كورونا التراب وقدسيته… “بكنوز الدني”؟

مدة القراءة 4 د


احتفت قناة “OTV” بخبر إدخال حفنة من تراب مأخوذة من ضريح القديس مار شربل إلى مستشفى رفيق الحريري الجامعي. مراسلو المحطة التابعة لرئيس الجمهورية، قاموا بحملة على مواقع التواصل الإجتماعي للضغط باتجاه السماح بإدخال التراب الذي رأوا فيه علاجاً مقدّساً شافياً من الكورونا. لكنّ للتراب وقدسيته حكاية مع اللبنانيين، لا تبدأ من مار شربل، ولا تنتهي به. 

أن يرفع بعض المسيحيين اللبنانيين من شأن التراب إلى مصاف القداسة، فذلك بلا شكّ يضعهم في ارتباك مع مقولة السيد المسيح: “اذكر يا إنسان أنّك من تراب وإلى التراب تعود”، مع كل ما تحمله من تحقير لقيمة التراب. ومعادلة المسيح هذه وجدت صداها في كثير من الشعر العربي، من أبو فراس الحمداني الذي يؤكد أنّ “كل ما فوق التراب تراب”، إلى المتنبي الذي قال: “يدفن بعضنا بعضاً وتمشي أواخرنا على هام الأوالي”، إلى المعرّي الذي افتتن بالمتنبي وفسّر ديوانه، فيقول من وحي ما قاله: “خففّ الوطء ما أظنُّ أديم الأرض إلا من هذه الأجساد”، إلى إيليا أبو ماضي الذي أنشد محتقراً الإنسان المغرور المولود من تراب: “نسي الطين ساعة أنّه طين حقير فصال تيهاً وعربد”. وكلها تدل على احتقار التراب كمادة يفنى بها الجسد ويتحلل. ومع ذلك، تجد في الثقافة اللبنانية خصوصاً، تمجيداً وتقديساً للتراب.

إقرأ أيضاً: كيف نكمل حياتنا بلا دلع… يا وزير الصحّة؟

فهذا وديع الصافي يطلب من العصفور بعدما حلّفه بالغصن “رح حلفك بالغصن يا عصفور/ كلمات ميشال طراد)، أن يغط ويحمل له من “خرطشة ديها”(حبيبته)، من تحت إجريها، شي نقدتين تراب”. حفنة بسيطة من التراب تصير ذات قيمة عالية لدى الحبيب إذا كان مصدرها من تحت قدميّ حبيبته. قد تمرّ هذه المعادلة ببساطة أثناء الإستماع إلى الأغنية، لكنّ التفكير بها وبمدلولاتها يجعلنا “نفهم”، ربما، هذا التقديس لتراب من باحة قبر القديس مار شربل في عنايا، والاعتقاد لدى المؤمنين بمعجزاته، بأنّ هذا التراب، مخلوطاً بالماء، يشفي من الكورونا. واذا أعملنا المعول في أغاني فيروز والأخوين الرحباني، لخرج منها تراب كثير، فها هي السيدة فيروز تغني لتراب عينطورة، وتضع التراب في مصاف الجنّة في أغنية “ع إسمك غنيت” حينما تقول: “بمجدك احتميت بترابك الجنّة”، ثم تُعلي الصوت في أغنية ثالثة: “اشلحني على ترابات ضيعتنا”، وتنتهي إلى: “خذني ازرعني بأرض لبنان”. وفي “إسوارة العروس”(كلمات جوزف حرب) تغني فيروز لتراب الجنوب “المشغول بقلوب”، والذي يؤدي مجرد التفكير بخسارته إلى سوداوية وموت: “الشمس بتطلع سودا وبيبس الموج إذا بفكر إنّو ترابك مش إلي”. ولم يوفر زياد الرحباني أمّه والأخوين الرحباني من سخريته من مسألة التعلق بالتراب في الأغاني الوطنية، حينما في مسرحيته “شي فاشل” تقول إحدى الشخصيات في معرض الحديث عن حفل غنائي في إحدى دول الاغتراب: “وعينك تشوف لما طلعتلن بموال “يعمر دين ترابك”، شو صار بالحاضرين… البكي النحيب…”. وهذه إشارة إلى أن اللبنانيين حينما يبتعدون عن لبنان يتعلقون عاطفياً بتراب بلادهم، ويبدو أنّ هذا التعلّق العاطفي يتحّول إلى تعلق مادي، حرفي، بالتراب، كمادة وليس فقط كمجاز. 

ولا تحيد جوليا بطرس في أغنيتها الوطنية “نرفض نحنا نموت” عن هذا المزاج العام لتقديس التراب حدّ القول: “يفنى كل الكون وما ينقص حبّة من ترابك يا جنوب”، وهي تزايد بذلك على فيروز التي سبقتها إلى ارساء معادلة أقل راديكالية تتعلق بلبنان ككل مفادها: “حبة من ترابك بكنوز الدني”.

فهل نشهد أياماً يجري فيها خلط التراب اللبناني بالمياه واعتماد الخليط كعقار لرفع منسوب الوطنية عند من يعانون من نقص فيها، ونشهد تطبيلاً لهذا “الإنجاز” من بعض وسائل الإعلام على غرار ما فعلت “OTV” مع تراب مار شربل؟

 

مواضيع ذات صلة

أيّها اللبنانيّون.. إلى الكمّامة  دُرْ

أعلن وزير الصحة فراس أبيض ارتفاع النسبة الموجبة لفحوص كورونا إلى 2 .14% بعدما كانت تراوح في بداية شهر كانون الأول الفائت بين 5.5% و6%….

كورونا يعود بقوّة: زيادة الوفيات 78% في الشرق الأوسط

قالت منظمة الصحة العالمية أمس الأول (الثلاثاء) إنّ حالات الإصابة بفيروس كورونا تضاعفت ثلاث مرّات في جميع أنحاء أوروبا خلال الأسابيع الستة الماضية، وهو ما…

الكورونا مجدّداً في لبنان: هل “ينفجر” في تموز؟

كورونا.. جدري القردة.. التهاب الكبد الوبائيّ. يبدو أنّ البيئة المجتمعية والصحيّة في لبنان تساعد على تكاثر الفيروسات. دخل “جدري القردة” لبنان عبر حالة وافدة من…

“أنت البطل في معركة الوباء”.. كواليس كورونا الصينية

“أنت البطل في معركة الوباء” (To fight against covid-19, you are the hero) هو عنوان كتاب يعود بنا إلى بداية أحداث انتشار وباء فيروس كورونا في…