بإيعاز من رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب فتح وزير المال غازي وزني باب التفاوض مجّدداً مع شركة التدقيق “ألفاريز أند مارسال” استناداً إلى “ايجابية” أبدتها الشركة في استئناف مهمّتها في لبنان، وفق عقد جديد وبشروط جديدة، بعد صدور قانون تعليق العمل بأحكام السريّة المصرفية لمدّة سنة واحدة، ما يفترض تسهيل وصولها إلى كافة الحسابات المالية المطلوبة.
تقول مصادر السراي الحكومي لـ”أساس” إن “لا شروط مسبقة لدينا في التفاوض، والمهمّ أن نبدأ من مكان ما حيث أدّت المزايدات السياسية طوال الفترة الماضية إلى تأخير الكثير من الاستحقاقات منها التدقيق الجنائي”، مشيرة إلى “ثلاثة أنواع من الحسابات، ويمكن البدء بالتدرّج وصولاً إلى حسابات المصارف التي تمنّع حاكم مصرف لبنان عن تسليمها بحجّة السريّة المصرفية”.
يُسجّل في هذا السياق العتب “الحكومي” على أسلوب تعاطي مسؤولي “ألفاريز أند مارسال” مع رئاسة الحكومة ونزولاً. فيقول مطلعون إنّ هؤلاء تجاوزوا أدبيات التعاطي مع مواقع رسمية في الدولة اللبنانية وهو أمرٌ مرفوض ويجب عدم تكراره.
وبدا لافتاً موقف متقدّم من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بُعَيْدَ صدور قانون تعليق السريّة المصرفية الذي قال إنّه “ضروريٌ، لأننا كنّا نريد أن يحصل تدقيق جنائي دون مخالفة القانون”، وأكّد أنّ “مصرف لبنان سيسلّم، بعد أن سلّم حساباته الخاصة، حسابات الآخرين الموجودة لدى المصرف التي تخصّ القطاع العام والدولة، وأيضاً حسابات المصارف تبعاً لطلب المدقّقين”، ما يفترض أن يزيل أي التباس حول أن يسلّم ما حجبه سابقاً عن شركة “ألفاريز أند مارسال”. وقال: “تبيّن أنّنا على حقّ لأنّ مجلس النواب شعر أيضاً أنّه من واجبه إقرار القانون، وبالتالي لم نكن نضع حججاً إنّما قلنا: لا نريد مخالفة القانون”.
يُسجّل في هذا السياق العتب “الحكومي” على أسلوب تعاطي مسؤولي “ألفاريز أند مارسال” مع رئاسة الحكومة ونزولاً. فيقول مطلعون إنّ هؤلاء تجاوزوا أدبيات التعاطي مع مواقع رسمية في الدولة اللبنانية وهو أمرٌ مرفوض ويجب عدم تكراره
وذهب سلامة في مقابلته مع “فرانس 24” إلى حدّ التأكيد بأنّه “من أصل مليار و600 مليون دولار خرجت بين 17 تشرين الأوّل وآخر 2019، هناك مليار دولار مِن اللبنانيين أو الزبائن في المصارف اللبنانية حوّلت إلى الخارج. والتحقيق الذي بدأ سيُركّز على هذا المليار وسندخل في التفاصيل”!
وبين مسار التفاوض المُستجدّ والالتزام الصريح الذي أعلنه سلامة يسلك التدقيق الجنائي مساراً قد لا يكون بالضرورة ميسّراً في ظل الأزمة الحكومية واضطرار الحكومة المقبلة إلى تغطية العقد المعدّل أو العقود مع شركات جديدة، إضافة إلى الموانع “العملانية” التي قد تعرقل أكبر عملية تدقيق مالي وجنائي قد تضع، إن صفت النوايا، رؤوساً كبيرة داخل السجون.
ويرى مطلعون أن القانون الصادر عن مجلس النواب في 21 كانون الأول الجاري يسوده الالتباس خصوصاً أنّه لم يتضمّن نصّاً صريحاً حول حسابات المصارف والقطاع الخاص في مصرف لبنان والتي كانت السبب الأساس الذي دفع شركة التدقيق الاميركية إلى الانسحاب.
