فرنسا تبتعد: أوروبا وأميركا تقتربان من العقوبات.. والبلد للانهيار

مدة القراءة 5 د


ما كان ينقص لبنان إلاّ أن يلغي فيروس كورونا زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثالثة إلى البلد السائر في ركب الانهيار. تلك الزيارة كان يريد لها الرئيس الفرنسي أن تكون حاسمة على خطّ المبادرة الفرنسية. وكان يفترض أن يكون لها أكثر من بعد ورسالة، أبرزها نيّته عدم لقاء المسؤولين السياسيين، الاكتفاء بلقاء رئيس الجمهورية ميشال عون على أرض مطار رفيق الحريري الدولي، مع احتمال لقائه في اليوم الثاني من الزيارة، وزيارة قوات الطوارئ الدولية في الجنوب، للقاء قائد قوات اليونيفيل، والقوّة الفرنسية العاملة ضمن القوات الدولية، وهذا البعد الأبرز في هذه الزيارة.

ذهاب ماكرون إلى الجنوب اللبناني لو حصلت الزيارة، لكان حمل أبعاداً متعدّدة، يفترض أن تتجلّى في الكلمة التي سيلقيها من هناك، وهو تحدّث سابقاً عن أهمية حصول سلام، وعدم إبقاء الوضع متوتراّ في الجنوب، وعدم استخدام وهج سلاح حزب الله والتلويح به سياسياً، ربطاً بالتأييد الفرنسي لمساعي ترسيم الحدود. لو زار ماكرون لبنان وذهب إلى الجنوب، لأضفى المزيد من الشرعية على مسيرة حزب الله، حتّى وإن انتقده أو أطلق مواقف تتعارض مع توجّهات الحزب في هذه المرحلة. وهو كان يريد أيضاً منح المزيد من الغطاء لقوات اليونيفيل التي تمّ التجديد لها لسنة كاملة في آخر شهر آب الفائت، بناءً على مسعى فرنسي.

أما إلغاء الزيارة، فسيكون له تبعات وتداعيات بأبعاد مختلفة. إذ سيجد لبنان نفسه وحيداً، بلا أيّ اهتمام دولي أو خارجي.لأنّ ما كان يحاول أن يفعله ماكرون، ومعلوم أنّه لن يؤدي إلى أيّ نتيجة، لم يعد بالإمكان التعويل عليه حتّى على طريق الاستثمار في الوقت وتقطيعه بحدّ أدنى من الخسائر قبل مغادرة دونالد ترامب البيت الأبيض.

ذهاب ماكرون إلى الجنوب اللبناني لو حصلت الزيارة، لكان حمل أبعاداً متعدّدة، يفترض أن تتجلّى في الكلمة التي سيلقيها من هناك، وهو تحدّث سابقاً عن أهمية حصول سلام، وعدم إبقاء الوضع متوتراّ في الجنوب

بعض التقديرات تشير إلى أنّ إلغاء زيارة الرئيس الفرنسي ستتزامن مع المزيد من الضغوط والتصعيد السياسي الأميركي تجاه لبنان، وسط معلومات تفيد بأنّ الأميركيين قد يقدمون على فرض عقوبات على شخصيات سياسية ورجال أعمال خلال الأسبوعين المقبلين. وبحسب معلومات ديبلوماسية دولية فإنّ العقوبات ستطال 3 مقرّبين من رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، و2 من المقربين من رئيس الجمهورية ميشال عون.

لا تغفل المعلومات احتمال حصول توترات أمنية في الداخل اللبناني على خلفية الصراعات والتشنّجات بين القوى المختلفة، كما لا يمكن إسقاط احتمال حصول أيّ تطورات خارجية عبر عمليات أمنية إسرائيلية أيضاً. كلّ هذه الاحتمالات تدفع حزب الله إلى رفع منسوب استنفاره في ضاحية بيروت الجنوبية وفي بيروت، وعلى طول الطريق الساحلي الذي يربط العاصمة بالجنوب.

وبالعودة إلى دور اليونيفيل، فإنّ الأنظار ستتركز في المرحلة المقبلة على الدور الذي تقوم به هذه القوات، ولا يمكن إغفال الاعتداء الذي تعرّضت له دورية لليونيفيل قبل فترة في بلدة كوثرية السياد، مع الإشارة إلى أنّ تلك المنطقة لم تكن مدرجة في القرار 1701 إنّما هي خارج نطاق عمل القرار الدولي لأنّها تقع شمالي نهر الليطاني، ويؤشر ذلك إلى أنّ القوات الدولية تعمل على توسيع إطار عملها ومهامها.

في غياب ماكرون، ستضعف أكثر مفاعيل وتأثيرات المبادرة الفرنسية، فيما يتقدّم أكثر الدور الأوروبي ككلّ بتنسيق بين ألمانيا، إيطاليا، إسبانيا، بلجيكا، وبريطانيا، وبالتنسيق أيضاً مع الأميركيين الذين لا يريدون لباريس أن تستفرد بمبادرتها في لبنان، وسط انزعاج أميركي من المسعى الفرنسي الذي يهدف إلى تحسين العلاقات مع إيران وحزب الله.

لا تغفل المعلومات احتمال حصول توترات أمنية في الداخل اللبناني على خلفية الصراعات والتشنّجات بين القوى المختلفة، كما لا يمكن إسقاط احتمال حصول أيّ تطورات خارجية عبر عمليات أمنية إسرائيلية أيضاً

بينما سيظهر في الأيام المقبلة تقدّماً أوروبياً، بعد تصنيف الأوروبيين حزب الله، بشقّيه السياسي والعسكري، تنظيماً إرهابياً. هنا أيضاً سيكون ملفّ المطار مفتوحاً وسط معلومات تفيد بأنّ ألمانيا كان لديها خطّة كاملة لتطوير العمل في مطار رفيق الحريري الدولي، وجعله أكثر أماناً على سلامة الطيران، فيما واشنطن تريد له أن يكون خاضعاً لإشراف دولي من قبل الأمم المتحدة.

إقرأ أيضاً: المبادرة الفرنسية صارت جمعية الرفق بالمعاقبين أميركياً!

الدور الأوروبي المنسّق مع الأميركيين سيطال جوانب أخرى أيضاً، لا سيّما بعد الكلام الذي أثير عن حصول عملية كوماندوس إسرائيلي في منطقة الجيّة قبل حوالى أسبوعين. وبحسب المعلومات فإنّ رصد هذه العملية قد حصل بأجهزة متطوّرة يمتلكها الجيش اللبناني، وهي عبارة عن رادارات كانت قد قدّمتها ألمانيا كهبة إلى الجيش عام 2006، ولديها قدرة على رصد أيّ حركة على طول الشاطئ اللبناني.

في الخلاصة: سنشهد في الأيام المقبلة تطوّرات كثيرة في مجالات متعددة… سياسياً وأمنياً وعسكرياً واقتصادياً، لكنّنا لن نشهد تعويماً للمبادرة الفرنسية ولا على صعيد تشكيل الحكومة. تلك الملفات المتزاحمة ستؤكد ثبوت الرؤية الدولية تجاه لبنان، وتركه إلى مصيره، أي الانهيار، بانتظار حصول تسوية كبرى ستغيّر من وجهته السياسية بعد أشهر طويلة. 

 

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…