أن ينظّم حزبٌ معارضٌ تظاهرة أمام مصرف لبنان ضد الحاكم رياض سلامة وسياساته النقدية، فهذا أمرٌ مفهوم. لكن أن يفعل ذلك “التيار الوطني الحر”، الذي يملك أكبر كتلة نيابية إلى جانب رئاسة الجمهورية، وحكومة تأتمر بأمره في الخفاء بكل صغيرة وكبيرة، وفي خضمّ مفاوضات شاقة مع وفد صندوق النقد الدولي لانتشال لبنان من عين العاصفة، فثمة قطبة مخفيّة بلا شكّ.
الأخبار المتداولة منذ أيام، تفيد بأنّ التيار البرتقالي يريد استبدال الوزير السابق منصور بطيش برياض سلامة، الذي يشكل خطراً مباشراً على طموحات جبران باسيل في الوصول إلى قصر بعبدا، خصوصاً إذا نجح سلامة، الذي يحدّد عمر الأزمة بـ6 شهور فقط، في اجتراح الحلول بمساعدة أصدقائه الغربيين وصندوق النقد الدولي.
إقرأ أيضاً: باعوا الـ”يوروبوند” هرباً من الهيكلة؟
لا شكّ أنّ نجاح سلامة في إنقاذ الوضع النقدي وإيجاد حلّ مناسب للودائع في المصارف بغياب باسيل عن الحكومة، سيرفع أسهم الحاكم الرئاسية إلى السماء، كما سيصعّب المهمة على باسيل أكثر مما صَعُبَت بعد “ثورة 17 تشرين”. ولا يُستبعد أن يلاقي باسيل “حزب الله” و”حركة أمل” في منتصف الطريق لرفض “وصفة” صندوق النقد الدولي المنسجمة مع نظرة سلامة للحل، وإنما قد يأتي رفضه في سياق الخوف من حلٍ، سيكون رياض سلامة بلا شكّ شريكاً أساسيّاً فيه.
[START2]الحاكم تخلى عن فكرة الترشح إلى الرئاسة منذ مدة[END2]
دستورياً، ثمة تباين حول تصنيف حاكم مصرف لبنان الوظيفي. إلاّ أنّ أغلب الإجتهادات الدستورية تؤكد أنّ انتخابه قد لا يكون بحاجة إلى تعديل دستوري. فلا نصّ يصنّفه من بين موظفي الفئة الأولى. ولذلك، فإنّ البند الذي ينصّ على ضرورة الاستقالة من الوظيفة قبل سنتين لا ينطبق عليه. وهو أمر إضافي يؤرق “صهر العهد” ويُخيفه.
مصدر قريب من المصرف المركزي كشف لموقع “أساس” أنّ كل ما يقوم به “التيار الوطني الحر”، هو “محاولات عبثية” لإحراج سلامة بغية دفعه إلى الإستقالة، أو بأضعف الإيمان، إلى “تشويه سمعته” قدر المستطاع بغية “إبعاده عن أي طموح رئاسي”. المصدر نفسه أكّد في المقابل، أنّ الحاكم “تخلى عن فكرة الترشح إلى الرئاسة منذ مدة”، وجلّ ما يريده اليوم هو “حماية إنجازاته وودائع الناس من خلال إكمال ما تبقى من ولايته والذهاب إلى البيت”. لكن كلنا نعرف أنّ هذا الكلام في نهاية المطاف ليس تعهداً رسمياً بعدم الترشح.
قانون النقد والتسليف (المادة 19) يحدّد 4 أسباب لإقالة الحاكم الذي يُعيّن لولاية من 6 سنوات (أمضى منها نحو 3 سنوات)، أول هذه الأسباب “الإستقالة الإختيارية” التي تبدو بعيدة عن خيارات الحاكم اليوم. في حين تتحدث الأسباب الأخرى عن العجز الصحي المثبت حسب الأصول، أو الإخلال بالواجبات الوظيفية، أو الخطأ الفادح في تسيير الأعمال.
ربما يحاول التيار تسجيل اختراق من خلال السببين الأخيرين. فالتظاهرة البرتقالية أمام المصرف المركزي الأسبوع الفائت، وتلاوة بطيش لبيان اجتماع تكتل “لبنان القوي” الأخير، الذي توجّه مباشرة إلى حاكم مصرف لبنان، كلها أمور تشي بذلك.
بطيش قال في اتصال هاتفي مع “أساس” إنّه يملك الحرية الكاملة في حضور اجتماعات التكتل وهو غير ملزم بتقديم التبريرات أو الأسباب الموجبة. كما أكد في المقابل أنّ الانتقادات التي يوجّهها إلى سلامة “ليست شخصية أبداً” وإنما تتعلق بواجبات الأخير الوظيفية التي تفترض “أعلى درجات الشفافية”.
[START2]التظاهرة لم تكن محطّ إجماع داخل التيار بل إنّ قيادات برتقالية عدة كانت ضدها[END2]
وعن طرح اسمه لمنصب حاكم مصرف لبنان بدلاً من سلامة، قال بطيش: “طالب الولاية لا يُولّى، ولا أريد التعليق على هذا النقاش. أولويتي اليوم هي الالتفات إلى عملي الخاص وعائلتي وأولادي فقط”.
وإلى جانب تعيين بطيش حاكماً، ربما يريد التيار أن يتسلّم دفة التعيينات المقبلة في مصرف لبنان. أكان بسدّ الشغور في مناصب نواب الحاكم الأربعة، أو بتعيين أعضاء لجنة الرقابة على المصارف ورئيسها الذي يتمتع بصلاحيات واسعة (يشغله سمير حمود المقرّب من “تيار المستقبل”) وتنتهي ولايتهم في شهر نيسان المقبل.
مصدر قيادي في “الوطني الحر” أكد هذه المعطيات لـ”أساس”. وقال إنّ التظاهرة أمام مصرف لبنان جاءت ضمن حملة “تستهدف سلامة شخصياً”، نافياً أن تؤثر فيه لأنّ ما يقوم به سلامة “لا يختلف مع الجو السياسي العام”. وفي هذا الصدد، كشف المصدر أنّ سلامة استطاع ببراعة “تكييف السياسة النقدية مع سياسات السلطة” والتيار جزء منها. وعن السعي إلى تعيين بطيش حاكماً، أثنى المصدر على كفاءاته، لكنه في المقابل شكّك بقدرته على “تولي المنصب في هذا التوقيت الحرج والدقيق من دون دعم خارجي”.
ولم يخفِ في ختام الحديث، أنّ التظاهرة المذكورة لم تكن محطّ إجماع داخل التيار، بل إنّ قيادات برتقالية عدة كانت ضدها، لحسابات واعتبارات حزبية داخلية وصراعات بين الأجنحة، لعبت كلها مجتمعة دوراً كبيراً في خلق مشهدية فاشلة في شكلها وفي مطالبها. وقد كان بارزاً خروج أحد “نجوم” العونية الإعلامية، جوزيف أبو فاضل، ليهاجم التظاهرة ويدافع عن رياض سلامة.