كيندا الخطيب لن تبقى قيد التوقيف، وستخرج إلى الحرية بعد جلسة التمييز بالحكم، الذي تقدمت به وكيلتها المحامية جوسلين الراعي، في اليوم التالي لصدور حكم سجنها 3 سنوات.
ربما سيطول الوقت قبل البتّ بالتمييز، على غرار الحكم الذي تأخّر نحو 6 أشهر، ليضع حداً لتوقيف ابنة الـ24 ربيعاً بتهمة التواصل مع العدوّ الإسرائيلي، في زمن بات أسخف ما يُمكن أن يُؤخذ على الحكومات والأنظمة القمعية محاولاتها الحدّ من تواصل الناس مع بعضها البعض أو مراقبتها وحظرها. سيل جارف من الوسائط والتطبيقات تجعل من منع التواصل أمراً شبه سخيف. وحتّى تعريف التواصل بات صعباً. فهل اللايك Like تواصل؟ أو Block؟!
بحسب التحقيقات، فإنّ كيندا لم تقدّم معلومات سرية للمتواصِل معها، ولم تشِ بسرّ من أسرار الدولة، بل جُلّ ما قامت به أنّ صحافياً إسرائيلياً مغموراً، معروفاً بوقاحته وبمحاولات تطفّله الدائمة على الوجوه الإعلامية اللبنانية، أوقعها في شرّ تهوّرها. وربما هو من وشى بها بطريقة أو بأخرى. كما أنّ اندفاعتها الزائدة والواضحة، من خلال صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، تشدّ جهات كثيرة كانت تنتظرها على كوع هفوة أو على مفرق سقطة كتلك.
خلال جلسة المحاكمة مطلع الاسبوع، وبسحر ساحر، سقط ادّعاء الأمن العام “دخول كيندا الأراضي الفلسطينية” ولم تمرّ على ذكره هيئة المحكمة إلاّ مرور الكرام. سقط بضربة الأجهزة الأمنية الأردنية التي أكّدت بموجب وثيقة رسمية، أنّ الخطيب دخلت الأردن وخرجت منه إلى لبنان فقط ولم تزُر الأراضي المحتلة. كما سقطت معه الادّعاءات حول مقطع الفيديو المصوّر داخل الأراضي المحتلة والموجود على هاتفها الخليوي لعدم قدرة الإدعاء على إثبات أنّها هي من صوّره في إسرائيل. فتحوّل الملفّ، بشهادة من حضر الجلسة، إلى جلسة دردشة بين هيئة المحكمة العسكرية وبين كيندا الخطيب التي جاهرت بتسييس ملفها، ثم انتهت الجلسة من دون نطق الحكم مباشرة.
بحسب التحقيقات، فإنّ كيندا لم تقدّم معلومات سرية للمتواصِل معها، ولم تشِ بسرّ من أسرار الدولة، بل جُلّ ما قامت به أنّ صحافياً إسرائيلياً مغموراً، معروفاً بوقاحته وبمحاولات تطفّله الدائمة على الوجوه الإعلامية اللبنانية، أوقعها في شرّ تهوّرها
إذاً، فلنعد بالذاكرة إلى شهر حزيران الماضي. يوم كانت المنطقة تتحضّر للإعلان عن “اتفاق أبراهام” بين دولتي الإمارات والبحرين وبين إسرائيل. يبدو أنّ هناك من خاف من تسلّل مفاعيل هذه الاتفاقية إلى عقول شباب ضمن البيئة السُنّية، فأراد أن يبعث برسالة استباقية حازمة تكبح أيّ “خطوة متهورة” من هذا النوع، وربما نجح.
بالمقابل هناك رأي آخر يقول أنّ قضية كيندا لا علاقة لها بمسار التطبيع في المنطقة بل هو نمط المغالاة في إدانة أيّ اتصال ولو على فيسبوك بين واحدة أو واحد من أهل “السنّة” مع شخص تافه أولاً تبيّن أنّه يحمل الجنسية الإسرائيلية.
أوساط عائلة الخطيب تؤكد أنّ الساعات التي فصلت بين انتهاء الجلسة وبين النطق بالحكم “شهدت تدخلات سياسية”؟ فالتطمينات التي سادت صباح الإثنين، أوحت بأنّ البراءة أو ربّما الحكم ثم الاكتفاء بمدة التوقيف باتت في الجيب… لكن هذا الأمر لم يحصل.
ربّما سمعة “الأمن العام اللبناني” لا تتحمّل إخفاقين في ملفي عمالة، لأنّ ملف كيندا سيعود بذاكرة الرأي العام إلى ما حصل مع الناشطة السياسية جنى أبو دياب قبل سنتين. وما التأخير في تعيين جلسة محاكمة للخطيب إلا للتهدئة ومن أجل “تنييم الملف” à la libanaise ليمرّ بهدوء وسلاسة وبأقلّ خسائر ممكنة، وهذا ما أكّدته أيضاً أوساط عائلة الخطيب التي كانت تعرّضت للوعيد كلّما حرّكت الملف في الإعلام.
سوء حظّ الخطيب أنّ موعد الانتخابات النيابية ليس بقريب. الزخم السياسي والحماسة لـ”إحقاق الحقّ” اللذين حظي بهما ملف براءة المسرحي زياد عيتاني، لم يكونا من نصيب كيندا. فالمصادر تكشف أنّ نائبين من منطقتها تدخلا لمساعدتها من باب “المَونة” والصداقة مع العائلة، إلاّ أنّ الزعامة السنية في “بيت الوسط” تراجعت عن حماسة أظهرتها في البداية، ومع الوقت تحوّل منسوب الخطاب والرسائل التي وصلت بالتواتر لذويها، إلى مستوى متواضع جداً، سقفه: “دعوا القضاء يأخذ مجراه”.
