لم تكن المسافة التي تفصل منزل غسان أبو ذياب عن ملعب نادي الصفاء، في وطى المصيطبة، سوى أمتار معدودة. لذا، لم يكن له ملاذ لتمضية أوقات فراغه سوى مشاركة أنداده في لعب الكرة في ذلك الملعب. وكان هذا التوجّه يروق للوالد سلمان الذي يعشق الصفاء، ويرى فيه الملاذ الأمين والبيت الثاني الذي يطمئنه إلى مستقبل ابنه في لعبة يحبها.
والعلاقة بين البيت وملعب الصفاء، مهّدت طريق النجومية أمام غسان الذي تحوّل قائداً للصفاء، لا بل رمزاً من رموز أحد أعرق الأندية اللبنانية، إذ قاده في صولات وجولات كثيرة صنعت من الصفاء أحد المنافسين الرئيسيين على ألقاب البطولات المحلية.
أبو ذياب يعتبر أنّه “من الطبيعي” أن يلتحق بصفوف الصفاء، هو الذي ترعرع وكبر على حب هذا الفريق الذي كان يشكّل جزءاً من شخصيته، وساهم في تعلّقه بالساحرة المستديرة حتى صار يدين له بالكثير “لأنه لم يخذلني في يوم من الأيام، وأنا بدوري دافعت عن قميصه بكل إخلاص”.
في حديث لـ”أساس” يأسف لأنّ “الكرة اللبنانية وصل إلى الحضيض، ولا سيما في الضائقة التي تواجهها الأندية”. إذ يرى المستوى الفني وقد صار “متواضعاً، واللاعبون النجوم باتوا نادرون، والجمهور بعيد عن الملاعب”.
هو يتابع المباريات للوقوف على مستويات الفرق، ولا يرى ما يسرّه ولا ما يعجبه. ويتوقع أن “يتفاقم تدهور المستوى في غياب اللاعبين الأجانب”. ويشكو من أنّ ولاية رئيس النادي السابق غازي الشعار “شهدت تراجعاً ملحوظاً على مستوى نتائج الصفاء، والإدارة الحالية على الرغم من استقالتها إلا أنّها تعمل بجهد كبير من أجل تأمين الاستقرار المادي والفني للاعبين”.
لم ينتسب أبو ذياب إلى فريق آخر غير الصفاء، لكنّه شارك في الدفاع عن ألوان فرق لبنانية عدة، لكن “بالإعارة”.
العلاقة بين البيت وملعب الصفاء، مهّدت طريق النجومية أمام غسان الذي تحوّل قائداً للصفاء، لا بل رمزاً من رموز أحد أعرق الأندية اللبنانية، إذ قاده في صولات وجولات كثيرة صنعت من الصفاء أحد المنافسين الرئيسيين على ألقاب البطولات المحلية
كان في العاشرة من عمره حين انضمّ إلى فريق الأشبال الذي كان يشرف عليه الشيخ غازي علامة، فلمس موهبة دفينة في الفتى، وكانت توقعاته في مكانها، لأن فريق الأشبال الذي كان يضمّ علي صبرا، وسعد حلاوي، وحمزة حمزة، ووليد دحروج، وغيرهم، كان يعجز عن تقديم العروض الرائعة حين يغيب أبو ذياب الذي يجيد التحرّك في كلّ أرجاء الملعب، ويبرع في شغل مركز لاعب الوسط المهاجم.
نجح في أن يكون أصغر لاعب في فريق الصفاء الأول، حين ضمّه المدرب إلى تشكيلته وهو في الخامسة عشرة. واستغرب غازي علامة حينها ضمّه إلى الفريق الأول المسافر إلى الاتحاد السوفياتي للانتظام في معسكر هناك، حيث خاض أربع مباريات أمام فرق قوية: “أبليتُ بلاءً حسناً في مركز خطّ الوسط، ونجحت منذ ذلك الحين في فرض نفسي أساسياً في الفريق”.
تزامنت انطلاقة مسيرته الكروية مع اندلاع الحرب اللبنانية عام 1975، فلم يهنأ في بدايته لتعذّر المشاركة في البطولات الرسمية التي كانت متوقّفة. وعوّض ذلك المشاركة في دورات 16 آذار، والأضحى، وكأس مدينة عاليه، وكأس الإمام المغيب موسى الصدر، وسواها. وحين عادت البطولات الرسمية للانطلاق كان له حظّ في الفوز مع الصفاء بكأس لبنان بعد الانتصار على الأنصار في المباراة النهائية من موسم 1985 – 1986، بهدف نظيف بهدف سجّله محمد بري في الدقيقة 114 من الشوط الإضافي الثاني من المبارة”.
لم تتردّد معظم النوادي المحلية في تعزيز صفوفها بأبو ذياب حين كانت تسافر للعب في الخارج، ومنها النجمة الذي لعب له أبو ذياب في بطولة النوادي العربية. واستعان الأنصار بأبو ذياب حين لعب في فرنسا أمام باستيا، وفاز عليه 2 ـ 1. وكان أبو ذياب شارك الأنصار قبل المباراة أمام باستيا في معسكر إعدادي في رومانيا استمر شهراً.
