ماذا قال جنبلاط لنصر الله؟

مدة القراءة 5 د


في العام 2014، أطلق وليد جنبلاط نظريته حول انتهاء مفاعيل اتفاقية “سايكس -بيكو”. قال يومها إنّه في الذكرى المئوية للاتفاقية، أي في العام 2016، ستدفن المعالم السياسية. وبعيد إعلان الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، ودخول روسيا بقوة إلى سوريا مع حفاظ إيران على نفوذها هناك وهنا في لبنان، طرح جنبلاط معادلة بديلة عن “سايكس – بيكو” ستتحكم بمفاصل التحوّلات السياسية في هذه المنطقة. أطلق عليها يومها وصف معادلة “ظريف – لافروف”، بحكم النفوذ الروسي الإيراني فيها، مقابل الغياب الأميركي، أو التراجع عن دعم الحلفاء التقليديين، وكأنّ الولايات المتحدة الأميركية تسلّم الورقة السورية كاملة إلى موسكو، ومن يتسلّم سوريا سيتسلّم لبنان حكماً.

إيران ستبقى قوية بنفوذها نظراً إلى ما تكبدته من أثمان في سوريا، وعمليات تهجير وفرز سكاني ممنهج يخدم تأمين طريق إمدادها إلى لبنان، حيث ترتكز على قوة سياسية واجتماعية وتنظيمية هائلة لن يكون من السهل عزلها أو تحجيمها، وسيكون هناك ضرورة للتعاطي والتفاوض معها، خصوصاً أنها تمتلك السيطرة على الحدود مع سوريا ومع فلسطين المحتلة اجتماعياً وسياسياً وعسكرياً.

إقرأ أيضاً: تفاصيل زيارة الحريري إلى الإمارات

على طريقته يختار جنبلاط إطلاق مواقفه وإشاراته. بعد تسوية انتخاب ميشال عون، ارتأى أن لبنان الكبير سيتغير بعد مرور 100 سنة على نشوئه. كان يعتبر أنه سيكون جزءاً من محافظة اللاذقية أو الشام بالمعنى السياسي، في ظل محاولات دولية كثيرة لإعادة تعويم النظام السوري، فيما أنجز حزب الله مهمة إذابة الحدود بين لبنان وسوريا وضمَ جزء من الأراضي اللبنانية والسورية إلى بعضها البعض. وصل الحال في لبنان إلى الانفجار الاجتماعي والسياسي الهائل الذي حصل في 17 تشرين الأول الفائت، والذي سيرسي الكثير من المتغيّرات على الصعيد السياسي مستقبلاً، لكنّ تأثيراته بدأت بشكل غير محدود على بنية النظام الاقتصادي والمصرفي اللبناني.

الحرب المفتوحة على المصارف تشكّل إحدى أكبر أسلحة المعركة بوجه النظام أو في سبيل تحقيق هدف تغييره أو تعديله أو تحسين الشروط  فيه. بمعنى أنه لا يمكن أن يُعاقب مصرف تابع لحزب الله فقط، إنّما كل المصارف عرضة للمعاقبة، ولا يمكن الحجر على ودائع المرتبطين بحزب الله، إنّما ودائع كلّ اللبنانيين ستكون بخطر. وهذه اختصرها جنبلاط قبل أيام، بعيد اتّخاذ المدعي العام المالي علي ابراهيم قراراً بالحجز على أصول المصارف وأصحابها، بأنها “بداية خطّة لتأميم المصارف وغير المصارف في بلد فيه ازدواجية سلطات، يبدو المطلوب دفن لبنان الكبير في مناسبة مئويته”.

وجّه جنبلاط سهامه إلى حزب الله ورئيس الجمهورية، وكأنّه يوحي بأنّهما يريدان الانتقام من المصارف ومن قوى سياسية هم ليسوا على علاقة جيدة بها، ليستكمل موقفه بحديثه جريدة “لوريان لو جور”، بقوله إنّ المطلوب هو “الذهاب بلبنان إلى الشرق المجهول، بدلاً من الحفاظ على توازنه بين الشرق والغرب”. واتّهم النظام اللبناني بالذهاب إلى الشمولية أكثر فأكثر، وما يجري مع المصارف هو البداية على هذا الطريق، طالما أنّ الفئة الحاكمة ترفض الدخول في مفاوضات جدية مع الهيئات الدولية لإصلاح الوضع الاقتصادي، وعاجزة عن إتخاذ قرارات إصلاحية حقيقية من خلال الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وفق شروط لبنانية.

جنبلاط قبيل اتخاذ القرار بعدم دفع سندات اليوروبوند، أرسل رسالة إلى حزب الله ونصر الله شخصياً، ينصحه فيه بعدم اتخاذ قرارات من جانب واحد

ما قصده جنبلاط بـ”الشرق المجهول”، هو أن الاستمرار على هذا النهج الانتقامي والشمولي، سيدفع بلبنان إلى حالة انعزال تام عن العالم ويعيده إلى ظلامية الأنظمة التوتاليتارية حيث تغرق الجماعات في حقد أعمى يسلّط سيفه على رقاب الناس والمعارضين وهو ربما ما قصده بقوله: “إن الفئة الحاكمة ستصبح أكثر قساوة”. ولا يخلو الموقف من ردّ بمفعول رجعي على موقف الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله عندما اعتبر أنّه بالإمكان التخلي عن الحاجة للأميركيين والذهاب نحو الصين، مع العلم أن الصين بقدها وقديدها لا يمكنها الاستغناء عن الأميركيين وذهبت إلى توقيع اتفاق التجارة بشروط أميركية.

وتكشف مصادر سياسية لـ”أساس” إنّ جنبلاط قبيل اتخاذ القرار بعدم دفع سندات اليوروبوند، أرسل رسالة إلى حزب الله ونصر الله شخصياً، ينصحه فيه بعدم اتخاذ قرارات من جانب واحد، إنما الأفضل الذهاب إلى مفاوضات مع الجهات الدائنة، كي لا يكون مصير لبنان كمصير فنزويلا. وهذا ما حدا بالحكومة إلى استخدام مصطلح “تعليق الدفع” ربطاً بإجراء مفاوضات لإعادة هيكلة الديون وليس “عدم الدفع”، وتضمّنت رسالة جنبلاط نصيحة “بالتعاطي بجدية مع صندوق النقد الدولي لأنّه الفرصة الوحيدة المتاحة أمام اللبنانيين للمساعدة”.

ربما أكثر ما يخشاه جنبلاط في نظرية “الشرق المجهول” هو النزعة العنصرية التي يتعاطى بها فريق من اللبنانيين مع الأفرقاء الآخرين، والتي تنبع من شعور دائم بالحاجة إلى صراعات “الوجود” وحروب البقاء، التي يدّعي هؤلاء بأنهم يخوضونها. وهي لا تؤسس إلا لمزيد من الحقد والصراعات الأقلوية التي يعبّر عنها بعض هؤلاء بصيغة “التحالف المشرقي” برعاية روسيا، التي يصفها الفريق نفسه بأنها “حامية الأقليات”.

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…