فرنجية المتمرد على حزب الله والشاتم لباسيل

مدة القراءة 5 د


هي من المرّات النادرة التي يخرج الخلاف بين حزب الله والنائب السابق سليمان فرنجية إلى العلن. خلاف في التوجهات الحكومية يحرص زعيم تيار المردة على الجزم بأنّه لا يؤثر على الجوهر: “أنا أقف مع حلفائي قبل مئة عام وبعد مئة عام، وأنا لا أبتزّ أحداً، أموت وأعيش في قلب خطّي السياسي”.
أما مع جبران باسيل فضبط النفس لم يدم طويلاً. حاول فرنجية، بناء على نصيحة “صديق”، عدم فتح النار ضد وزير الخارجية، رافضاً في البداية حتّى اتهامه بالإسم بأنّه من يقف خلف “خطف” الثلث المعطل.
لكنّ الهدنة سقطت في الدقائق الأخيرة قبل انتهاء مؤتمره: “خلَلي جبران يشكل حكومة فيها كل الشيعة والسنّة والمسيحيين والدروز االله يوفقو. بدو يفوّتنا بالحيط ويحطّ المهوارأمامنا. إما منروح معو وإما منكون عم نعرقل. هذا غير صحيح. ما يعرقل هو جشع وطمع جبران باسيل”.
صام الرجل طويلاً عن الكلام و”فَطَر” على فضيحة: مؤتمر صحافي تمّ تأجيله سابقًا كُرمى لحزب الله. وحين أصَرّ فرنجية على الكلام، كشف عن قصد أو عن غير قصد ما حاول حَجبه أولياء التأليف منذ تكليف حسان دياب: هي ذهنية المحاصصة نفسها. صمت القبور حول برنامج الحكومة وعملها، وخلافات بين الأحزاب على الكوتا في زمن الثورة. وزراء تكنواقرط واختصاصيين تعيّنهم القوى السياسية وتحرّكهم عن بعد. حكومة من دون وجوه من الحراك، تتوزّع مقاعدها وفق الأحجام. والمايسترو الأوّل فيها “حزب الله” الذي وجّه له فرنجية أكثر من رسالة منها “حزب الله مجبور فيهم (التيار الوطني الحرّ) أتفهّم هذا الأمر. لكن لا نستطيع أن نلغي أنفسنا “كرمال واحد آخذنا على المهوار”.
وبلغت صراحة فرنجية حدّ معاتبة حزب الله على قاعدة “من ينتفض لكرامته ليس هو من يعرقل. نحن فريق يريد أن يكون شريكاً إيجابياً، يدافع عن عهد فاشل و”يأكل هونيك شغلة” مع هذا العهد الفاشل، ومطلوب منه في الوقت نفسه الدخول “على رقبته” إلى الحكومة وبحجم معيّن… لا، نحن لا ندخل إلاّ بكرامتنا”.

صراحة فرنجية المطلقة، المناقضة للغة الثورة اليوم، دفعته إلى تفنيد أسباب رفضه لتوزير كاثوليكي من حصته

