حكومتان على الورق بين عون والحريري

مدة القراءة 6 د


أصبح مسار تشكيل الحكومة كالبورصة. تتأرجح صعوداً وهبوطاً. بورصة على الورق، كالأرصدة البنكية لا أحد قادر على تحصيلها. إنّما هي حسابات على الورق، وأكثركم لا يعلمون.

اللقاء الذي عقد بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري أنتج حكومتين، لكن على الورق. ورقٌ قابل لإشعال  البلد، وإحراق ما تبقّى من دستور وعمل مؤسساتي. ذهب الحريري إلى بعبدا حاملاً تشكيلته الحكومية، مؤلّفة من 18 وزيراً، تتضمّن توزيعاً كاملاً للأسماء والحقائب على الطوائف. كان عون في المرصاد، وعاجل في ردّه على خطوة الحريري بتقديم طرح حكومي مضادّ ومتكامل أيضاً، و”على أسس واضحة” في مسألة توزيع الحقائب، حسب وصف القصر الجمهوري.

ملاحظات عديدة لا بدّ من تسجيلها، على الحرب الورقية والإعلامية، المضافة إلى حرب الصلاحيات التي يخوضها ميشال عون منذ بداية عهده.

أوّلاً، إنّ تقديم رئيس الجمهورية طرحاً حكومياً مضادّاً هو أمر يتجاوز الدستور الذي ينصّ على التشاور بين الرئيسين في تشكيل الحكومة، لا أن يقدّم رئيس الجمهورية تشكيلته. وبمجرّد صدور بيان من قصر بعبدا يتحدث عن أنّ عون سلّم طرحاً للحريري، يعني أنّه قد رفض تشكيلة الحكومة، وطالبه بتعديلها. وسيؤدّي ذلك إلى إحراج الحريري الذي سيجد نفسه مضطرّاً في سبيل تشكيل حكومته إلى العودة إلى قواعد فرضها عون، وهو ما لن يحصل.

ثانياً، موقف رئيس الجمهورية ميشال عون الرافض للتنازل عن مبدأ الحصول على 7 وزراء، أي الثلث المعطل، بما يشكّل له قوّة ضامنة ومقرّرة داخل مجلس الوزراء، وفي هذه الحسابات لا اعتبار لأصدقاء ولا لحلفاء. وذلك في رأيه أدنى مقوّمات التعويض العوني عن العقوبات التي فرضت على جبران باسيل. والأخير يريد أن يقول إنّ العقوبات لم تضعفه ولا يزال قادراً على فرض تشكيل الحكومات أوتعطيلها، والحصول على الثلث المعطل وعلى الوزارات التي يريدها. في موازاة معضلة الثلث المعطل، ثمة آراء إلى جانب رئيس الجمهورية تبدو مرنة في تكريس مبدأ التنازل عن هذا الثلث طالما أن لا طرف سيكون حاصلاً عليه، يقترح بعض المقربين من عون الذهاب إلى خيار وزير مسيحي ملك، لكن عون لم يوافق حتى الآن.

ملاحظات عديدة لا بدّ من تسجيلها، على الحرب الورقية والإعلامية، المضافة إلى حرب الصلاحيات التي يخوضها ميشال عون منذ بداية عهده

ثالثاً، لا يزال رئيس الجمهورية يتمسك بأربع وزارات أساسية هي: الدفاع، الداخلية، العدل والطاقة. التمسك بوزارة الطاقة يأتي في مقابلة تمسّك حركة أمل بوزارة المال، أما وزارة الداخلية فقد انتزعها عون من الحريري لصالح المسيحيين عند الحديث عن المداورة، وهو لن يعيدها، ويتمسّك بأنّ الوزراء المسيحيين يجب أن يكونوا من حصّته، خاصّة في الوزارات الأساسية، طالما أنّ تيار المردة سيحصل على وزارة الاتصالات، والطاشناق سيحصل على وزارة التربية، فيما يحصل وزير من الحزب السوري القومي على وزارة أقلّ أهمية.

