عودةٌ بلا أفق: من يثق بالحريري؟

مدة القراءة 5 د


دخل سعد الحريري التسوية مُتشاوِفاً على بيئته، مدّعياً أنه يرى ما لا تراه، ويعلم ما لا تعلمُه، وأن لديه عِلمَ الأوَّلين والآخِرين.. وأنه “أبُو السّنة” الذي سيُنجدهم في زمن المخاطر إذا ادلهمّت الخطوب. وها هو اليوم خارج التسوية وخارج السلطة، يُنـَقـِّبُ عن دورٍ في السياسة والكورونا، بينما يقول له الرئيس ميشال عون، الذي وصل على حسابه إلى كرسيّ بعبدا، إنّ التسوية كأنّها لم تكن، فاتحاً باب “الحساب” والعقاب لكلّ من سيقف في وجهه ووجه “خليفته المنتظر”.

ماذا يفعل الحريري العائد إلى بيروت في زمن الكورونا، وفي زمن القحط المالي والسياسي والتصحّر البائس..؟

في 14 شباط الماضي وقف الرئيس الحريري خطيباً في ذكرى استشهاد والده الرفيق، ليعلن أنه توصّل إلى قرارٍ واضح: “التغييرُ، وإعادةُ الهيكلة في التيار، وعقدُ المؤتمر العام، وانتخابُ قيادةٍ تكون شريكاً في القرار السياسي”، وأنه “سيوفـّر شروط العمل في التيار مهما كانت الكلفة”، معلناً أنه “باقٍ في العمل السياسي”، وأن “تيار المستقبل باقٍ وأهل السنّة باقون”.

إقرأ أيضاً: تحالف إسقاط دياب أم ثورة تنزلق نحو الفوضى الشاملة؟

هذه العناوين الكبيرة أطلقها الحريري وبقيت قيد التداول بضعة أيام، ولم تلبث أن طوتها التطوّرات، ليغادر البلد ويعود الآن من دون عنوانٍ واضح، بالتوازي مع قيام الماكينة الإعلامية لتيار المستقبل بنشر مقاطع مصوّرة تحتوي أهازيج التأييد للحريري، وتقدّمه على أنّه المنقذ الآتي، فيما جرى بثّ أخبارٍ ملفّقة عن تحريك الشارع والعمل لإسقاط الحكومة، لم يلبث تيارُ المستقبل أن نفاها وتبرّأ منها سريعاً.

مصدرٌ نيابي شاب “معترض”  في كتلة المستقبل أوضح أنّ وراء عودة الحريري سببين:

ــ الأول: مواجهة الاستهداف للمحسوبين على التيار في الدولة، مع وصول معطياتٍ تقول إنّ ترجمة كلام الرئيس عون بأنّه سيفتح الملفات وأنّه “ليس هناك كبير” على القانون، ستأتي على شكل ملاحقةٍ ربما تكون أشرس من تلك التي شهدها عهد إميل لحود ضد معارضيه، ويجري التداول بأنّ أبرز المستهدفين سيكون الوزير السابق جمال الجراح، إضافة إلى الذين تبوّؤوا، وما زالوا يتبوّؤون، مراكزَ رسميةً بالغطاء الأزرق.

ــ العنوان الثاني: معالجةُ حالة الاحتقان داخل تيار المستقبل بسبب غياب المخارج من الأزمة التي يتخبّط فيها، وعدم التزام الحريري البقاء في البلد والتلاحم مع تياره وجمهوره كما سبق ووعد في ذكرى اغتيال والده.

ويشير المصدر النيابي إلى أنّ أعضاء الكتلة دأبوا على مطالبة الحريري طيلة الفترة الماضية، بالعودة للحصول على الحدّ الأدنى من التفعيل السياسي والمناطقي لأنّ الكتلة مصابةٌ بالشّلل، والنوابَ في حالة حَرَجٍ مع محيطهم وأمام ناخبيهم، ما جعل من الكتلة الزرقاء جسماً غير متماسك، وإن كان أعضاؤها مضطرين للبقاء فيها خشية استفرادهم، فهم محاصَرون بالشلل والضياعٍ الداخلي، الذي يفاقمه الصراع الصامت داخل العائلة “الحاكمة”، وبالاستهداف الخارجي من الخصوم وخسارةُ الحلفاء.

