سماحة المفتي ماذا تنتظر؟

مدة القراءة 5 د


قد لا نحتاج في لبنان إلى لقاءات قمة كاللقاءات التي كان يرأسها سماحة مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد في عرمون خلال حرب السنتين (1975-1976)، فالزمان تغيّر، وتبدّل معه رجال السياسة، وأولويات القضايا، بل اختلف العمل السياسي نوعاً ومستوى، وقبله وبعده، الخطاب. وقد لا نكون نأمل كثيراً لو رأينا لقاءً إسلامياً بقيادة سماحة المفتي الشيخ الدكتور عبد اللطيف دريان، يلتئم دورياً، يجمع رؤساء الحكومة والنواب، فيصدر عنه موقف سنّي جامع من المسائل الملّحة المطروحة، بغضّ النظر عن حسابات وموازنات، وتحالفات وتخاصمات، لا تخلو منها أيّ ساحة سياسية. لكن من غير المقبول إطلاقاً، أن يستمرّ المشهد السنّي السياسي بهذا الضمور والهُزال، الذي أصبح المرآة العاكسة تماماً لحال البلد ككل، حتى لو زعم الآخرون أنّهم بخير ما داموا، كطوائف منظمّة نسبياً، بخير في أُطرهم الضيقة محلياً، وفي علاقاتهم التقليدية ما وراء الجبال والبحار.

إقرأ أيضاً: عن الولاء الديني للزعيم

فهل يغفل العالمون أنّ لبنان اليوم على حافة مرحلة نوعية جديدة، قد تكون الأسوأ في تاريخه، ليس بسبب الفشل الاقتصادي وما رافقه من فساد مستطير وحسب، بل بسبب العَطَب الذي أصاب النظام السياسي في السنوات الأخيرة على نحوٍ خاص، بما يتجاوز روح الوفاق الوطني، متخطياً بذلك مسألة انتهاك الدستور نصاً وروحاً، إلى ما يشبه الموات في البنية السياسية التي قام عليه البلد. وأن من أهم أسباب هذا العَطَل في هذا النظام، ما استدعى الدعوة إلى إسقاطه ودفنه والبحث عن بديل، هو البطالة السياسية التي يعاني منها المكوّن السني في هذا النظام، فلا مبادرات خلّاقة، ولا خطاب طليعي، ولا ممارسة مسؤولة في التحالف والتخاصم، ولا مصداقية في الالتزامات. وإذن، عندما تكون طائفة كبيرة شريكة في تأسيس الكيان اللبناني، في حال انعدام الوزن وغياب الصوت، فهل يمكن توقّع مستقبل أفضل للبنان؟ بل كيف يمكن للبنان أن يخرج من أزمته الوجودية حالياً، وأهل السنّة الذين هم بوابة لبنان إلى العالم العربي عامة، والخليج خاصة، يفتقدون إلى الخطاب الملائم فضلاً عن الرجل المناسب، للتواصل والتفاعل، والبحث في سبل الدعم وتقديم العون على أنواعه، ولبنان كلّه في أمسّ الحاجة إلى هذا السند الشقيق، أي استتباعاً إلى الدور السنّي اللبناني الفاعل، الذي بات غائباً، وهو نقطة الضعف في الدولة حالياً، وهو الثغرة في أي مشروع استنهاض.

غياب القيادات السنية عن وضع الخطط الاستباقية في الاتجاه نفسه، ما عدا مبادرات منفردة وجزئية لأحزاب أو جمعيات، كفيل بمواجهة احتمالات وخيارات صعبة، ستصيب المكوّن السني، وستكون آثاره السلبية على كل لبنان

بالطبع ليس مطلوباً من شركاء الوطن ولا مقبولاً منهم أن يحلّوا الأزمة السنية، وإلا لزادوها رَهَقاً، بل على أهل البيت أن يقوموا بدورهم الوطني تجاه أنفسهم وتجاه شركائهم المواطنين، فينظّموا صفوفهم، ويستلموا زمام المبادرة التي تنتظرهم وحدهم لا غيرهم، وأن يتجاوزوا عنق الزجاجة، من الاختلافات التافهة التي تعصف بما تبقى من هياكل ومؤسسات، سياسية واجتماعية ودينية. فالأزمة أكبر من صراع الإخوة على مَنْ يخلف مَنْ على زعامة ماذا، والمجتمع السني في أصعب ظروفه، بلا قائد حقيقي ولا أحزاب حقيقية ولا مؤسسات حقيقية، فيما يواجه موجة حقيقية من الفقر والعوز ستطال أكثر شرائحه، وفي كل مناطق انتشاره دون استثناء. وإذا كانت الطوائف الأخرى قادرة، أو تظن بأنها قادرة، على تنظيم الخراب الآتي بإجراءات استثنائية للأمن الغذائي، وتالياً للأمن الاجتماعي، لأن الأول يُفضي إلى الثاني حكماً، فإنّ غياب القيادات السنية عن وضع الخطط الاستباقية في الاتجاه نفسه، ما عدا مبادرات منفردة وجزئية لأحزاب أو جمعيات، كفيل بمواجهة احتمالات وخيارات صعبة، ستصيب المكوّن السني، وستكون آثاره السلبية على كل لبنان.
ما هو واجب الوقت إذن؟
هو تداعي القيادات الفاعلة في كل المجالات إلى الاجتماع في مؤتمر شامل، تُناقش فيه كل أولويات المرحلة، وتحت رعاية دار الفتوى، لأنها المؤسسة القادرة حكماً على تجاوز كل الحساسيات السياسية والحزبية، ويجب أن تكون كذلك. ثم تنبثق عن هذا المؤتمر لجنة متابعة لتنفيذ المقررات العاجلة المفروض أن تخرج عن هذا المؤتمر، تتألف من اختصاصيين في مجالاتهم، وما أكثرهم. وإلى جانب ذلك، يُعاد إحياء “اللقاء الإسلامي” بصبغة جديدة عنوانها التصدّي للمسائل الحيوية بحسب الأولويات الحاكمة في هذه المرحلة، فلا خلاف بين مكوّنات الساحة السنية على أولوية الدولة ومؤسساتها، وعلى دور الطائفة في النظام السياسي، وعلى الالتزام بالدستور ووثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف)، وعلى التوازن بين المؤسسات الدستورية، وعلى الإصلاح الشامل الذي لم يعد مطلباً ولا ترفاً، بل وسيلة نجاة من السقوط الحرّ الذي لا قعر له.
النائب نهاد المشنوق كان زار المفتي دريان في الخامس من كانون الأوّل 2019، وأعلن أنّه طرح على المفتي “عقد اجتماع للمنتخبين من كلّ الفئات للتشاور واعتماد المعايير ‏التي وضعها رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري لتشكيل الحكومة”.‏
إن افتقاد الدور السنّي الوازن والوسطي في النظام اللبناني، أصاب الأخير بالخلل والاختلال. والإمعان في غياب هذا الدور ذاتياً، أو تهميشه من الغير، (والنتيجة واحدة في كل حال)، لا يبشّر بأي خير في قابل الأيام. البلد أكبر من أن يُبلع، لكنه أصغر وأضعف من أن تعاني فيه طائفة كبيرة!

مواضيع ذات صلة

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…

الأكراد في الشّرق الأوسط: “المايسترو” بهشلي برعاية إردوغان (1/2)

قال “أبو القومية التركية” المفكّر ضياء غوك ألب في عام 1920 إنّ التركي الذي لا يحبّ الأكراد ليس تركيّاً، وإنّ الكردي الذي لا يحبّ الأتراك…