4 أجهزة أمنية تحمي تسعيرة الحاكم

مدة القراءة 3 د


يرفع الصرّاف سمّاعة الهاتف ليجيب عن سؤال لزبون مرتاب يريد أن يعرف سعر صرف الدولار مع بداية الأسبوع، فيعاجله زبون آخر من الخارج بسؤال مماثل: “قديش الدولار اليوم؟”. يمدّ يده الأخرى إلى الأعلى من خلف الزجاج ويشير له مستعملاً أصابعه الأربعة مستثنياً الإبهام، ويتمتم بصوت منخفض: “أربعمية”. يعيد الزبون التأكيد على الرقم ليتأكد أنّه فهمه، لكن بصوت مرتفع: “أربعمية؟”. تتغيّر ملامح الصراف وينتابه الغضب، فيخفض سماعة الهاتف ويكمّها براحة يده ويقول: “يا زلمي بدك تسمّع الحي كلو ليجي حدا يعمل لي محضر ضبط؟”.

أنا الشاهد على تلك الحادثة، أسأل الصرّاف عن الجهة التي قد تسطّر محاضرَ الضبط بحقه وحقّ الصرافين المخالفين لتعميم مصرف لبنان الهزلي الأخير، فيقول: “يا رجل مسلطّين علينا 4 أجهزة أمنية… بدهم حدا حتى يلبّسوه التهمة ويعملوه كبش محرقة”. أضحك في سرّي وتزامناً تحملني ذاكرتي 22 سنة إلى الخلف. إلى ربيع العام 1998 حين كنت ابن العشرين ربيعاً أقصد العاصمة السورية دمشق برفقة أترابي من الأصدقاء، نرتاد مقاهيها ومطاعمها وملاهيها الليلة مستفيدين من فرق العملة بين هنا وهناك.

كانت المئة دولار في حينه تساوي 7 آلاف ليرة سورية. كنّا نحرص على صرفها من لبنان لأنّ أهل الشام يتجنّبون التعامل بالدولار الأميركي خوفاً من أجهزة المخابرات، وذلك بخلاف لبنان الذين اعتمد منذ العام 1995، الدولار الأميركي عملة موازية بطلب من رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، حتى لا نصل إلى ما كانت عليه الشام (وغيرها من الدول) وما وصلنا إليه اليوم.

المخالفون تُسطّر بحقهم محاضر ضبط أو تسحب منهم التراخيص أو يُسجنون

مهمة الحفاظ على سعر الصرف كانت مذ ذاك – وهكذا يُفترض أن تكون بحسب المادة 70 من قانون النقد والتسليف – موكلة إلى مصرف لبنان وحاكمه رياض سلامة. يحصل ذلك من خلال ضخّ العملة الأجنبية في السوق (أو العكس) بغية الحفاظ على استقرار سعر الصرف على 1508 ليرات لبنانية.

ولأنّ المصرف المركزي تخلّى عن أداء وظيفته بسبب شحّ الدولارات، تسلّط جهات قضائية اليوم الأجهزة الأمنية على الصرافين، لفرض التسعيرة المطلوبة التي حدّدها بداية بـ2000 ليرة، ثم بـ30% زيادة على سعر الصرف الرسمي، تحت طائلة تسطير محضر ضبط أو سحب الترخيص أو ربما السجن ضارباً بعرض الحائط أسس الاقتصاد الليبرالي الحرّ والمبادرة الفردية لصالح الاقتصاد الموجّه، الذي نراه يلوح في الأفق مقبلاً من الشرق.

الهامش بين سعري الشراء والمبيع بلغ رقماً قياسياً اليوم

أسأل الصرّاف عن سعر شراء الدولار، فيتلفّت يمنة ويسرة ويقول: “بــ2700 ليرة”، أي بهامش 300 ليرة لبنانية بين سعري الشراء والمبيع، وهو رقم قياسي آخر (بلغ 100 ليرة فقط قبل أيام). أسأله عن السبب فيقول إنّ “السوق غير مستقر إطلاقاً ولا مصلحة لنا ببيع الدولارات الآن”. أمّا الهامش بين السعرين فليس إلاّ “عتبة أمان” يرسمها الصرافون تحسباً لما قد تحمله أسعار الصرف من مفاجآت مع تعاقب ساعات النهار.

يروي لي الصرّاف أيضاً، كيف جعله تعميم مصرف لبنان يتقن دور التحرّي الذي يجيد اقتفاء أثر المخبرين وتمييزهم عن الزبائن الفعليين. وكذلك دور الممثّل في حال ارتاب من بأحد السائلين المارّة، الذي يتقن بالفطرة دور المسكين المغلوب على أمره، الذي لا يملك دولارات للبيع، لكنه يحبّ القانون ويلتزم بالـ2000 ليرة كرمى لتسعيرة رياض سلامة… دام ظلّه.

 

مواضيع ذات صلة

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…

كنّا نخاف منه وصرنا نخاف عليه

قبل عام 1969 كان العالم العربي والإسلامي يتدافع نحو أخذ صورة مع جمال عبدالناصر، ثمّ بعد العام نفسه صار العرب والمسلمون ومعهم عبدالناصر يتدافعون للوقوف…

دعاية “الحزب” الرّديئة: قصور على الرّمال

لا تكفي الحجج التي يسوقها “الحزب” عن الفارق بين جنوب الليطاني وشماله للتخفيف من آثار انتشار سلاحه على لبنان. سيل الحجج المتدفّق عبر تصريحات نوّاب…

معايير أميركا: ملاك في أوكرانيا.. شيطان في غزّة

تدور حرب ساخنة في كلّ من أوروبا (أوكرانيا)، والشرق الأوسط (غزة – لبنان). “بطل” الحرب الأولى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، و”بطل” الحرب الثانية رئيس الوزراء…