لن يطول الأمر قبل أن نشهد تصعيداً عسكرياً على حدود لبنان الجنوبية. فحزب الله قد تجاوز قواعد الاشتباك التي رسمها هو بنفسه، حين قال إنّ سوريا هي ساحة المواجهة، ودعا الراغبين بقتاله إلى اعتماد الساحة الجديدة هناك.
وحزب الله “التزم” بهذه القواعد خلال السنوات الماضية. وكان ولا يزال راضياً بالاستباحة الجوّية لسيادة لبنان، من قبل الطائرات الإسرائيلية. إعترض على دخول سلاح المسيّرات الصغيرة إلى الأجواء اللبنانية، فوجّه صاروخين نحو آلية عسكرية إسرائيلية في مستوطنة أفيفيم، ولم يصب أحد بجروح.
في عمليته شهر أيلول الفائت، “خلط” حزب الله بين أن يكون الصاروخان ردّاً على قتل عنصرين له في سوريا قبل أيّام من العملية، وبين أن يكون ردّاً عل دخول طائرتين مسيّرتين إلى أحد شوارع ضاحية بيروت الجنوبية، في “محاولة اغتيال فاشلة”، بحسب إعلامه. لكن ليل الجمعة الفائت، كان حزب الله واضحاً بأنّ محاولة استهداف كوادره في سوريا، سيردّ عليها من لبنان من الآن فصاعداً.
إقرأ أيضاً: بيان “الخارجية” ضدّ الحوثيين: حزب الله يسهّل التطبيع مع العرب
ما فعله حزب الله، دون أن يعلن مسؤوليته، هو قصّ الشريط الشائك بين لبنان وفلسطين المحتلّة، في ثلاثة مواضع منه، تزامناً مع توزيعه فيديو يظهر خروج ثلاثة كوادر تابعين له، من سيارة “جيب شروكي”، في جديدة يابوس، بريف دمشق.
ثلاثة كوادر كانوا بعيدين دقائق عن الموت، وقصّ الشريط الشائك في ثلاثة مواضع. تعادل، لكنّه يؤشّر الى رغبة حزب الله في تغيير قواعد الاشتباك. هو جسّ نبض لإسرائيل. والأرجح ان اسرائيل ستردّ. لكنّ دقّة حزب الله أنّه لم يخرق القواعد المعمول بها. ففي مقابل استهداف آلية مدنية فيها كوادر كانوا مدنيين، قصّ الشريط الشائك، ولم يعلن مسؤوليته.
حزب الله كان قدّم تنازلات مشكورة على سبيل تجنيب لبنان الانهيار الكامل. سلّم العميل الإسرائيلي عامر الفاخوري إلى الولايات المتحدة الأميركية. وتراجع عن تعيين بديل لنائب حاكم مصرف
كأنّ حزب الله يريد القول إنّه استكمل عودته إلى لبنان، وأنّ اعتماده “الساحة السورية” للردّ، من الجولان كما حاول لسنوات، مسألة باتت خاضعة للمراجعة ، وأنّه من اليوم فصاعداً سيردّ من لبنان، وعلى إسرائيل بشكل مباشر.
لكنّ اللافت في الفيديو الذي وزّعه إعلام حزب الله غير الرسمي، أنّ الكوادر الثلاثة خرجوا على مهل، ولدقائق طويلة، أخرجوا حاجاتهم وحقائبهم من السيارة، وابتعدوا عنها بهدوء، وببطء شديدين، قبل أن يستهدفها صاروخ من طائرة إسرائيلية، كما تقول الرواية.
[VIDEO]
هناك رواية حزب الله غير الرسمية، عن أنّ السيارة نجت من الصاروخ الأوّل، وهي غير مقنعة. وهناك إمكانية أخرى، وهي أن يكون حزب الله قد تلقّى معلومات حول الاستهداف. خصوصاً أنّ إسرائيل تبلغ الجانب الروسي بكلّ تحرّك لطائراتها في سماء سوريا، باتفاق واضح بين الطرفين.
ردّ حزب الله من جنوب لبنان هو تحوّل جديد واستراتيجي، يعني اللبنانيين كلّهم. فربط النزاع الذي أسكت “السياديين” في لبنان، عن ذهاب حزب الله إلى سوريا، كان يعني في ما يعنيه، تحييد لبنان عن النزاعات هناك. أمّا عودة حزب الله إلى خلط الساحتين، اللبنانية والسورية، فهو تطوّر يعني كلّ اللبنانيين، وليس فقط حزب الله وإسرائيل.
ما جرى على الحدود اللبنانية خطير . حزب الله فتح ملف الجنوب مرّة جديدة. حكومة حسّان دياب مطالبة بموقف. وزير الخارجية مُطالب بموقف. وكلّ القوى والشخصيات السيادية مُطالبة بموقف. لبنان ليس ساحة. لبنان غارق في إفلاس ماليّ وفي انهيار اقتصادي، وفي أزمة صحيّة. لبنان لا يتحمّل حرباً جديدة.
حزب الله كان قدّم تنازلات مشكورة على سبيل تجنيب لبنان الانهيار الكامل. سلّم العميل الإسرائيلي عامر الفاخوري إلى الولايات المتحدة الأميركية. وتراجع عن تعيين بديل لنائب حاكم مصرف لبنان محمد بعاصيري، بطلب أميركي، وسمح لوزير الخارجية ناصيف حتّي بإصدار بيان يدين القصف الحوثي للمملكة العربية السعودية، وهو ما كان ممنوعاً على جبران باسيل حين كان في قصر بسترس.
لبنان ليس ساحة. صحيح أنّ حزب الله له رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس النواب حليفه، وهو سمّى رئيس الحكومة، والحكومة تأتمر منه، لكنّ لبنان ليس ملكه. واللبنانيون لن يقبلوا أن يهرب من عجزه عن إدارة لبنان، بكلّ هذه القوّة والسيطرة على المؤسسات الرسمية، من خلال طرق أبواب الحرب.