هكذا تعرفتُ على السيدة مريم العذراء..

2020-12-23

هكذا تعرفتُ على السيدة مريم العذراء..


طبعت بدايات الدراسة والمدرسة في مخيلتي بصورة تمثالين. الأول هو تمثال الأديب والكاتب الكبير خليل مطران والذي كان يستقبلنا كل صباح عند مدخل مدرسة البطريركية في منطقة زقاق البلاط ببيروت. أما التمثال الثاني فكان تمثال السيدة مريم العذراء داخل كنيسة المدرسة حيث كنّا ندخل أيام الشتاء وهطول الأمطار في حصة الرياضة لأداء بعض التمارين السويدية، كما ندخلها عندما تدخل علينا الراهبة المشرفة لتبشرنا أننا ذاهبون إلى الكنيسة للقاء “بابا نويل”، الذي سيوزع علينا الحلوى والهدايا.

في هذه المرحلة من الطفولة، كنت أعتقد أنّ الكنيسة هي منزل السيدة مريم العذراء. لقد اعتدت أن الصور في المنزل تعود لصاحبه، تماماً كمنزل جدي ومنزلنا حيث كانت ترتفع صورة والدي  في “الصالون”. وكنت أعتقد أنّ “بابا نويل” هو من عائلة السيدة مريم، حيث يقوم بمهام التكريم والضيافة للزوار في عيد الميلاد.

طبعت بدايات الدراسة والمدرسة في مخيلتي بصورة تمثالين. الأول هو تمثال الأديب والكاتب الكبير خليل مطران والذي كان يستقبلنا كل صباح عند مدخل مدرسة البطريركية في منطقة زقاق البلاط ببيروت. أما التمثال الثاني فكان تمثال السيدة مريم العذراء

كان عيد ميلاد المسيح بالنسبة لنا كأطفال، هو شجرة بهية مضاءة وهدايا وأغانٍ جميلة وطبعاً عطلة مدرسية طويلة، حتى ساقتني الظروف ورفاق الحي إلى التردد على مسجد المصيطبة حيث نعيش. كانت البداية في شهر رمضان، والمفاجأة أنّ إمام المسجد الشيخ زكريا وهو كردي الأصل أطلق بين الفتيان مسابقة للفوز بدراجة هوائية وموضوع المسابقة “حفظ سورة مريم في القرآن”. انكبيت على حفظ السورة بمساعدة والدتي الدرزية الأصل، بخاصة أنّ والدي لم يكن بقادر على شراء دراجة هوائية لي بعد احتراق متجر العائلة في بناية العازارية وسط بيروت.

حفظت السورة ولم أربح الدراجة. لم يكن لي نصيب في القُرعة بين الحافظين. وكان التعويض كرة، وأسوأ ما في الكرة من هدية أنك مضطر كي تستعملها أن يشاركك بها الجميع..

إلا أنّ الجائزة التي فزت بها دون أن أستلمها من أحد هي أنني تعرفت عبر القرآن على السيدة مريم العذراء من جديد.

حفظت السورة ولم أربح الدراجة. لم يكن لي نصيب في القُرعة بين الحافظين. وكان التعويض كرة، وأسوأ ما في الكرة من هدية أنك مضطر كي تستعملها أن يشاركك بها الجميع

السيدة مريم في القرآن ليست مجرد إمرأة أو أنها فقط أم لنبي ورسول اسمه “المسيح” . كانت في القرآن بصورة المرأة التي تجادل بالحق. دون رهبة فجاء في الآيات: “وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَ?نِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى? يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَ?لِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ? وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا ? وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21)”. لقد جاءت صورتها في القرآن أعمق وأبلغ وأكثر دلالة مما يعتقد الكثيرون.

لقد صور القرآن مريم بصورة المرأة المجاهدة المقاتلة الصلبة بوجه الظالمين المفترين. فقال عنها: “فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى? جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَ?ذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24)وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ? فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَ?نِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26).

ولم يكتفِ القرآن بذلك بل منحها صورة المباركة لا بل أكثر جعل برها في صلب رسالة عيسى وفي ماهية ذاك الدين فقال القرآن: “فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ? قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَ?لِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ? قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)”.

إقرأ أيضاً: عيد “الكورونا” عبر الهاتف

هكذا عَرَفْتُ السيدة مريم في القرآن، وهكذا عرفها ملك الحبشة “النجاشي أصحمة بن أبجر” الذي استقبل الصحابة المهاجرين بعدما طلب منهم النبي محمد (ص) الذهاب إلى هناك وقد صلّى النبي محمد عند وفاته صلاة الغائب عليه، وقد خاطب النجاشي الصحابي جعفر بن أبي طالب بعد سماعه سورة مريم منه فقال: “لا فرق بين ديننا ودينكم سوى هذا (وأشار إلى الصليب الذي يحمله بيده) وما تعاليم محمد بمختلفة عن تعاليم المسيح”.

.. في عيد الميلاد، عيد ميلاد المسيح، كل التهاني والأماني أن تكون ذكرى ولادته حافزاً لنا بالسعي لولادة لبنان الجديد.

مواضيع ذات صلة

عجز القوّة: انتصارات روما وهولاكو لم تعد موجودة

نحن نعيش “عجز القوّة” المفرطة النظامية أو “القوّة البدائية” المقاومة في تحقيق الهدف النهائي لأيّ عمل عسكري. كلّ عمل عسكري، كما قال المحلّل الاستراتيجي العريق…

مكاسب نتنياهو على حساب مصداقيّة واشنطن

كلّ أساليب الدبلوماسية الخلّاقة لا تستطيع أن تخفي حقيقة أنّ الجهود الدبلوماسية الأميركية لاحتواء النزاع في الشرق الأوسط منذ عملية “طوفان الأقصى” فشلت حتى الآن…

“إخوان” الكويت.. زمن تقليم الأظافر

لو عدنا بالتاريخ 5 أشهر فقط إلى الوراء، لكان المشهد كالتالي في الكويت: جماعة “الحركة الدستورية الإسلامية” (حدس)، وهي الفرع الكويتي لجماعة “الإخوان المسلمين”، مُمثّلة…

عمليّة “البيجر” و”اللاسلكي”.. أميركا نصحت وإسرائيل نفّذت

ما يوصف بالخيال العلمي سينمائياً يصبح واقعياً في الكثير من المجالات، ومنها العسكري، فيتسبّب بآلامٍ ومآسٍ. هذا ما شهده لبنان المصدوم، الثلاثاء والأربعاء الماضيين، باستخدام…