لبنان 2020… لقاء الجهل والحقد

مدة القراءة 5 د


ما آل اليه لبنان أكثر من طبيعي في ظلّ ظروف غير طبيعية داخلياً وإقليمياً ودولياً. يأتي ما آل إليه لبنان نتيجة التقاء الجهل، حتّى لا نقول الغباء، بالحقد، والتفاعل بينهما في عهد يهمّه مستقبل جبران باسيل وليس مستقبل لبنان.

بعد نحو عشرين يوماً تنتهي السنة 2020، السنة التي لم يمرّ مثلها على لبنان. تضافرت عوامل عدّة في جعل لبنان الحالي بلداً منبوذاً ومفلساً، بلداً طارداً لأهله لا علاقة له بلبنان الذي عرفناه. صار على لبنان نسيان تاريخه الحديث الذي عمره مئة سنة بالتمام والكمال والتنكّر للأسباب التي جعلت منه بلداً فريداً من نوعه في المنطقة ومزدهراً في مرحلة معيّنة.

في 2020، بات مصير لبنان على المحكّ فيما يبحث العهد الحالي عن ثلث معطّل في الحكومة، بما يؤكد إنّ صهر رئيس الجمهورية جبران باسيل ما زال حيّا يرزق سياسياً وأنّ العقوبات الأميركية لم تقضِ عليه نهائياً. يتصرّف العهد على هذا النحو، علما أنّ الخيار المطروح أمامه في غاية الوضوح والبساطة في الوقت ذاته. إنّه خيار الوقوف جانباً والسماح بتشكيل حكومة اختصاصيين قادرة على التعاطي مع المجتمعين العربي والدولي كي يخرج لبنان من حال اللامبالاة التامة بمصيره.

كلّما بقي لبنان بلا حكومة، زاد الاهتراء وتضاءلت فرص إيجاد قناة يمكن من خلالها الحصول على مساعدات في ظلّ حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة. يظلّ القيام بهذه الإصلاحات في غاية الصعوبة في بلد ليس مطلوباً منه سوى أن يكون ورقة إيرانية في مفاوضات تستهدف التوصل إلى صفقة بين “الجمهورية الإسلامية” وبين الإدارة الجديدة في واشنطن.   

في 2020، بات مصير لبنان على المحكّ فيما يبحث العهد الحالي عن ثلث معطّل في الحكومة، بما يؤكد إنّ صهر رئيس الجمهورية جبران باسيل ما زال حيّا يرزق سياسياً وأنّ العقوبات الأميركية لم تقضِ عليه نهائياً

يكمن الجهل لدى العهد على ثلاثة مستويات: لبنانياً وإقليمياً ودولياً:

على الصعيد اللبناني لا وعي لواقع يتمثّل في حصول تغيير جذري في تركيبة البلد. أخذ هذا التغيير بعداً جديداً في السنوات الماضية التي امتدّت بين الرابع عشر من شباط 2005، لدى اغتيال رفيق الحريري، والسنة 2020. لا استيعاب لمعنى تمكّن “حزب الله” من ملء الفراغ الأمني والسياسي الذي خلّفه الانسحاب العسكري السوري في 26 نيسان 2005. على العكس من ذلك، هناك رغبة في الاستفادة إلى أبعد حدود من كلّ ما يكنّه “حزب الله”، ومن خلفه إيران، من “محبّة” للبنان واللبنانيين ولبيروت بالذات. هناك رغبة في الضحك على الذات عن طريق إقناع هذه الذات أنّ في الإمكان استعادة حقوق المسيحيين بسلاح “حزب الله”!

من الصعب تعداد كل مكامن الجهل لدى العهد على الصعيد اللبناني بدءاً بالعجز عن فهم معنى انهيار النظام المصرفي اللبناني وإفقار اللبنانيين وهبوط سعر العملة الوطنية وصولاً إلى كارثة تفجير ميناء بيروت ونتائجها، أقلّه على صعيد المنطقة القريبة من المرفأ التي تضرّرت أكثر من غيرها، وهي منطقة مسيحية في معظمها. الأكيد أنّ الجهل ينسحب على سوء تقدير خطورة هجرة الشباب اللبناني إلى أيّ مكان مستعدّ لاستقباله…

