قاآني في بغداد: الهدوء و”التعطيل”… بانتظار الصفقة

2020-12-27

قاآني في بغداد: الهدوء و”التعطيل”… بانتظار الصفقة


كلّ المعلومات الأولية تتحدث عن أنّ زيارة قائد قوة القدس في حرس الثورة، الذراع الإقليمية والنشاطات الخارجية لإيران، العميد اسماعيل قاآني إلى العراق، قد جاءت على وجه السرعة. وهي الثانية خلال هذا الشهر، وتأتي في إطار جهود تبذلها طهران لضبط الأمور ومنع انزلاقها إلى فوضى عسكرية ومواجهة مباشرة بين واشنطن وتل أبيب من جهة وبين إيران وحلفائها من جهة أخرى.

فالإعلان عن زيارة قاآني إلى العراق جاء بعد التصعيد غير المسبوق الذي شهدته العاصمة بغداد ضد السفارة الامريكية واستهدافها بنحو 21 صاروخا واتهام الفصائل المسلحة الموالية أو المؤيدة لإيران بالوقوف وراءه. قاآني الذي انتقل على وجه السرعة من سوريا إلى العراق، عقد سلسلة اجتماعات مع قادة الفصائل المسلحة بعيدا عن الإعلام وأخرى علنية ذات طابع سياسي مع المسؤولين العراقيين. وكان حادّاً وقاسياً وحازماً في تأنيب هذه الفصائل التي تضع في دائرة الخطر كلّ الجهود السياسية والدبلوماسية التي تبذلها طهران لإبعاد شبح الخيار العسكري في هذه المرحلة الانتقالية التي تمر بها الساحة الدولية بانتظار دخول الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن إلى البيت الأبيض. خطر لا يخدم سوى الأطراف التي لا تريد لإيران أن تنتقل في علاقتها مع واشنطن إلى مرحلة الحدّ من التوتر وفتح قنوات الحوار والتفاوض من جديد.

زيارة قائد قوة القدس في حرس الثورة، الذراع الإقليمية والنشاطات الخارجية لإيران، العميد اسماعيل قاآني إلى العراق، قد جاءت على وجه السرعة. وهي الثانية خلال هذا الشهر

قد لا تختلف زيارة قاآني العراق عن أهداف زيارته إلى سوريا وحتماً بعد المرور ببيروت، والتي تصب جميعها في سياق تعزيز التنسيق بين أضلاع التحالف الإيراني للحفاظ على حالة الهدوء الحذر القائمة حاليا لهذا المحور ، مع البقاء على أعلى مستوى من الجهوزية العسكرية والأمنية، ليس من أجل القيام بعمل عسكري ابتدائي، بل للتصدّي لأيّ تطور عسكري قد تقوم به إدارة الرئيس الأميريكي المنتهية ولايته دونالد ترمب. ولمواجهة أي مغامرة قد يلجأ إليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو لتخفيف الضغوط الداخلية التي يواجهها بعد قرار الكنيست حلّ نفسه والذهاب إلى انتخابات مبكرة، خصوصاً أنّ الهدف الرئيس لدى هذين الحليفين – ترامب ونتنياهو – بحسب اعتقاد طهران وبعض قيادات المحور الإيراني، هو قطع الطريق أمام أي محاولة تقارب أو تفاوض أو حوار بين واشنطن بإدارتها الجديدة وبين النظام الإيراني. هذا في ظلّ مؤشرات أوروبية برزت في الأيام الأخيرة وتكشف عن تخلّي عواصم الترويكا الأوروبية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) عن شروطها بالضغط على إيران لتوسيع الاتفاق القائم ليشمل البرنامج الصاورخي والنفوذ الإقليمي كمقدمة لإعادة تفعيل العمل بالإتفاق النووي. وهو تطوّر رفعته هذه العواصم كتوصية لإدارة بايدن لاعتماد السياسة نفسها تسهيلاً لعملية إقناع إيران بالعودة إلى التزاماتها النووية ووقف خطوات رفع مستوى تخصيب اليورانيوم وتركيب أجهزة طرد مركزي جديدة ومتطورة.

