المتديّنون وصدمة الكورونا: هل انتهى دور رجال الدين؟

مدة القراءة 5 د


إنتشار وباء الكورونا السريع في العالم أدّى إلى صدمة كبيرة في الأوساط المتديّنة (المسلمة والمسيحية)، وأما في البيئة اليهودية فليس لدينا معطيات كافية للحديث عنها.

لقد بدأ النقاش سريعاً في هذه البيئات حول أسباب المرض، وكيفية انتشاره، وكيف يمكن التعاطي معه عملياً، وخصوصاً على صعيد الطقوس الدينية والذهاب إلى الكنائس والمساجد والحسينيات والخلوات الدينية، والمشاركة في مراسم الدفن والعزاء إلى غير ذلك من الممارسات الدينية الجماعية والمشتركة.

وأخذ المتديّنون بداية يقولون بالعودة إلى التراث القديم، من أحاديث وروايات وقصص من أجل تفسير ما يجري والتوصل إلى حلول للمعالجة. وباستثناء الحديث المنقول عن الرسول محمّد صلعم حول التعاطي مع الطاعون والعودة إلى بعض القواعد الدينية العامة، لم يجد المتديّنون الكثير من الأجوبة حول ما يجري، ولجأ البعض إلى أحاديث العزلة وآيات البلاء والامتحان والحاجة إلى الاستفادة مما يجري للعودة إلى الله والإيمان وأخذ العبرة من انتشار الفساد والجشع.

إقرأ أيضاً: مصادر حزب الله: إمكانات “الحرب” بتصرّف كورونا

لكن التحدّي الأهمّ كان في العلاقة مع المساجد والكنائس، والمشاركة في الصلوات الجماعية وصلاة الجمعة والقداديس وزيارة المقامات المقدسة. حاول البعض في البداية المعاندة والإصرار على الاستمرار في ممارسة الطقوس التقليدية، لكنّ انتشار الوباء دفع معظم المرجعيات الدينية الإسلامية والمسيحية إلى اتخاذ القرار بوقف الصلوات الجماعية والقداديس المشتركة. وشهدنا مؤخراً القدّاس الذي أقامه بابا الفاتيكان في روما وكان شبه وحيدٍ فيه، فيما لأوّل مرّة في التاريخ تخلو الكعبة من الحجّاج والمعتمرين، إلا القليل القليل. وفرغت المساجد والكنائس من الصلوات والقداديس. ومن عاند من بعض المسلمين نراه وقد عمد إلى إقامة صلاة الجمعة في الشوارع، في حين حاول بعض الكهنة الاستمرار في إقامة القداديس، لكنّ ذلك كان له انعكاسات سلبية وزاد من انتشار الوباء في بعض المناطق.

نحن إذن أمام ظاهرة جديدة في حياة المتديّنين في العالم، إذ لم تعد أماكن العبادة التقليدية (مساجد أو كنائس) هي مكان التواصل بين المؤمنين والخالق. ولم يعد رجال الدين هم الواسطة لنقل المعرفة الدينية أو الأحكام والمواعظ. وعاد كلّ مؤمن أو متديّن لمنزله لإقامة الصلوات والعبادات والأدعية، والتواصل المباشر مع الله دون أيّ وسيط.

طبعاً، لا يعني ذلك إلغاء دور رجال الدين والمؤسسات الدينية وأماكن العبادة التقليدية (ولو مؤقتاً). فهؤلاء استفادوا من الوسائل الجديدة للتواصل مع المؤمنين عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال وسائل الإعلام التقليدية. لكنّ اللقاء المباشر أصبح محدوداً، وحتّى المناسبات الدينية التقليدية تراجعت، ولم نعد نسمع عن إقامة مجالس العزاء ومناسبات الأسابيع بعد الموت، وإلقاء الكلمات السياسية أو الدينية. وأمّا مراسم الدفن والعزاء، فاقتصرت على الأهل والأقرباء المقرّبين، واعتذر أهل المتوفين عن تقبّل التعازي. وعند اللقاء بين المؤمنين والمتديّنين، لم نعد نشهد المصافحة والتقبيل، رغم أنّ الاحاديث الدينية والفتاوى كانت تشجّع عليها.

