في الاجتماع الاستثنائي لمجلس الأمن المركزي و”الأخير”، على الأرجح، في أجندة وزيرة الداخلية ريا الحسن، والذي أتي عقب أعمال العنف في شارع الحمراء ضدّ بعض المصارف ومحال الصيرفة، أعلنت وزيرة الداخلية أمام القادة الأمنيين والعسكريين ما تحفظّت عن قوله في طلّتها أمام الإعلاميين في الصنائع: “ضميري مرتاح، وقوى الأمن تصرّفت بما تمليه عليها مسؤولياتها. في هذا الظرف وأمام هذا النوع من أعمال التخريب لا يمكن التصرّف إلا بمقدار من الحزم، ولو تكرّر الامر، لا بدّ من مواجهة المعتدين بالاسلوب نفسه بما يمنع اعمال الشغب والتخريب وضرب الاستقرار”.
كلامٌ كان يَصعب على الحسن، المعروفة بمناهضتها للعنف، إعادة تكراره حين لاقت حشداً إعلامياً تجمهر أمام مدخل الوزارة إستنكاراً لأساليب قوى الأمن القمعية في التعاطي مع ناقلي أحداث الانتفاضة، خصوصاً أنّ وزيرة الداخلية أقرّت بالخطأ الكبير وغير المبرّر الذي حصل، مؤكّدة أنّ المحاسبة تسلك طريقها إلى التنفيذ.
لكن ما نقلته الحسن بأمانة هو “اعتراف” تُسلّم به كافّة قادة الأجهزة الأمنية، تحديداً الجيش وقوى الأمن: العسكر “منهك” وقد استُنزِف خلال أكثر من تسعين يوماً، ومقوّمات الصمود تخفّ تدريجاً.
وما لم تتوسّع في قوله الحسن أنّه في حال بقاء “مناطق النزاع” بين المتظاهرين والقوى الأمنية والعسكرية ملتهبة على امتداد المناطق فهذا سيطرح تساؤلات جدية حول القدرة الأمنية على ضبط الشارع منعاً للفوضى.
مع العلم أنّه، وفق الخطة الأمنية، المعدّة في بدايات الحراك، تتولى عناصر قوى الأمن وعناصر مكافحة الشغب نطاق بيروت الإداري، ويتدخّل الجيش في حال طلب المؤازرة. وهذا ما حصل أكثر من مرّة خلال المواجهات على جسر الرينغ وفي بعض مناطق بيروت، فيما يقوم الجيش بمهامه في باقي المناطق.
ولا يُستتبع هذا المشهد سوى بأزمة ثقة وتنسيق بين الأجهزة الأمنية وصلت الى حدّ وجود حقيقتين في ليل الحمراء الدامي
عملياً، في ميزان الربح والخسارة يمكن التسليم حتّى الآن بأنّ الخاسرين كثر فيما “ممانعة” قوى السلطة لتأثيرات الثورة لا تزال الرابح الأكبر. يترجم ذلك من خلال عدم حصول خضّة حقيقية تشي بأنّ الصفحة طويت مع ممارسات الماضي: فلا رؤوس كبيرة في السجون، زلزال مالي واقتصادي غير مسبوق في تاريخ لبنان الحديث… والأهمّ أن لا حكومة نوعية تُنبئ بأن التغيير آتٍ، من عنوانها وشكلها وتقسيمات حقائبها وأحجام القوى داخلها. ولعل الاختبار الأقسى لهذه الحكومة سيكون الشارع حتماً، ومن ثم قدرة رئيسها حسان دياب على “مقاومة” أساليب القوى الحاكمة التقليدية في التحكّم بدفة إدارة السلطة. وفي حال الفشل الوزاري أو رفض الشارع للتركيبة الحكومية سنكون على الأرجح أمام شارع أكثر تمرّداً وتحرّراً من الضوابط.
ولا يُستتبع هذا المشهد سوى بأزمة ثقة وتنسيق بين الأجهزة الأمنية وصلت الى حدّ وجود حقيقتين في ليل الحمراء الدامي: الأولى على لسان مصادر عسكرية تجزم بأنّ الجيش لم يتدخل لأنّه لم يطلب منه أحد التدخل. والثانية تجزم بأنّ طلباً صريحاً وصل إلى قيادة الجيش بالمؤازرة في الحمراء، كما في اليوم التالي عقب الصدام أمام ثكنة الحلو وأحياء فردان، وصولاً إلى جامع عبد الناصر، لكن من دون تجاوب.
ولعلّ الكلام الصريح الذي قيل في اجتماع مجلس الأمن المركزي، والذي يتردّد في مقرّات القادة الأمنيين، بدأ يأخذ أبعاداً أكثر حساسية حين يتمّ التنبّه لواقع أنّ الأسلاك العسكرية والأمنية، بضباطها وعناصرها، هي ضحية تماماً كما باقي اللبنانيين، لأزمة مستعصية تحتاج ربما لأعوام كي تسلك طريق الحلّ المستدام. ويصدف أنّ هذه الفئة المستنزفة مادياً واقتصادياً واجتماعياً، وبعد ثلاثة أشهر من الانتفاضة الشعبية، هي أمام واقع شديد التعقيد والخطورة خصوصاً أنّه مفتوح على تصعيد اكبر، كما تجزم مصادر أمنية لموقع “أساس”.
وتخشى المصادر نفسها أن تأخذ التوترات المذهبية، كما حدث ليل الأربعاء في البقاع، مكاناً في مشهد الشارع قد يجعل القوى الأمنية أمام واقع أكثر تعقيداً، خصوصاً أنّ التقارير الأمنية ترصد احتمالات دخول “شوارع” الأحزاب على الخطّ، وهذا قد يقود المواجهة إلى مكان آخر تماماً.