ونصّ القانون المذكور على الآتي: “يعلّق العمل بقانون سريّة المصارف وجميع المواد التي تشير إليه لمدّة سنة واحدة تسري من تاريخ نشر هذا القانون، وذلك في كل ما يتعلّق بعمليات التدقيق المالي و(أو) التحقيق الجنائي التي قرّرتها وتقرّرها الحكومة على حسابات مصرف لبنان والوزارات والمصالح المستقلّة والمجالس والصناديق والمؤسّسات العامة أيّاً تكن طبيعة هذه الحسابات ولغايات هذا التدقيق ولمصلحة القائمين به حصراً كما جاء في قرار مجلس النواب في جلسته المنعقدة بتاريخ 27-11-2020.
2- يشمل مفعول التعليق كل الحسابات التي تدخل في عمليات التدقيق.
3- تبقى أحكام قانون سريّة المصارف سارية في كل ما عدا ذلك”.
وقد سقطت من القانون كلمة “بالتوازي” التي كانت أصرّت عليها كتلة الرئيس نبيه بري وتشير الى إخضاع حسابات مصرف لبنان وكافة الإدارات والوزارات والمصالح المستقلّة والمجالس والصناديق… “بالتوازي للتدقيق الجنائي”، كما لم يتضمّن القانون إشارة بالإسم الى البلديات!
يرى مطلعون أن القانون الصادر عن مجلس النواب في 21 كانون الأول الجاري يسوده الالتباس خصوصاً أنّه لم يتضمّن نصّاً صريحاً حول حسابات المصارف والقطاع الخاص في مصرف لبنان والتي كانت السبب الأساس الذي دفع شركة التدقيق الاميركية إلى الانسحاب
وبدا لافتاً إشارة المستشار السابق لرئيس الجمهورية جان عزيز في تغريدة إلى أنّ “طبخة قانون تعليق السريّة المصرفية كانت صفقة تسوية وتذاكٍ لبناني ملغوم حتّى ينفجر بالتفاوض مع الشركة ويرجع التعطيل لمصلحة كلّ استعراضيي مكافحة الفساد”، معتبراً بشكل ضمني أنّ عدم ذكر “بالتوازي” لتطمين فريق (رئيس الجمهورية) قابلته الفقرة 3 الملتبسة حول “بقاء سريّة المصارف بكل ما عدا ذلك، لتطمين الفريق التاني”!!
فهل تجد شركة التدقيق نَفسَها أمام نصّ ملتبس يهشّل “ألفاريز” مجدداً أو أيّ شركة تدقيق أخرى؟
إقرأ أيضاً: “مصرف” رياض سلامة أصبح مكشوفاً… و”ألفاريز أند مارسال” راجعة!
يؤكّد عزيز لـ”أساس” أنّ الدولة اللبنانية باستطاعتها سلوك طريقٍ أسهل لكشف الحسابات المشبوهة ولا يكلّف الخزينة اللبنانية قرشأ عبر مسارين:
– الأول عبر البنك الدولي من خلال الطلب منه أن ينضمّ لبنان إلى لائحة الدول المُتعثرة والنامية المعروفة بفسادها التي يمنحها البنك الدولي قروضاً ويرصد من خلال القسم الذي ترأسه حالياً بنلوبيه غولدبرغ مسالك صرف الأموال الممنوحة لها. وفي التقرير الذي يُصدِره يَرصد عملية التحويلات المالية للشخصيات السياسية Politically Exposed Persons أو PEPs)) إلى المحميات الضرائبية في دول العالم، والتحويلات الخارجية من دولة إلى أخرى.
– والثاني يضيف عزيز: عبر شبكة FINCENوهي شبكة دولية مرتبطة بكل المؤسّسات الدولية والامم المتحدة تتولّى مراقبة التحويلات المالية في العالم وفق معايير تكشف التحويلات المشبوهة وغير المشروعة. وقد قامت هذه الشبكة مؤخّراً بأخذ عيّنة من لبنان (تقريبا 130 عملية حسابية) تبيّن لها في تقرير نشرته مؤخراً أنّ هناك مبالغ بقيمة 100 مليون دولار مشتبه بها (82 مليون حركة خروج و18 مليون دولار دخول). ويمكن التواصل مع FINCEN لاستكمال عملية رصد كافة الحسابات.