أيّ مؤتمر صحافي أو موقف سياسي أو بيان “كتلة” بدا في اليوم الأوّل من تجدّد الانتفاضة الشعبية، بعد أسابيع من حالة الركود، “خارج الموضوع”.
بالتأكيد الكلمة كانت للشارع وللمجموعات البشرية التي أقفلت الطرقات من الجنوب إلى الشمال مرورًا بالبقاع وبيروت، في تحرّكات بدت وكأنّها تستلهم الأسابيع الأولى من ثورة 17 تشرين، وتفرض نفسها على أجندة المعنيين بتأليف الحكومة.
لذلك فإنّ الدعاية الإعلامية، التي سبقت طلّة الوزير جبران باسيل من ميرنا شالوحي، بدت خارج السياق والاهتمام. كذلك زيارته إلى عين التينة، حيث أنّ القصور السياسي في تلقف استقالة الرئيس سعد الحريري والفشل الذريع في تلمّس الطريق صوب حكومة خارج مدار الاصطفافات السياسية والمحاصصة الفاجِرة، جعلا الشارع أمام معادلة أكثر تطرفًا في انتزاع الحقوق، لا تقف عند مشاركة في الحكومة من هنا أو مقاطعة من هناك. فيما سجّل تمايز شعبي في التعاطي مع “حالة” حسان دياب “الممانِعة” لشروط القوى السياسية التي سمّته، بإعطاء الرئيس المكلّف مهلة زمنية للخروج بحكومة مستقلين أو مواجهة معرقليه و”فَضحهم”… وإلاّ فـ”الطوفان” الشعبي. وذلك بالرغم من هتافات “يلاّ إرحل يا حسان” التي أطلقت من أمام منزله.
يكفي وصول باسيل بموكب مموّه إلى عين التينة، لا يُستخدم في العادة، واجتيازه طرقًا فرعية للوصول إلى موعده كي نتلمّس حجم المأزق الذي تعيشه كافة القوى السياسية. وبقراءة الموقف الحكومي المقتضب الذي أعلنه باسيل من ميرنا شالوحي، رغم المقدّمات الإعلامية “الهوليوودية” التي تحدثت عن موقف انقلابي وتصعيدي من خلال رفض المشاركة في حكومة دياب وتحديد مكامن الخلل في العلاقة مع الرئيس المكلّف، يبدو واضحاً أنّ رعاة دياب يريدون منحه فرصة على “قاعدة تشكيل سريع من دون فرض حصص حكومية “سياسية”، على أن تُمنح الثقة على أساس البرنامج وخطّة اقتصادية لا تكون استمراراً للسياسات المالية منذ 30 عاماً”.
لماذا هذا الهلع حين يتعلّق الأمر بأسماء نظيفة وكفوءة تكون محسوبة على قوى سياسية أخرى
لكنّ التمريرة الباسيلية التي جاءت على أساس تنسيق مسبق مع الرئيس نبيه برّي وحزب الله، ارتبطت برسالة شديدة اللهجة وجّهها إلى الرئيس المكلّف، معتبراً أنّه لا يجوز التصرّف على أساس “التكليف في جيبي وما حدن بياخدو مني”، وملوّحاً بأنّ التكليف يمكن أن يُسحب في الشارع أو في مجلس النواب من خلال حجب الثقة عن الحكومة.
عمليًا، بدا دياب محشوراً بمهلتين: واحدة منحه إياها الشارع، وثانية من جانب الفريق الذي “توّجه” رئيساً مكلّفاً بسلة شروط لا يزال يقاومها.
ووفق المعلومات، فإنّ الترويج من جانب “التيار” لموقف سلبي حيال حكومة دياب كان أمراً مخططاً له، لكن ترافق مع اتصالات منذ يوم الإثنين على أكثر من خط بين دياب والثنائي الشيعي، وبينه وبين باسيل. إضافة إلى تواصل غير مباشر بين برّي وباسيل عبر الوزير علي حسن خليل، وقد ترجمت نتائجه يوم الثلاثاء من خلال دفع باسيل إلى التراجع عن إعلان عدم المشاركة في الحكومة ومقاطعة عملية التفاوض في شأنها، على أن يكون اللقاء المقبل في مجلس النواب لمنح الثقة على أساس الوجوه التي ستضمّها الحكومة وبرنامجها المالي والاقتصادي. مع العلم أنّ برّي نفسه كان لوّح بالورقة نفسها على أساس “نريد دياب لكن ليس بشروط تكبّله وتكبّلنا”.
ويقول مطّلعون إنّ ضغط الشارع مجدداً فرض إيقاعه على القوى السياسية، وقد حصل نوع من التوافق بين الأطراف التي سمّت دياب على تسهيل مهمّته ومنحه فرصة على أساس التأليف السريع وتعديل في الأسماء يسمّح بتسرّب أسماء تريح “المكلّفين”. واعتبر المطّلعون أنّ الطابة باتت في ملعبه في تدوير الزوايا لأنّ العناد لا يشكّل حكومات، إن كان من جانبه أو من جانب باسيل. مع العلم أنّ مطلب دياب بالابقاء على تشكيلة 18 وزيراً لن يصمد حتى نهاية السباق الحكومي، خصوصاً في ظلّ موقف رئيس الجمهورية المصرّ على توسيع الحكومة إلى 24 وزيراً، مدعوماً من الثنائي الشيعي.
ويقول نائب قريب من الرئيس برّي: “همُّ رئيس مجلس النواب أن يكون هناك حكومة قابلة للعمل. وأيّ تأخير في التشكيل بات وصفة سريعة للانهيار. الكل سيسهّل للرئيس المكلف، واليوم بات يحمل تشكيلة شبه جاهزة، لكن توزيعاتها في الحقائب والأسماء يجب أن تكون منطقية وقابلة للبلع”.
يضيف النائب نفسه: “في التشكيلة الأولى حمل لائحة تكنوسياسية إلى رئيس الجمهورية، لأنّها كانت تضمّ أسماء وزراء سابقين إضافة إلى اسمه، فلماذا هذا الهلع حين يتعلّق الأمر بأسماء نظيفة وكفوءة تكون محسوبة على قوى سياسية أخرى. لا أحد منّا يطرح عودة “ديناصورات” الحكومة المستقيلة”.
لكنّ أوساطاً متابعة تطرح تساؤلات حول مطلب باسيل بتشكيل لجنة اقتصادية، عُلم أنّها ستضمّ وجوهاً من أصحاب الإختصاص لكن محسوبة على القوى السياسية، ودورها سيكون شبيهاً بـ”حكومة ظل” لحكومة، دياب تتّخذ القرار المالي والاقتصادي نيابةً عنها.