ثمّة جوانب إيجابية شديدة الأهمية والوضوح، تتجسّد في شكل الحكومة الجديدة وفي مضامينها السياسية، وعلى رأسها سقوط الميثاقية بصيغتها المشوهة. وهذا ما يؤسس لسابقة لا يمكن تجاوزها في أي استحاق مقبل، فيما سقطت أيضًا نظرية الحكومات الجامعة التي لازمت الحياة السياسية على مدى العقد الأخير، عبر العودة إلى المنطق الديمقراطي الطبيعي في الموالاة والمعارضة. ويضاف إلى كل هذا لأعاد الشخصيات التقليدية التي شاركت في مختلف الحكومات السابقة، لا سيما أولئك الذين شكّلوا عنوانًا دائمًا للتسلط والفساد أو للابتزاز والاستفزاز، لكنّ الأهم على الإطلاق كان الانهيار الشامل للتسوية المشؤومة بين سعد الحريري وميشال عون، وهي المسؤولة قطعًا عن جزء كبير من الأزمة، وعن وصول البلاد إلى ما وصلت اليه.
لا أحد يناقش في المضامين السياسية لحكومة من هذا النوع، إذ أنّها من لون واحد، وتحظى بتغطية واضحة ونافرة من فريق بعينه، وهو الفريق الذي يتصدّره حزب الله، وبالتالي فإنّ الموقف من رفضها ومواجهتها قائم وواجب ولا لبس فيه. لكنّ ذلك لا يعفينا من الإضاءة على مفاعيل هذا التطور السياسي، لا سيما ما يتعلق بتحمّل حزب الله وحلفائه لمسؤولياتهم في الإدارة المباشرة للدولة، بعيدًا من ارتداء الأقنعة والقفازات، أو الاختباء خلف حكومات جامعة، باعتبارها الغطاء الشرعي لكلّ إرهاصاته وموبقاته في الداخل وعلى مستوى المنطقة والعالم.
كما وأنّ هذه التشكيلة ستسحب الذرائع الكثيرة التي طالما توارى خلفها ميشال عون وفريقه اللصيق لتبرير حالة الفشل والمراوحة بعد انقضاء أكثر من نصف ولايته، وهو مدعو الآن إلى تنفيذ رؤيته الشاملة لحلّ الأزمات المستفحلة، انطلاقًا من وعوده الدائمة بمكافحة الهدر والفساد، وصولًا إلى حديثه المستمرّ عن إرساء دولة قوية وعادلة تحترم منطق القانون والمؤسسات، وتعيد النبض إلى القطاعات الحيوية والمنتجة، وتضع لبنان وأهله على سكّة الخلاص بعد عقود من العبث والمحاصصة والمحسوبيات. ونحن إزاء ذلك لن نكون إلا مصفّقين كلّما نجح العهد في تطبيق ما صدّع به رؤوسنا على مدى سنوات طوال.
هذه الحكومة هي الممرّ الإلزامي والسريع للانتقال التدريجي والمتدحرج من اهتزاز المنظومة السياسية إلى كسرها وانهيارها، باعتبارها الفرصة الأخيرة المتاحة قبل الانفجار الكبير. وما يبعث على الطمأنينة هو أنّها حكومة ركيكة ونافرة ومتصدّعة، لا حول لها ولا قوّة على مواجهة الوضع الاستثنائي والانهيارات المتتالية، وهي لن تصمد طويلاً، بل ستسقط سريعًا، وسيؤسس سقوطها الحتمي والمدوّي لإسقاط ميشال عون ولتغيير الوضع برمته، وصولاً إلى الانتقال الفعلي نحو الجمهورية الثالثة.
ما بين هذا وذاك، ثمّة مرحلة طويلة وصعبة قد تلامس حدود المجاعة الكبرى والانفلات غير المسبوق، ولا شكّ على الإطلاق أنّ لبنان الذي نعرفه قد انتهى إلى الأبد.