الحريري وجعجع و”الدفّ مكسور”

مدة القراءة 4 د


يقول بعض الخبثاء إنّ “اللهفة” التي أبداها سعد الحريري على وليد جنبلاط تحت عنوان “التضامن” معه بعد الإشكال الذي وقع بين مناصري “التيار الوطني الحر” و”الحزب التقدمي الإشتراكي” بالقرب من مصرف لبنان، ما كان ليظهرها فيما لو حصلت الواقعة ذاتها مع سمير جعجع.

تكفي استعادة مشهدية “المكيالين” اللذين استخدمهما رئيس الحكومة السابق خلال احتفال 14 شباط حين توّجه بكلامه إلى “وليد بك جنبلاط الصديق” مؤكداً “التحالف الثابت معه، بالأمس واليوم وغداً، مقابل الاكتفاء بتوجيه التحية إلى “السيدة مي شدياق، التي ليست هي فقط من “القوات اللبنانية”، وإنما هي الشهيدة الحية بيننا”… للتأكيد على أنّ العلاقة مع معراب هي “حبّة”، ولكنها مع المختارة “حبتان” وأكتر.

إقرأ أيضاً: ناس 14 آذار حين ينتفضون على أوليغارشييها

صحيح أنّ الحريري لم يقلها، لكنّ الغرام الذي رماه على جنبلاط من دون سواه من الحلفاء، أثبت بما لا يقبل الشك أنّ خطّ التواصل بين بيت الوسط وبين معراب، تعتريه الشوائب، وهو مصاب في الصميم وسيصعب معالجته بين ليلة وضحاها، حتى لو أنّ المصلحة تجمع بينهما في هذه المرحلة.

وصحيح أيضاً، أنّ المصيبة عادت لتجمع بين الحريري وجعجع بعد جلوسهما على مقاعد الاحتياط تحت عنوان “المعارضة”، لكن بينهما مسافات شاسعة من الخلافات التي قطعت حبل السرّة، ووضعت رقبة الثقة على حبل المشنقة، ما يجعل من الاستحالة عودة المياه إلى مجاريها، والتقاء الفريقين عند خطّ تماس، حتى لو كانت بينهما قضايا مشتركة.

عملياً، كان الاستحقاق الرئاسي بمثابة الصاعقة التي فجّرت الخلافات بين الحليفين. كانت حسابات معراب تقتضي بجعل ترشيح جعجع بمثابة توازن رعب مقابل ترشيح ميشال عون، فينتهي المطاف إلى التفاهم على مرشح ثالث يكون من قماشة الوسطيين، في تكرار لتجربة ميشال سليمان.

لكنّ حسابات بيت الوسط اختلفت في حينه. اعتبر سعد الحريري أنّ موازين القوى لم تعد تسمح بوصول رئيس من خارج الاصطفافين، فقرر اختصار المسافات والتوجه إلى بنشعي لمفاوضة سليمان فرنجية. وحين تيقّن أنّ “حزب الله” لا يناور في ترشيح عون ويعمل على تكريس منطق ترئيس ماروني من صلب محور الثامن من آذار، طرق أبواب الرابية مباشرة.

ومن دون أن يرّف له جفن، “تخلى” الحريري عن “حليفه العتيق” جعجع عند أول اختبار للتعيينات القضائية

التخلي عن ترشيح جعجع كان المسمار الأول في نعش العلاقة. وحين قرّرت “القوات”، التصدي لهذا الالتفاف من خلال فتح أبواب حوار مباشر مع عون لتحجز لها مكاناً في أي تسوية قد تأتي بالجنرال رئيساً، كان الحليفان، أي “المستقبل” و”القوات”، يخطوان ثاني الخطوات في مفترق الطريق. وانطلقت في حينه رحلة التذاكي بعضهما على بعض.

زادت الهوّة بينهما مع القانون الأرثوذكسي ومع تأليف الحكومة الأولى، وأيضاً بعد أزمة الحريري في السعودية، كانت الضربة القاضية. كما في قانون الانتخابات حيث لعب الحليفان في ملعبين مختلفين أيضاً، إلى أن حصل التفاهم العميق بين الحريري وجبران باسيل، وهنا صار الافتراق علنيّاً.

ومن دون أن يرّف له جفن، “تخلى” الحريري عن “حليفه العتيق” جعجع عند أول اختبار للتعيينات القضائية. يومها، لم ينفع “التعهد” الذي قطعه رئيس الحكومة أمام ممثّلي “حكيم معراب” وكرّره أكثر من مرة على مسامع هؤلاء، في دعم مرشح “القوات” سعيد مالك لضمّه إلى “اللائحة التوافقية” التي ستكمل عقد المجلس الدستوري، بإلزام الرجل بكلمته. فكانت النتيجة: “القوات” خارج المجلس الدستوري. وهذا واحد من أمثلة كثيرة في التعيينات الإدارية والقضائية.

في 14 شباط، بدا التمريك من جانب “نجل الشهيد” واضحاً. لم يكن سعد راضياً عن طبيعة الوفد القواتي، فعبّر على طريقته وهو الذي ينحاز دوماً إلى شخصنة علاقاته مع القوى السياسية، فيغلّب الشخصي على المصالح السياسية.

ومع ذلك، ثمة من يعتبر أنّ “القوات” أخذت “حقها” من خطاب الحريري. يكفيها أنّ “زبدة” الخطاب تكمن في الخلاصة التي قدّمها أمام حشد من الدبلوماسيين وتفيد أنّ “باسيل هو الذي خرّب العهد… وأنّه لا يحترم توقيعه”، مستعيناً باتفاق معراب كشاهد حيّ.

ولكن بالنتيجة، لا يبدي الحريري استعجاله لتنقية علاقته بالقوات، وترميم جسر الثقة المقطوع. يكتفي في هذه المرحلة بما يحاول ترتيبه مع وليد جنبلاط، من خلال القنوات المفتوحة على الثنائي الشيعي، حيث يقودان معارضة موجّهة نحو العهد بـ”رئيسيْه” ولكن تحت سقف التطبيع مع “حزب الله”. أما معراب، فلها قراءة مختلفة كلياً. ولذا، فإنّ العلاقة الثنائية بين الحريري وجعجع مقبولة في الشكل، ولكن في الجوهر، فحدّثْ ولا حرج.

مواضيع ذات صلة

هل يستبدِل برّي حليفه فرنجيّة بأزعور؟

يدور الاستحقاق الرئاسي في حلقة مُفرغة، أحد أبرز عناصر كَسرِها التوصّل داخلياً إلى تسوية تَمنع الثنائي الشيعي من أن يكون في جلسة التاسع من كانون…

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…