يريد عون وزارة الداخلية إلى جانب وزارتي العدل والدفاع، ليكون قد شكّل ثلاثياً أمنياً وقضائياً قادراً من خلاله على الاستمرار في معركته بادّعاء محاربة الفساد لتطويع وتخويف كلّ القوى المعارضة له. يريد عون تسمية جان سلّوم لوزارة الداخلية، بينما الحريري يتمسك بتسمية العميد المتقاعد نقولا الهبر. أما وزارة الدفاع فيقترح عون لها نقيب المحامين السابق أنطوان إقليموس، والدكتورة فاديا كيوان وزيرة للعدل. علماً أنّ حتّى هذه الأسماء قابلة للتعديل والتغيير بين وزارة وأخرى وفق مقتضيات الاختصاص.

رابعاً، حزب الله حتّى الآن لا يزال إلى جانب رئيس الجمهورية، لم يسلّم أسماء وزارئه إلى الحريري قبل ذهابه إلى بعبدا وقبل التأكد من أنّ عون سيكون راضياً وموافقاً. لا يريد حزب الله أن يكون عون هو الوحيد الذي لم يسلّم أسماء وزرائه وبالتالي هو المعرقل، وبالتالي فإنّ التشكيلة التي سلّمها الحريري اقترح فيها وزيرين من الطائفة الشيعية بنظره لا يستفزاّن الحزب، ولكنّهما قابلان للتعديل حين يتوافق مع عون ويرسل الحزب أسماء وزرائه.

خامساً، هناك اختلاف في وجهات النظر بين الرئيس نبيه بري وبين حزب الله حول مسألة تسليم الأسماء للحريري، إذ إنّ بري قد سلّم لائحة من عشرة وزراء ليختار الحريري اثنين من بينها، ولا يوافق على ما فعله حزب الله لأنّه لا بدّ من تشكيل الحكومة.

يريد عون وزارة الداخلية إلى جانب وزارتي العدل والدفاع، ليكون قد شكّل ثلاثياً أمنياً وقضائياً قادراً من خلاله على الاستمرار في معركته بادّعاء محاربة الفساد لتطويع وتخويف كلّ القوى المعارضة له

سادساً، لا تزال هناك إشكالية حول الوزير الدرزي. تدخّل نبيه برّي بين الحريري وجنبلاط وذلك بعد خلافات متعدّدة بينهما، بدأت الأسبوع الفائت، عندما طرح الحريري على جنبلاط الحصول على وزارتي الخارجية والسياحة، فرفض جنبلاط واعتبر أنّ الحريري نقض الاتفاق بينهما بإعطائه وزارتي الصحّة والشؤون الاجتماعية. حصل تواصل بين جنبلاط وبرّي الذي علم بالأمر، وتدخّل مع الحريري متنازلاً عن الزراعة لجنبلاط إلى جانب الخارجية مقابل الحصول على السياحة. مساء الثلاثاء حصل خلاف جديد بين جنبلاط والحريري، إذ اقترح الأوّل اسم عباس الحلبي للتوزير، فرفضه الحريري، لأنّه كان مقترَحاً في تشكيلة مصطفى أديب، وعرض الحريري على جنبلاط عدداً من الأسماء الدرزية، الأمر الذي استاء منه رئيس الاشتراكي، بينما تلقّى من الحريري وعداً بالعمل على حلّ المشكلة.

إقرأ أيضاً: باسيل يملأ الفراغ بحرب الملفات القضائية.. وبري وجنبلاط سيردّان

سابعاً، حقائب حزب الله التي حسمت بالمبدأ هي وزارتا الأشغال والعمل، ستكون عاملاً غير مريح لبعض المجتمع الدولي، خصوصاً أنّ وزارة الأشغال تعني وزارة الوصاية على المرفأ والمطار، وهما أكثر المرافق الخاضعة لعين حمراء من الخارج، وخصوصاً من الأميركيين، لا سيما بعد تفجير المرفأ، وبعد ضغوط دولية لفرض رقابة مشدّدة على المرفقين. وبالتالي بحصول حزب الله على وزارة الأشغال وأمل على وزارة المال، فهذا يعني أنّ الحزب نجح في الانقلاب على مفاعيل العقوبات الأميركية على الوزيرين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، وهذه ستستدعي بالتأكيد ردود فعل دولية وعربية سلبية.

 

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…