هناك رأي آخر يقول أنّ قضية كيندا لا علاقة لها بمسار التطبيع في المنطقة بل هو نمط المغالاة في إدانة أيّ اتصال ولو على فيسبوك بين واحدة أو واحد من أهل “السنّة” مع شخص تافه أولاً تبيّن أنّه يحمل الجنسية الإسرائيلية
لكنّ الجميع رأى كيف أنّ القضاء أشاح بنظره عن طائرة “العميل الأصلي” عامر الفاخوري، التي انطلقت من عوكر صوب قبرص، وكيف سحب القضاء نفسه أغلظ أسواطه، أمس، في وجه فضل شاكر!
معلومات “أساس” تفيد بأنّ ابن الأمين العام لـ”حزب الله” جواد نصرالله، الذي يتوارى عن “الأنظار الافتراضية” منذ انفجار المرفأ واحد من بين هؤلاء. ومنهم أيضاً الوزير جبران باسيل الذي توّعدها بواسطتة وكيله القانوني قبل سنة بملاحقتها بسبب تغريدة تخص كلامه على قناة “العربية – الحدث”.
ظنّت كيندا أنّ إخبار مديرية قوى الأمن الداخلي بما حصل معها، وتزويدهم بكلمات المرور لحساباتها يعني أنها باتت تحت أعينهم، وبالتالي فإنّ ذلك سيعفيها من المسؤولية ويوصلها إلى برّ الأمان. ربّما صغر سنّها لم يسمح لها بالاطلاع على ملف زياد الحمصي، وجدلية “العمالة” و”العمالة المزدوجة” التي قيل أنّه نُسق فيها مع قوى الأمن الداخلي في حينه، فأنتهى الأمر به مداناً بالعمالة ومسجوناً.
كيندا لا تعلم بأنّ أجهزتنا كلها مخترقة من بعضها البعض. وأنها ربما بفعلتها هذه، قد سلّمت نفسها تسليم اليدّ لأجهزة لا ترحم وجلّ ما تبحث عنه هو “تسجيل الانتصارات” على بعضها، ضاربة بعرض الحائط مسؤوليتها في إفهام المواطنين اللبنانيين، وتوعية جيل الشباب خصوصاً على واجباتهم. فهم يدفعوك صوب الخطأ ليصطادوك… وكأنّ مهامهم ليست منوطة بحمايتك!
معلومات “أساس” تفيد بأنّ ابن الأمين العام لـ”حزب الله” جواد نصرالله، الذي يتوارى عن “الأنظار الافتراضية” منذ انفجار المرفأ واحد من بين هؤلاء. ومنهم أيضاً الوزير جبران باسيل الذي توّعدها بواسطتة وكيله القانوني قبل سنة بملاحقتها بسبب تغريدة تخص كلامه على قناة “العربية – الحدث”
الأمر كلّه يُختصر بعملية تسجيل نقاط: جهاز محسوب على الشيعة أوقف عميلاً في صفوف السنّة، أو جهاز محسوب على السنّة أوقف عميلاً في صفوف الشعية… وهكذا دواليك. وكأننا نعيش في “مجمّع دول طائفية” لكل ّدولة فيه جهازها وأمنها الخاص.
في توقيته، يثير توقيف كيندا علامات استفاهم كثيرة، كما أنّ التأخّر في إصدار الحكم بحقها، يرسم المزيد من علامات الاستفهام والتعجّب! خصوصاً إذا ما قورن بضعف التُهم التي أسندها ضدها الجهاز الأمني (الأمن العام اللبناني) مع بداية توقيفها، وهي تُهم كانت تتعلّق بزيارة الأراضي المحتلة وبالتجسس.
إقرأ أيضاً: نعم.. كيندا الخطيب أخطأت
لا شكّ أنّ تاريخ العدو حافل بالإجرام والمكائد، لكنّه لم يشهد يوماً، أو على الأقل لم نقرأ أو نسمع بعملية تجنيد لجواسيس أجانب قام بها صحافي إسرائيلي، فالتجنيد لدى العدو مُناط بجهاز أمني محدد، وليس بالجسم الصحافي، على شاكلة ذاك الصحافي روعي عيسى المغمور ذائع الصيت، الذي خضع بدوره للمساءلة المهنية والتحقيق للاشتباه به هو أيضاً بعد توقيف كيندا، بحسبما تكشف التقارير الاخبارية.
أضف إلى ذلك، فإن القرار الاتهامي اضطرّ لأن يصنفّ الاتحاد الأوروبي في لبنان والجمعيات التابعة له “غرفاً أمنية”، وأن يعتبر دولة الكويت الشقيقة دولة عدوّة وظيفتها “التتجسّس” علينا، وأن يفترض أنّ كيندا قدّمت معلومات لهاتين الدولتين ليتمكن من إدانتها.
وسط هذه الازدواجية والتناقض، تتوسّط صدر كل مواطن حريص على بلده حسرة، مفادها: ليتنا نعرف أجمعين أنّ المواجهة الحقيقية مع العدو الإسرائيلي تبدأ بالتشبّه بـ”دولة” القانون والمؤسسات التي تسجن الرؤساء إن أخطأوا لا أن ينتظر القضاء إشارتهم ليخرج هذا أو يزجّ ذاك. أي بمعنى آخر، ليتنا نتشبّه بالعدو نفسه، بإسرائيل.