يطلّ اسم لبنان في اقتراح قانون عقوبات أميركيّ جديد، لكنّ الاقتراح هذه المرة، يُعدّ أكثر شمولاً من سابقه الذي يهدف إلى وقف أنشطة غسيل الأموال التي يقوم بها “حزب الله”، والذي سُمّي في حينه The Hezbollah Money Laundering Prevention Act of 2020.
الاقتراح يستهدف تحديداً النظام السوري والكيانات المتعاملة معه سياسياً واقتصادياً، ويُسمّي في سابقة غير مشهودة من قبل، مؤسستي قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني، ويدعو إلى التحقّق من تورطهما في مساعدة النظام السوري. الاقتراح يأتي على ذكر اسم المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم مجدّداً بصفته من الشخصيات الداعمة للنظام السوري، كما ينوّه إلى مسؤولية محتملة لمصارف محلية لبنانية لها فروع في سوريا، في دعم النظام السوري، مثل بنك لبنان والمهجر (سوريا والمهجر)، بنك عودة، فرنسبنك، بنك بيبلوس، بنك بيمو، البنك العربي، وبنك البركة.
قبل 4 أيام، قدم عضو الكونغرس الجمهوري جو ويلسون، إلى لجنة إقتراح قانونٍ عنوانه “أوقفوا القتل في سوريا” (Stop the killing in Syria act) يستهدف سنّ أشدّ عقوبات مقترحة ضد نظام بشار الأسد بموجب قانوني “قيصر” و”ماغنيتسكي”.
Yesterday I introduced the Stop the Killing in Syria Act which would enact the toughest sanctions ever on the Assad regime in Syria. Grateful to lead the @RepublicanStudy National Security Strategy, where these policies were mostly first recommended. https://t.co/UEtLXmTr3f
— Joe Wilson (@RepJoeWilson) December 11, 2020
وتكشف مسودة القانون أنّ الهدف منه “منع أي رئيس أميركي مقبل من الاعتراف بنظام الأسد أو الاعتراف بالأسد رئيساً لسوريا، كجزء من استراتيجية “لجنة الأمن القومي” الجمهورية التي يقودها ويلسون، والتي وضعت هذه الاستراتيجية ضمن ورقة نشرتها في حزيران الفائت.
الاقتراح يدعو إلى “تحديد حجم تورط السلطات اللبنانية” في مساعدة النظام السوري على التهرب من العقوبات الأميركية، وخصوصاً “من خلال عمليات التهريب”، وإلى التدقيق في عمل قوى الأمن الداخلي، والجيش اللبناني في حال كانا قد سمحا بمثل هذه الأفعال أو سهّلاها. وكذلك التدقيق في مدى “تورطهما في إعادة للاجئين السوريين القسرية إلى الداخل السوري”. وكذلك “تحديد قائمة بأسماء العناصر العاملين” في قوى الأمن الداخلي وفي الجيش اللبناني الذين “شاركوا أو سمحوا عن عمد، أو سهلوا أو ساعدوا النظام السوري في أنشطة التهرّب من العقوبات أو في عمليات التهريب”.
تكشف مسودة القانون أنّ الهدف منه “منع أي رئيس أميركي مقبل من الاعتراف بنظام الأسد أو الاعتراف بالأسد رئيساً لسوريا، كجزء من استراتيجية “لجنة الأمن القومي” الجمهورية التي يقودها ويلسون، والتي وضعت هذه الاستراتيجية ضمن ورقة نشرتها في حزيران الفائت
ويطالب اقتراح القانون، الكونغرس بمزيد من الإجراءات لوقف قتل الأسد للشعب السوري، ولاستهداف الكيانات التي تموّله وتدعمه، مثل المسؤولين السياسيين والشركات والدول، ليس دعماً اقتصادياً فحسب، وإنما دعم سياسي ودبلوماسي أيضاً. فيُسمّي بالاسم لهذه الغاية دولاً عربية تقيم علاقات دبلوماسية مع نظام الأسد، مثل مصر، الأردن، لبنان، العراق، سلطة عمان، والإمارات العربية المتحدة.
ويدعو إلى استحداث عقوبات جديدة ضدّ الشركات الصينية والسورية، وضدّ دولتي روسيا والصين في حال ثبُت ارتكابهما جرائمَ حرب أو جرائم ضد الإنسانية بموجب القوانين الأميركية، ويقترح البحث في جدوى إقامة منطقة حظر جوي لحماية المدنيين، مثلما أوصى “قانون قيصر” في بداياته، حينما جرى طرحه في الكونغرس عام 2016.