نحن إذن أمام عالم جديد في أوساط المتدينين. والأسئلة بدأت تنتشر حول أبعاد ما يجري وما هو المستقبل المنتظر؟ وهل نحن أمام مرحلة مؤقتة أو طويلة؟ وأيّ عالم ينتظرنا ما بعد الكورونا؟ وهل هي بدايات يوم القيامة ونهاية العالم؟ أو سنكون أمام عالم جديد سياسياً وإيمانياً وقيمياً ودينياً واقتصادياً؟

عالم المتديّنين اليوم ما بعد كورونا يتغيّر. ولا نعرف إلى متى ستستمرّ هذه المرحلة. لكن على الأقل شهدنا أياماً تتعطّل خلالها المساجد والكنائس والحسينيات، ويتراجع حجم ذهاب الناس إلى المقامات ومراكز الأولياء

طبعاً، في الوجه الإيجابي لما حصل هو عودة الناس إلى التكافل والتضامن الاجتماعي، والبقاء مع العائلات والأهل ولو بحدود معيّنة دون التزاور وإقامة صلات الرحم. كما شهدنا العودة للاستفادة من العزلة والتأمل والتفكير، وإن كان وجود مواقع التواصل الاجتماعي من السهل والطبيعي كسر هذه العزلات من خلال تبادل الرسائل والأحاديث والآيات والنصوص المتنوّعة، وخفّف قليلاً من آثار العزلة والانقطاع عن الناس.

عالم المتديّنين اليوم ما بعد كورونا يتغيّر. ولا نعرف إلى متى ستستمرّ هذه المرحلة. لكن على الأقل شهدنا أياماً تتعطّل خلالها المساجد والكنائس والحسينيات، ويتراجع حجم ذهاب الناس إلى المقامات ومراكز الأولياء. وأصبح التواصل مع الله مباشرة دون وسيط. فكيف سيغيّر كلّ ذلك في البيئات المتديّنة؟ وما هي الأسئلة المقبلة التي سيطرحا المتدينون؟ وأيّ دور لرجال الدين والمؤسسات الدينية مستقبلاً؟  

لا يعني طرح كلّ هذه الأسئلة أنّ دور رجال الدين انتهى، وأنّ المؤسسات الدينية التقليدية ستختفي، وأنّنا لن نعود إليها مستقبلاً وبعد انتهاء الأزمة، لكن على الأقل فإنّنا اليوم نشهد هذه المرحلة، ولا ندري إلى متى ستستمرّ، ولا بد أن تظهر مستقبلاً نتائجها على كلّ الواقع الديني.

مواضيع ذات صلة

أيّها اللبنانيّون.. إلى الكمّامة  دُرْ

أعلن وزير الصحة فراس أبيض ارتفاع النسبة الموجبة لفحوص كورونا إلى 2 .14% بعدما كانت تراوح في بداية شهر كانون الأول الفائت بين 5.5% و6%….

كورونا يعود بقوّة: زيادة الوفيات 78% في الشرق الأوسط

قالت منظمة الصحة العالمية أمس الأول (الثلاثاء) إنّ حالات الإصابة بفيروس كورونا تضاعفت ثلاث مرّات في جميع أنحاء أوروبا خلال الأسابيع الستة الماضية، وهو ما…

الكورونا مجدّداً في لبنان: هل “ينفجر” في تموز؟

كورونا.. جدري القردة.. التهاب الكبد الوبائيّ. يبدو أنّ البيئة المجتمعية والصحيّة في لبنان تساعد على تكاثر الفيروسات. دخل “جدري القردة” لبنان عبر حالة وافدة من…

“أنت البطل في معركة الوباء”.. كواليس كورونا الصينية

“أنت البطل في معركة الوباء” (To fight against covid-19, you are the hero) هو عنوان كتاب يعود بنا إلى بداية أحداث انتشار وباء فيروس كورونا في…