وفي محاولة لإنعاش الذاكرة حول أسلوب تفكير “التيار الوطني الحرّ”، قال فرنجية: “يظنّ التيّار أنّه يختصر الأمر بتفاهمه مع حزب الله، ثم “يمشّي” الحزب حلفاءه “على رقبتهم” بناءً على هذا التفاهم. نحن ما منمشي هيك أبدا. وحزب الله ما بيقدر يمشّينا هيك ولا هو يريد ذلك. وإذا اليوم لديهم القدرة يكفّوا وحدهم الله يوّفقهم”.
لم يكشف فرنجية عن الجهة التي أبلغته رفض اقتراحه بنيل “المردة” وزيراً أرثوذكسياً بدلاً من الكاثوليكي في حكومة من 18 وزيراً، لكنّه أكّد أن “لا مشكلة مع حسّان دياب وصرت حبّو بعد جلستين معه”.
من دون مناورة أو لعب على الكلام كشف فرنجية عن سياق التفاوض بعد تكليف دياب: “طالبنا بوزير في حكومة تضمّ الحراك. وإذا حكومة وفاق وطني “ماشيين”. إذا مستقلّة لا نريد وزيراً. أما إذا حكومة الأفرقاء المشاركون فيها يسمّون وزراءهم، عندها يحقّ لنا أكثر من وزير، طالما أنّنا الفريق المسيحي الثاني والوحيد في الحكومة. لكن إذا كان هناك فريق يريد أن يأخد الثلث المعطّل نحن نبارك، إذا لم نستطع أن نمنع هذا الأمر. لن نعطّل، وسنخرج من الحكومة ونمنحها الثقة”.
أضاف: “سنصوّت فقط كرمى للرئيس نبيه برّي وللسيد حسن نصرلله، وكل الباقي لا يعني لي شيئأً، لأنّني لا أقبل أن ينكسر خطّنا”، موضحاً: “وصلنا إلى مرحلة قالوا سيؤلفون الحكومة من دوننا، لكن رجعوا قالوا: لا ما فينا بلاكن”.
صراحة فرنجية المطلقة، المناقضة للغة الثورة اليوم، دفعته إلى تفنيد أسباب رفضه لتوزير كاثوليكي من حصته: “الكاثوليكي مش موجود بمناطقنا مع احترامنا للطائفة الكريمة. نوابنا يمثلون مناطق أغلبيتها موارنة وأرثوذكس”، وتابع: “طالبنا بحقيبة مثل العمل والبيئة والثقافة. وأبداً لم نطالب بوزارة الدفاع أو نائب رئيس حكومة، وتفاجأنا لاحقاً بالردّ السلبي علينا”.
وفرنجية الذي “فَتفَت” الجرّة مع باسيل “جّبرها” مع رئيس الجمهورية ميشال عون، موجّهاً إليه رسالة من خارج السياق: “نحن نرغب بالوقوف إلى جانب فخامة الرئيس. هو بحاجة لحلفاء حقيقيين وأصدقاء يقاتلون معه في مرحلة صعبة جداَ، وبوجود فريق سيحاول العرقلة بكل الوسائل”، مستنكراً “أن يفلّتوا علينا حثالة القوم لتدافع عن العهد بهذه الطريقة”، وطالباً “إعطاء فرصة لحكومة فيها أسماء “مرتبة” وعلى أن لا يكون فيها ثلث معطل”.
لاحقاً تبيّن تأثير مواقف فرنجية على ولادة الحكومة ومدى التزام حزب الله بمعيار الحليف، في ظلّ معطيات أكّدت أنّ حزب الله أدّى قسطه للعلى في الدفع باتجاه تسريع تشكيل الحكومة، مع التمنّي بعدم بقاء “المرده” خارج التركيبة الوزارية لحرصه على التنوع المسيحي.
وبتأكيد مطّلعين، مطبّات من هذا النوع لا تبعّد المسافات بين فرنجية والضاحية. لم يحصل هذا الأمر حتى إبان تمسّك حزب الله بورقة ميشال عون لرئاسة الجمهورية على حساب حليفه الأوّل. الرجل متصالح مع نفسه الى حدّ حشر الحليف الاستراتيجي في الزاوية. كاد يبقّ البحصة ويقول: “أنت تغطي باسيل”.
“رجل الثقة والوفاء” لدى حزب الله يقف بين حديّ الخروج من الحكومة أو دخولها من الباب العريض. لكنّ حواجز بنشعي والحلفاء، من التيّار إلى القومي وطلال أرسلان، التي فرملت ولادة الحكومة لأيام، شكّلت وجهاً آخر لفشل فريق اللون الواحد في إيجاد وصفة حكومية سريعة وموثوقة لمواجهة مرحلة هي الأصعب منذ الطائف. ولعلّ السؤال الأهم عن كيفية تسويق حكومة سوبر سياسية بقناع “تكنوقراطي” في شارع يبدو فاتحاً ثغره كفم التنين.

مواضيع ذات صلة

من 8 آذار 1963… إلى 8 كانون 2024

مع فرار بشّار الأسد إلى موسكو، طُويت صفحة سوداء من تاريخ سوريا، بل طُويت صفحة حزب البعث الذي حكم سوريا والعراق سنوات طويلة، واستُخدمت شعاراته…

سوريا: عمامة المفتي تُسقط المشروع الإيرانيّ

عودة منصب المفتي العام للجمهورية السوريّة توازي بأهمّيتها سقوط نظام بشار الأسد. هو القرار الأوّل الذي يكرّس هذا السقوط، ليس للنظام وحسب، بل أيضاً للمشروع…

فرنسا على خط الشام: وساطة مع الأكراد ومؤتمر دعم في باريس

أنهت فرنسا فترة القطيعة التي استمرّت اثنتي عشرة سنة، مع وصول البعثة الفرنسية إلى العاصمة السورية، دمشق. رفعت العلم الفرنسي فوق مبنى سفارتها. لم تتأخر…

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…