كما يطلب من الرئيس الأميركي الجديد “تطوير استراتيجية شاملة للتعامل مع سوريا” من شأنها أن “تدعم رغبة الشعب السوري في الإطاحة بالأسد وطرد روسيا وإيران خارج سوريا”، كما يحظر التشريع على أي مسؤول أميركي مستقبلي “الاعتراف بالأسد كرئيس”، ويطلب منعه من “الترّشح مرّة أخرى”.
كما يستهدف الاقتراح القطاع المصرفي السوري بالكامل لأنّه يوفّر تمويلًا حاسماً للجرائم التي يرتكبها نظام الأسد، ويدعو إلى فرض عقوبات ضد المؤسسات المالية الأجنبية العاملة في سوريا. ويحضّ الإدارة على تحديد المناطق السورية الخاضعة لروسيا ولإيران وذلك من أجل تصنيفها على أنّها “مصدر قلق أساسي” في مجال غسيل الأموال. كما بفرض على بشار الأسد وعائلته والمقربين منه، نشر تقاريرهم المالية علنًا على شبكة الإنترنت.
يستهدف الاقتراح القطاع المصرفي السوري بالكامل لأنّه يوفّر تمويلًا حاسماً للجرائم التي يرتكبها نظام الأسد، ويدعو إلى فرض عقوبات ضد المؤسسات المالية الأجنبية العاملة في سوريا
وبحسب مراقبين مطلعين على سياسة الحزب الجمهوري في الكونغرس، فإن مقاربة هذا الاقتراح مع الاقتراح السابق الذي يخص “حزب الله” وأتى على ذكر اللواء ابراهيم في آخر تعديل طرأ عليه، يُظهر أنّ الجمهوريين داخل الكونغرس “يحاولون تشكيل نواة لمجموعة قوانين قد تكون بمثابة عصا قادرة على أن تطال إيران وحلفاءها في المنطقة مستقبلاً، خصوصاً في حال ذهبت إدارة الرئيس الجديد جو بايدن بعيداً في طريقة إعادة إحياء المفاوضات مع إيران”. وهذه القوانين في حال صادق الكونغرس عليها “ستكون بمثابة الحبل سيلجم بايدن” الذي بحسب ما يبدو، لا تختلف سياسته عن سياسات الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما.
أما التصويب على المصارف اللبنانية المتواجدة على الأراضي السورية، فالهدف منه “قطع أي صلة وصل بين قطاع المصارف اللبناني والمصرف المركزي السوري”، لأنّ قناعة الأميركيين ثابتة وتحسم بأنّ جزءاً كبيراً من الإمدادات المالية التي وصلت إلى النظام السوري كان مصدرها العراق ولبنان وبواسطة “حزب الله” خصوصاً. فالإدارة الأميركية (أقله الحالية) على علمٍ بـ”سيطرة حزب الله على الكثير المرافق اللبنانية ومن ضمنها القطاع المصرفي”، بحسب ما يؤكد خبير مصرفي في اتصال مع “أساس”.
إقرأ أيضاً: العقوبات على باسيل… هل للمصارف قدرة على التلاعب؟
أما الطريقة الوحيدة أمام المصارف اللبنانية العاملة في سوريا كي تنجو من هذه العوبات، فهي أن “تفصل فروعها اللبنانية نهائياً عن فروعها السورية، وأن تتفادى وجود مجالس إدارية مشتركة بين لبنان وسوريا، وعدم تعيين أي مستشار مشترك بين فرع سوري وآخر لبناني. كما عليها أن تتأكّد من أن زبائن فروعها في سوريا ليسوا مقربين من نظام الأسد أو عائلته، بالوثائق والممارسات”.
في المحصلة، لا بدّ من التذكير، بأنّ قوانين العقوبات الأميركية تبقى عرضة لتجاذبات الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ولتعديلات في اللحظات الأخيرة. لكن فلنتذكّر دوماً أنّ قوانين كثيرة سمعنا وقرأنا عنها قبل سنوات، عادت وأبصرت النور وبدأت تطال الكثير من الكيانات والشخصيات اللبنانية وغير اللبنانية، مثل قانوني “قيصر” و”ماغنيتسكي”.
أما الجديد، فهو بداية الحديث رسمياً وجدياً عن عمليات التهريب، ما قد يفتح الأبواب أما العقوبات على مصراعيها.