ليست الذكرى الخامسة عشر لاغتيال جبران تويني هذا العام كسابقاتها. هذه السنة تمزّقت صورة جبران المعلّقة على واجهة مبنى “النهار”. مزّقها الإنفجار الإجرامي في مرفأ بيروت والذي دمّر أجزاء كبيرة من مبنى الجريدة المطلّ على ساحة الشهداء. تلك الساحة التي أقسم فيها جبران قسمه في 14 آذار 2005 بـ”أن نبقى موحدّين مسلمين ومسيحيين دفاعاً عن لبنان العظيم”… وبعد بضعة أشهر سقط جبران شهيد قسمه على طريق منزله في بيت مري ومعه اثنان من مرافقيه أندريه مراد ونقولا الفلوطي.
بالنسبة لخال جبران الصحافي في “النهار” علي حماده، فإنّ ذكرى جبران تويني منذ اغتياله لها دائماً طابعٌ خاصٌ لأسرة “النهار” وللعائلة. هي مناسبة لاسترجاع مسيرة هذا الشاب والأسباب التي من أجلها اغتيل بين أهله.
ليست الذكرى الخامسة عشر لاغتيال جبران تويني هذا العام كسابقاتها. هذه السنة تمزّقت صورة جبران المعلّقة على واجهة مبنى “النهار”. مزّقها الإنفجار الإجرامي في مرفأ بيروت
لكنّ هذا العام وقع الذكرى أقوى بعد انفجار الرابع من آب، ولاسيّما أنّ بيروت التي أصيبت في صميمها هي بيروت التي أحبّها جبران والتي انطلق منها، وهو ابن بيروت وتحديداً ابن هذه الأحياء التي دمّرت، من الرميل إلى الأشرفية إلى كلّ المنطقة التي ترعرع فيها، ومثّلت بيئته الاجتماعية والانتخابية عندما أصبح نائباً. فهؤلاء الذين سقطوا أو تضرّروا هم بيئة جبران تويني، ولذلك فإنّ الذكرى هذا العام لها طابع خاصّ، يقول حماده.
يسترجع حماده السياق السياسي لعملية الاغتيال التي طالت تويني بعد ساعات من وصوله إلى بيروت مسافراً من باريس حيث لجأ خشية تعرضّه للإغتيال بعد أن اغتيل في 2 حزيران 2005 الكاتب في جريدة “النهار” سمير قصير، وبعد حوالى أسبوعين في 21 من الشهر نفسه اغتيل القيادي الشيوعي جورج حاوي… يقول: “عاماً بعد عام نسمع سؤالاً يُطرح عمّا إذا كانت دماء جبران قد ذهبت هدراً، وعاماً بعد عام نحن عائلته القريبة نقول إنّ دماء الشهيد لا تذهب هدراً، لكنّ المؤسف أنّ وضع لبنان اليوم أسوأ بكثير ممّا كان يوم اغتيل جبران. كنّا وقتذاك في خضمّ معركة سياسية كبيرة، وقد واجهوا موقفنا السياسي وتوقنا إلى الحرية والإستقلال والسيادة، بالحديد والنار والاغتيالات، وجبران كان إحدى الحلقات الاستثنائية في مسلسل الإجرام ضدّ رموز الحركة الاستقلالية. ومن المؤسف أنّه بعد مرور 15 عاماً انتقل لبنان من احتلال إلى آخر، والأزمة السياسيّة اتسعت لكي تصبح أزمة إقتصادية ومالية واجتماعية، وعاد البلد ساحة صراعات على حساب أهله”.
يتطرّق حماده إلى موضوع التحقيق في جريمة اغتيال تويني: “للأسف من يستطلع الملف يكتشف أنّ فيه بضع وريقات وحسب. لا جديد. لم يحصل أي تقدّم في التحقيقات. لا شكّ أنّ العملية كانت متقنة وحرفية ونفّذها جهاز أمني متطورّ جدّاً”.
لقد استفاد المجرمون من دروس عمليات الاغتيال السابقة ولم يتركوا الكثير من الأدّلة، يقول حماده. ويردف: “المجلس العدلي هو مقبرة القضايا المُحالة إليه، وحدها قضية رفيق الحريري والقضايا الثلاث المرتبطة بها، أي قضايا مروان حمادة والياس المرّ وجورج حاوي، تحقّق تقدّم فيها نظراً لترابطها، وبالنظر إلى اندفاعة لجنة التحقيق الدولية في نسختها الأولى أيّام المحققين بيتر فيتزجيرالد وديتلِف ميليس، في وقت اختلفت الأمور عندما تسلّم الملّف المحقّق سيرج برامترز”.
يتطرّق حماده إلى موضوع التحقيق في جريمة اغتيال تويني: “للأسف من يستطلع الملف يكتشف أنّ فيه بضع وريقات وحسب. لا جديد. لم يحصل أي تقدّم في التحقيقات. لا شكّ أنّ العملية كانت متقنة وحرفية ونفّذها جهاز أمني متطورّ جدّاً”
لا يخفي حمادة إصابة العائلة بشيء من الإحباط عند صدور حكم المحكمة الخاصة بلبنان في جريمة اغتيال رفيق الحريري… “لكن في المقابل أحسسنا أنّ شيئاً نوعياً حصل، لأنّها أوّل عملية اغتيال تتّبع مساراً قضائياً يصل إلى الحكم وإصدار العقوبة، وهذا يعطي ولو بصيص أمل صغير بأنّ تقدماً حصل على مستوى تعقّب المجرمين”.
يقول حمادة: “ليس سليم عيّاش وحده المتورّط. وحتّى خلال المحاكمة أُثيرت مسألة دوائر التنفيذ، لكنّ عيّاش هو الوحيد الذي استطاعوا أن يصلوا إلى قناعة راسخة بأنّه متورّط”.
إقرأ أيضاً: منح الصلح وجبران تويني.. الشاهد والشهيد
… “لكن لنقل الأمور بصراحة: نحن نعرف من قتل رفيق الحريري ونعرف من حاول قتل مروان حمادة في الأوّل من تشرين الأول 2004، ونعرف من قتل جبران”.
– لماذا اغتالوا جبران؟
– “اغتيال جبران يشبه اغتيالات إسرائيل لقادة فلسطينيين. قتلوا المستقبل، قتلوا شخصاً واعداً، قيادياً استقلالياً شجاعاً كان في عزّ مسيرته السياسية”.
ليس هذا وحسب… “الذين قتلوا جبران أرادوا أن يفسحوا المجال أمام خلوّ السّاحة المسيحية من قيادات من نوع جبران تويني”.
يضيف: “لقد أرادوا من خلال قتل جبران قتل النهار ومستقبلها أيضاَ. أرادوا قطع شرش الحياة في النهار. ولذلك كتب غسّان تويني وهو في طريق العودة من باريس يوم الإغتيال مانشيت النهار: “جبران لم يمت والنهار مستمرّة”. هذه كانت رسالة غسان تويني للقتلة بأنّ تراث جبران ومسيرته مستمران”.
لا تزال شظايا الزجاج المتساقطة من مبنى “النهار” من جرّاء الانفجار تملأ محيط الجريدة وداخلها. هذا الزجاج هو دليل الجريمة الأوّل، لكنّه أيضاَ يحمل قطرات من دمّ جبران المنثور على طريق بيت مرّي. لذلك فإنّ انفجار الرابع من آب كان بمثابة اغتيال ثانٍ لجبران بعد خمسة عشر عاماً على الاغتيال الأوّل… لكن مرّة جديدة: “جبران لم يمت والنهار مستمرة”… هذه رسالة عائلته.