من هنا فإنّ ردة الفعل الإيرانية على التطوّر الأمني الأخير الذي شهدته العاصمة العراقية ضدّ السفارة الأمريكية، كانت مرتفعة الوتيرة، لجهة اللغة واللهجة التي استخدمها الجنرال قاآني مع بعض قيادات الحشد والفصائل، والأوامر التي أصدرها بضرورة الحفاظ على مستوى الهدوء في هذه الفترة المفصلية والمصيرية، وأيضاً لجهة ضرورة ضبط إيقاع العمل السياسي والأمني تحت سقف تحديات المرحلة الانتقالية في واشنطن. وذلك انسجاماً مع الاستراتيجية التي لجأت إليها طهران بتعطيل أو تجميد أي تقدم على مسارات الحلول السياسية التي شهدتها أزمات دول منطقة غرب آسيا من أفغانستان وعملية المصالحة بين حكومة كابل وحركة طالبان، والعراق والإبقاء على الحكومة على حافة الفشل والإنفجار، واليمن وتأجيل جهود الدفع لتنشيط عملية الحل السياسي… مروراً بالملفّ السوري، حيث تنتظر إيران اتّضاح صورة العلاقة المبهمة بين موسكو وبين إدارة البيت الأبيض الجديدة، التي تتداخل مع موقف كلا الطرفين – الروسي والأمريكي – من الطموحات التركية المنتشرة من شمال أفريقيا إلى شمال القوقاز وصولاً إلى داخل الصين، تجارياً وقومياً وعرقياً ومصالحَ استراتيجية. وبالطبع وصولاً إلى لبنان حيث عملية المماطلة في تشكيل الحكومة وما تفرضه الأوضاع الاقتصادية المنهارة من ضرورة التفكير الجدي بوضع آليات تبعد البلاد عن حافة الانهيار.

إقرأ أيضاً: إيران: لا تنازل عن النفوذ العربي… نعم للحوار مع السعودية

وكان لافتاً في هذا السياق مسارعة طهران على المستويين السياسي والعسكري لإدانة الاعتداء الذي استهدف السفارة الأميركية في بغداد، وتنصّل أبرز الفصائل الموالية لها من أي مسؤولية عن هذا الاعتداء وتقاذفها هذه المسؤولية فيما بينها، واتهام بعض القوى “بالسعي لاستجرار الحرب ضدّ العراق وإيران”. وهي إدانة تنسجم مع القناعة الجديدة التي بدأت تتبلور لدى القيادة الإيرانية بإمكانية الذهاب إلى تخفيف التوتر مع واشنطن – بايدن من أجل التوصل إلى تفاهمات تحت السقوف السابقة للاتفاق الموقّع في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما. من دون انتظار أو ربط أي تقدّم على هذا المسار بالمعركة الرئاسية الإيرانية التي ستجري في 18 حزيران المقبل. أي مع فصل المسارات الداخلية عن الخارجية، لتحقيق هدف إنهاء العقوبات الإقتصادية والتهميد لمرحلة جديدة تسمح للرئيس الجديد بالتفرّغ لتطبيق البرنامج الاقتصادي والإداري والسياسي المنسجم مع رؤية القيادة النظام، وبهدف تسهيل أيّ عملية انتقالية سلسلة في حال تغيّر المشهد القيادي. وهي عملية بدأت تؤرّق في السنوات الأخيرة بال المرشد الأعلى والمؤسسة العسكرية على حدّ سواء.

مواضيع ذات صلة

شهران صعبان: أرض محروقة وتصعيد في العمليات

تجمع مصادر متعدّدة أميركية وقريبة من محور المقاومة على أنّ الفترة المقبلة، خصوصاً الشهرين من منتصف أيلول حتى منتصف تشرين الثاني المقبل، ستشهد تصعيداً كبيراً…

“تهريبة” تعليم السّوريّين: هل تتراجع الحكومة عن قرارها؟

عاصفة من الردود أثارها التعميم الصادر عن المديرة العامّة بالتكليف للتعليم المهني والتقني هنادي برّي والذي يسمح للطلّاب السوريين غير الحاملين بطاقة إقامة قانونية أو…

ترهيب الموسوي.. بعد ترغيب فيّاض وفضل الله

بمعزل عن سياقها، حملت تلك العبارات التي قالها مسؤول ملفّ الموارد والحدود في الحزب، النائب السابق السيّد نواف الموسوي، بُعداً تهديدياً واستفزازياً. وكانت عرضة للتأويل…

اختتام “قمّة الـAI العالميّة”: السّعوديّة تقود المستقبل الرّقميّ

اختتمت في 12 أيلول الجاري “القمّة العالمية للذكاء الاصطناعي 2024” في العاصمة السعودية الرياض، بحضور عالمي لا مثيل له، حيث بلغ عدد الذين تسجّلوا لحضور…