يشمل الجهل في طبيعة الحال الإصرار على بقاء وزارة الطاقة في يد جبران باسيل، على الرغم من كلّ الفشل الذي خلّفته وصايته على هذا القطاع طوال أكثر من عشر سنوات. ليس معروفاً بعد هل المطلوب السيطرة على وزارة الطاقة ام إنّ الامر مرتبط بين هذه السيطرة والإصرار على حرمان اللبنانيين من الكهرباء؟

يظهر الجهل على المستوى الإقليمي من خلال عزل لبنان عربياً وتغطية الربط بينه وبين ما يسمّى “محور الممانعة”. ما فعله العهد الحالي لم يتجرّأ أيّ عهد آخر على عمله، بما في ذلك عهد إميل لحود. يدين لبنان اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة ولا يدين إطلاق الحوثيين في اليمن صواريخ في اتجاه الأراضي السعودية. أكثر من ذلك، لا وجود لفهم لطبيعة ما يدور في سوريا وخطورة مشاركة “حزب الله” كميليشيا مذهبية في الحرب على الشعب السوري. فوق ذلك كلّه، لا يزال هناك رهان على أنّ بشّار الأسد يمكن أن ينتصر على السوريين، فيما سوريا تفتّتت. أمّا قمة الجهل على الصعيد الإقليمي فتتمثّل في العقم السياسي اللبناني الذي ظهر من خلال المفاوضات مع إسرائيل في شأن ترسيم الحدود بين البلدين… فضلاً عن العجز عن استيعاب معنى العلاقة الجديدة بين دول الخليج العربي وإسرائيل.

يشمل الجهل في طبيعة الحال الإصرار على بقاء وزارة الطاقة في يد جبران باسيل، على الرغم من كلّ الفشل الذي خلّفته وصايته على هذا القطاع طوال أكثر من عشر سنوات

يمكن وضع كتاب عن كمّية الجهل المتوافرة لدى العهد في ما يخصّ الوضع الإقليمي، مثلما يمكن وضع كتاب آخر عن الجهل في ما يدور في العالم ومعنى التغيير الذي حصل في الولايات المتحدة وتأثيره على مستقبل العلاقات الأميركية – الأوروبية عموماً والعلاقات الأميركية – الفرنسية على وجه الخصوص.

إقرأ أيضاً: محطات مسيحية لبنانية قاتلة

متى يجتمع الجهل مع الحقد لا يعود مستغرباَ أن يعاني لبنان وشعبه مما يعانيه الآن، خصوصاً أنّ هناك كمية حقد غير عادية على كلّ ما هو ناجح في لبنان القديم، لبنان ما قبل 2005 الذي استطاع التقاط أنفاسه، ابتداءً من العام 1992 وإعادة الحياة إلى عاصمته وإلى دورها على غير صعيد، خصوصا عربيّاً.

ماذا بقي من لبنان في السنة 2020 التي تشرف على نهايتها؟ تبقى أطلال مرفأ بيروت شاهدةً على بلد كان يمكن أن يكون قصة نجاح في المنطقة… فتحوّل إلى قصة فشل، إنّ لم يكن قصة الفشل بحدّ ذاته.

مواضيع ذات صلة

الرياض: حدثان اثنان لحلّ لبنانيّ جذريّ

في الأيّام القليلة الماضية، كانت مدينة الرياض مسرحاً لبحث جدّي وعميق وجذري لحلّ أزمات لبنان الأكثر جوهرية، من دون علمه، ولا علم الباحثين. قسمٌ منه…

الحزب بعد الحرب: قليل من “العسكرة” وكثير من السياسة

هل انتهى الحزب؟ وإذا كان هذا صحيحاً، فما هو شكل اليوم التالي؟ وما هي الآثار السياسية المباشرة لهذه المقولة، وكذلك على المدى المنظور؟ وما هو…

أكراد الإقليم أمام مصيدة “المحبّة” الإسرائيليّة! (2/2)

عادي أن تكون الأذهان مشوّشة خارج تركيا أيضاً بسبب ما يقوم به دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية وحليف رجب طيب إردوغان السياسي، وهو يدعو…

الاستكبار النّخبويّ من أسباب سقوط الدّيمقراطيّين

“يعيش المثقّف على مقهى ريش… محفلط مزفلط كثير الكلام عديم الممارسة عدوّ الزحام… بكم كلمة فاضية وكم اصطلاح يفبرك حلول المشاكل أوام… يعيش أهل بلدي…