني، بشكل مغاير لما…