يشير قائد الصفاء السابق إلى أنه تلقى خلال مسيرته الكروية عروضاً عدة للاحتراف في الخارج، أبرزها من نادي الشباب السعودي، ونادي النصر الإماراتي، فضلاً عن نادٍ كندي. لكن إدارة الصفاء كانت ترفض العروض مهما كانت قيمتها مغرية.
وسجّل أبو ذياب أهدافاً كثيرة في البطولات، وكاد في أول موسم رسمي بعد الحرب (1987-1988) أن يفوز بلقب هداف الدوري وهو مصاب بتمزّق حاد في عضلات الفخذ اليمنى: “أُصبت بتمزّق، وأشرف على علاجي الكابتن عدنان الشرقي الذي كانت تربطه بالشيخ غازي علامة صداقة وطيدة. وأذكر أنّ الشرقي كان يحضر قبل كلّ مباراة ويشدّ عضلات الفخذ حتى أتمكّن من اللعب. وكان المدرب قد دفعني إلى خط الهجوم ليخفّف عني من أعباء خط الوسط، وكنت متصدّراً قائمة الهدّافين. وانسحب أحد الفرق من الدوري، فشطب الاتحاد نتائجه، فتقدّم عليّ مهاجم الأنصار فؤاد سعد الذي فاز بلقب الهدّاف ذاك الموسم بـ6 أهداف”.
نجح في أن يكون أصغر لاعب في فريق الصفاء الأول، حين ضمّه المدرب إلى تشكيلته وهو في الخامسة عشرة. واستغرب غازي علامة حينها ضمّه إلى الفريق الأول المسافر إلى الاتحاد السوفياتي للانتظام في معسكر هناك، حيث خاض أربع مباريات أمام فرق قوية: “أبليتُ بلاءً حسناً في مركز خطّ الوسط، ونجحت منذ ذلك الحين في فرض نفسي أساسياً في الفريق”
لم تكن المسافات تشكّل عائقاً أمام أبو ذياب، فهو يجيد التسديد من بعيد، ويستخدم ذكاءه وموهبته في التسجيل حين يكون قريباً من المرمى. وكان ممتازاً في التمرير، والسرعة، والمناورة، وفي تنفيذ ضربات الجزاء، والضربات الحرّة المباشرة. وكان يحافظ على مستواه الفني في جميع المباريات. ولم يكن أنانياً يهوى الاحتفاظ بالكرة، بل كان زملاؤه يلمسون تفاهماً حين يلعبون بجانبه، وغالباً ما كان يمرّر إليهم الكرات السهلة التي يكون قادراً خلالها على التسجيل بنفسه.
يقول زملاؤه إنّه كان ذا أخلاق دمثة في الملعب، فلا يردّ الإساءة بإساءة، بل يبدو قادراً على التغلّب على ردود الفعل حين يتعرّض له أيّ لاعب منافس بالخشونة. ويكون الردّ بمدّ يد المساعدة إليه حين يسقط في الملعب، وينال تصفيقاً من الجمهور.
إقرأ أيضاً: مارادونا الذي لعب الكرة بعواطفه ويديه.. قبل قدميه
آثر أبو ذياب الاعتزال وهو في قمة مستواه، فقبل آخر خمس مباريات من موسم 1995 – 1996، أعلن اعتزاله اللعب. في صحف اليوم التالي طالبته شخصيات مرموقة بالعودة إلى الملاعب، فخاض المباريات الخمس المتبقّية، ليفوز الصفاء فيها جميعاً، ثم تحوّل إلى التدريب.
اعتزل لأنّه أراد أن يترك صورة جميلة في عيون الجمهور اللبناني: “أتمنى أن أكون قد حقّقت هذه الأمنية”.
مثل كثيرين من أيناء جيله، لم ينل حقّه من كرة القدم، ولم يحقّق أمنيته، هو الذي كان يحلم بالاحتراف في الخارج، وكان مستواه ليؤهّله أن يكون سفيراً للكرة اللبنانية في أيّ دولة عربية، فضلاً عن قضائه سنوات طويلة من مسيرته الكروية في الحرب العبثية.
يختم اللقاء بحادثة طريفة عما كان يحصل لوالده حين يخسر الصفاء: “كان والدي من المتتبعين الدائمين لمباريات الفريق، وحين كان الصفاء يخسر، يلوذ بالصمت ولا يحدّث أحداً حتى يعود مشياً على أقدامه من الملعب إلى البيت. وذات يوم توجّه والدي إلى ملعب بحمدون حيث تابع المباراة التي خسرها الصفاء، فعاد إلى البيت مشياً على الأقدام، ولم يحدّث أحداً حتى دخوله البيت. وكانت والدتي تعرف النتيجة لحظة دخوله المنزل، فإذا جلس وحيداً يعني أنّ الصفاء خسر، وإذا كان مبتهجاً كأنّه عائد من عرس فهذا يعني أنّ فريقه فاز”.