الرئيس نبيه برّي يقول للمعنيين بالعلاقة بينه وبين الحريري أنّه سبق وحذّره من الاستقالة، وأن تلك الخطوة ستخلق خصومة معه وهذا ما حصل. إضافة إلى أنّ مسار تنازلاته أمام النائب باسيل كان دائماً محطّ اعتراض من “الأستاذ” الذي يبني سياسته على “التوازنات”

وسط الصراع المحتدم، يبحثُ الحريري عن موطئ قدمٍ بين “الأقوياء” الذين خرج من ناديهم بفضل تنازلاته الخيالية حتّى فقدَ وزنه الخارجي والداخلي، فقصد النائبَ السابق وليد جنبلاط بعد أن جمعتهما “مصيبة العهد”، وأصبحت هناك ضرورةٌ لتأمين اصطفافٍ مُضادّ يحمي المستهدَفين من سياسات الرئيس والصهر. لكنّ أحد العوائق الكبرى أمام الوصول إلى التنسيق المشترك بين الأطراف المتضرّرة هو عدم الثقة بالحريري، وهذا ما جعله شبه معزولٍ سياسياً، باستثناء النائب السابق وليد جنبلاط الذي يرى ضرورةً لاستيعابه باعتبار أنه يترأس الكتلة السنية الأكبر.

في المقابل، فإن الرئيس نبيه برّي يقول للمعنيين بالعلاقة بينه وبين الحريري أنّه سبق وحذّره من الاستقالة، وأن تلك الخطوة ستخلق خصومة معه وهذا ما حصل. إضافة إلى أنّ مسار تنازلاته أمام النائب باسيل كان دائماً محطّ اعتراض من “الأستاذ” الذي يبني سياسته على “التوازنات”.

أما القوات اللبنانية، فسلوك الحريري المنحاز إلى باسيل في حكومتيه الأخيرتين والاتهامات التي لم يتراجع عنها بحقّ قياداتها بعد عودته من الرياض في أزمة الاستقالة الشهيرة، والتعاطي السلبي على المستوى الشخصي تجاه الدكتور سمير جعجع، جعل الجدار بينهما سميكاً. ولهذا، فآخر محاولات التقارب خلال لقاء الحريري بالوزيرة السابقة مي شدياق في باريس مؤخراً، لم تُحدِث أيّ خرقٍ لأنّ الحريري يرفض تقييم المرحلة السابقة ويأخذ النقاش على محملٍ شخصيّ، كما يرفض الالتزام بأيّ خطواتٍ واضحة لتنظيم العلاقة بين القوات والمستقبل.

هذا الانسداد في العلاقات بين الحريري وبرّي والقوات والكتائب وبقية القوى المتضرّرة من العهد، دفع بعض المفاوِضين إلى طرح أن يكون “البيك” جنبلاط هو الضامن للحريري في حال تطوّرت الأحداث واضطرّ الجميع للتعاون في مواجهة “موجة الإلغاء” المتوقعة.

هل سيتمكّن الرئيس الحريري من حماية جماعته في الدولة، ومن استعادة مكانته بين “الأقوياء”، ومن استجماع قواه داخل كتلته وتياره؟

الإجابةُ على هذا السؤال ربما تكمنُ في قراءة السلوك السياسي للحريري واستعادة الوعود التي دأب على إطلاقها والبحث فيما تحقـّق منها للوصول إلى الاستنتاج الموضوعي وتحديد ما يمكن توقـعّه في المرحلة المقبلة، لكن المصدر النيابي الأزرق (المعترض) يخلص إلى الاستعانة بكعب بن زهير ليختصر القول:

كَانَت مَواعيدُ عُرقوبٍ لَها مَثَلاً

وَما مَواعيدُها إِلّا الأَباطيلُ

فَلا يَغُرَّنَكَ ما مَنَّت وَما وَعَدَت

إِنَّ الأَمانِيَ وَالأَحلامَ تَضليلُ.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…