بعد رفض الرئيس الحريري عقد اجتماعٍ لمجلس الدفاع الأعلى للمرة الثانية، إستدعى رئيس الجمهورية ميشال عون وزيري الداخلية والبلديات والدفاع الوطني في حكومة تصريف الاعمال ريا الحسن والياس بوصعب، وقادة الأجهزة الأمنية، وخلص إلى ضرورة “التمييز بين المتظاهرين السلميين واولئك الذين يقومون بأعمال شغب واعتداءات”، وأعلن “مواجهة العناصر التي تندسّ في صفوف المتظاهرين للقيام بأعمال تخريبية والتي اتّضح أنّها تعمل ضمن مجموعات منظمة”، وقرّروا “ردع المجموعات التخريبية، والتنسيق مع الأجهزة القضائية لتطبيق القوانين المرعية الإجراء وتعزيز التنسيق بين الأجهزة العسكرية والأمنية لضمان حسن تنفيذ الإجراءات التي تمّ اتخاذها”.
“التمييز بين المتظاهرين السلميين والمشاغبين” هو بمثابة كلمة حقّ يٌراد بها باطل. فلو أرادت القوى الأمنية التمييز واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، لكانت مارست سلطتها على جحافل “الثنائي الشيعي” عند اجتياحها ساحتي الشهداء ورياض الصلح، وعند هجومها على المصارف في الحمرا، بدل اتّخاذ موقف المتفرّج، بل المتواطئ في بعض الأحيان.
كما أنّ التمييز بين “المشاغبين” والسلميين ممكن من خلال الأفعال في الساحات والشوارع. ولمعالجة الاضطرابات قواعد وأصول يجب على القوى الأمنية التزامها كما أعلن نقيب المحامين في بيروت ملحم خلف، بعد الكشف عن أنّ قوى مكافحة الشغب استخدمت في ملاحقة المتظاهرين رصاصاً أثير الجدل حوله ، ولكن الأكيد أنّه منتهي الصلاحية مما يحوّله رصاصاً بلاستيكياً ويجعله أشّد خطراً. واستعملته بشكلٍ مباشر على الوجه، متسبّبة في فقء عيون عدّد من المتظاهرين وفي ثقب أجسادهم بطريقة وحشية.
أطلق الإعلام على أسلوب قوات الإحتلال الإسرائيلي في قمع الإنتفاضة الفلسطينية في الثمانينات مصطلح “تكسير العظام”، واليوم يمكن تسمية ممارسات القوى الأمنية بأنها عملية “فقء العيون” و”صيد البشر”.
أما الفضيحة الأخرى، فهي أنّ ما يُسمى “شرطة مجلس النواب”، التي تعتبر نظرياً جزءاً من قوات الجيش اللبناني، تعاونت مع قوى الأمن الداخلي في إحراق خيم الثوار وفي ملاحقة المتظاهرين إلى درج مسجد محمد الأمين (صلى الله عليه وسلم) بدون أيّ إعتبار لحرمة المسجد ولحرمة النساء والأطفال ولمن التجأ إليه. ورغم مبادرة أمين الفتوى الشيخ أمين الكردي، إلا أنّ الموقف الرسميّ لدار الفتوى كان يشبه التجاهل بطعم التخاذل.
تأتي هذه التوجهات ترجمة لضغوط سابقة حاول رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ممارستها على العماد عون، بحيث تتكدّس القوائم من قبل باسيل للإنتقام من الثوارEND1]
حاول الرئيس سعد الحريري تظهير نفسه في موقع المعارض لسياسات الرئيس عون من خلال رفضه المشاركة في اجتماع بعبدا الأمني، لكنّه في المقابل لم يمنع وزيرة الداخلية ريا الحسن، التي تمثّله في الحكومة والمجلس، من المشاركة والعمل لتطبيق ما يصدر من مقرّرات عن إجتماع أمني عاديّ دعا إليه عون، وهنا تكمن الإشكالية.
في الجانب الآخر، إعتبر الرئيس عون أن ما جرى حتى الآن “غير كافٍ”، موجهاً ملاحظاتٍ غير مباشرة لقائد الجيش العماد جوزاف عون، قائلاً إنّه “ممنوع العمل بعد الآن بالعواطف، ويجب العمل كعسكر في الميدان”.
إذاً أعلن اجتماع بعبدا الأمني الحرب على من يعتبرهم عون وفريقه “مشاغبين”، وذلك بتصعيد القمع تجاههم. إذ لم يتضّمن الموقف أيّ إشارة إلى خطورة الإصابات التي ألحقتها القوى الأمنية بالمتظاهرين، وتشريع استعمال العنف بذريعة حماية الممتلكات. لأنّ أمر الحماية يأتي أحاديّ الإتجاه، وللتطبيق على فئة محدّدة تعارض السلطة، أما الفئات الأخرى المخرّبة المنفلتة الموالية للسلطة، فهي خارج الملاحقة والمحاسبة.
وفي موضوع “التنسيق مع السلطة القضائية، يبدو واضحاً أنّ الاجتماع خلص إلى ملاحقة الثوار وتسطير مذكرات توقيف قضائية بحقّهم ومداهتمهم في المنازل والمؤسسات، وتقديمهم إلى المحاكم وإصدار أحكام بالسجن عليهم، لإرهاب بقية الثوار والحدّ من اندفاعتهم في الشارع.
تأتي هذه التوجهات ترجمة لضغوط سابقة حاول رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ممارستها على العماد عون، بحيث تتكدّس القوائم من قبل باسيل للإنتقام من الثوار.
الهدف الأمني هو ضرب الثورة من خلال تفخيخها وشيطنتها وإثارة النعرات الطائفية والمناطقية فيها، ضمن خريطة طريق شديدة الوضوح لسفك الدماء وإيقاع الفوضى عن سابق الإصرار والتصميم، وهو التحذير الذي دأب على إطلاقه النائب نهاد المشنوق، بناءً على معلومات بات اللبنانيون مدركون لخطورتها، باستثناء طبقة حاكمة عمياء صمّاء عن كارثة تضرب البلد.