حتّى اليوم لم يكسب المحقّق العدلي القاضي فادي صوان ثقة ودعم أحد في “مهمّته الانتحارية” التي رفض تولّيها قضاة سابقون أو حيّدوا عنها: لا أهالي ضحايا وجرحى المرفأ، لا معسكر العهد ولا خصومه، ولا جزءاً كبيراً من الجسم القضائي، ولا هيئات المجتمع المدني وجماعات الثورة.
في سلّة القاضي صوان، منذ تعيينه محققاً عدلياً في 13 آب الماضي، 33 مُدّعى عليهم، من بينهم 24 موقوفاً وجاهياً واثنان غيابياً. وانضمّ إليهم يوم الخميس الفائت أربعة مدّعى عليهم هم: رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب والوزراء السابقون غازي زعيتر، يوسف فنيانوس، وعلي حسن خليل.
“الباقة” السياسية من الادّعاء قذفت بجريمة المرفأ إلى ضفّة التسييس وأدخلت الملفّ في متاهة الاصطفافات الحزبية والسياسية التي قد تؤثّر بشكل مباشر على مجرى التحقيق ممّا قد يجهّل الفاعل.
ويبدو أنّ القاضي صوان لن يقف عند عتبة الادّعاء “الرباعي” الذي يقول قريبون من الرئيس سعد الحريري إنّه “الطُعم الذي لم يبلعه الرئيس المكلّف”. فوفق مطّلعين على ملف التحقيقات “لا يزال القاضي صوان في مرحلة التحقيقات الأوّلية، وقد يصدر رزمة جديدة من الادّعاءات التي قد لا تشمل فقط من وردت أسماؤهم في الرسالة التي وجّهها إلى مجلس النواب”.
يقول مواكبون لأداء صوان في ملفّ تفجير مرفأ بيروت إنّه “لم يكن الشخص المناسب لتولّي هذه المهمّة. ووقع في كثير من التناقضات ودخل دائرة التردّد والتأثّر إما بالشارع أو بوشوشات سياسية، ما قد يعزّز احتمال تنحّيه نتيجة ضغوط أكبر سيتعرّض لها إذا استمرّ على هذا المنوال”
لكن أيّ خطوة من هذا النوع قد تفسّر أيضاً بمثابة “ملحقٍ” لإحداث توازن مع الرزمة الأولى من الاتهامات بحقّ سياسيين، ما قد يدخل القضية في متاهات أكبر.
هنا تقول مصادر قضائية بارزة: “كان يجب على صوان أن يَحسم منذ البداية اختصاصه في الادّعاء من دون سؤال مجلس النواب ويصدر لائحة كاملة غير مجتزأة، وعندها كان ليكسب ثقة الرأي العام والجسم القضائي برمّته”.
وفيما لا يزال الغموض يكتنف قرار المُدّعى عليهم الأربعة بالمثول أمام المحقّق العدلي، فإنّ مصادر تتوقع عدم توجّه صوّان إلى السراي الحكومي للاستماع يوم الاثنين إلى إفادة حسان دياب بعد المظلّة السياسية التي تأمّنت له من رموز الطائفة السنية وإيحاء دياب بعدم استقباله له.
كما أنّ الوزراء الثلاثة زعيتر وفنيانوس وعلي خليل لن يحضروا شخصياً إلى مكتب صوان للإدلاء بإفادتهم مع تسليمهم بارتكابه مخالفات قانونية “معطوفة” على اتّهامٍ صريح للمحقّق العدلي “بالتحرّك وفق إيعاز سياسي”.
المحقّق العدلي لديه كامل صلاحيات قاضي التحقيق ويستطيع إصدار مذكرة إحضارٍ وإلقاء قبضٍ أو مذكرة توقيفٍ في حال عدم مثول المُدّعى عليهم بعد تبليغهم. لكنّ أحداً لا يضع هذا الاحتمال على الطاولة. لا بل تروج تسريباتٌ في الكواليس عن احتمال تنحّي القاضي صوان عن الملفّ في حال ازدياد الضغط السياسي عليه.
ويقول مواكبون لأداء صوان في ملفّ تفجير مرفأ بيروت إنّه “لم يكن الشخص المناسب لتولّي هذه المهمّة. ووقع في كثير من التناقضات ودخل دائرة التردّد والتأثّر إما بالشارع أو بوشوشات سياسية، ما قد يعزّز احتمال تنحّيه نتيجة ضغوط أكبر سيتعرّض لها إذا استمرّ على هذا المنوال. ويكفي أنّه هو من جاهر بضغوط تعرّض لها لنقل ملفّ قبرشمون إلى القاضي مارسيل باسيل. وهناك سابقة عام 2007 مع تعيين القاضي الياس عيد محقّقاً عدلياً في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حين برز اتّجاه منه كي يصدر قراراً بتخلية سبيل الضبّاط الأربعة، فتمّ تقديم طلب ردّ بحقّه واستجابت محكمة التمييز، ليُعيّن بعدها القاضي صقر صقر محقّقاً عدلياً في القضية”.
لكن تنحّي صوان ليس سهلاً. والصعوبة الأكبر هي في تعيين قاضٍ آخر مكانه في ظلّ توجّس قضاة كثيرين من أن يحرقهم ملفّ كهذا. يقول المطّلعون: “حتّى الآن يدور المحقّق العدلي حول نفسه. فلا معطيات مؤكّدة حول كيفية حصول الانفجار وإذا كان سببه أعمال التلحيم. العنبر رقم 12 أُبيد بفعل التفجير فيما هناك خبراء اليوم يشكّكون بنظرية التلحيم”.
وثمّة في المقلب القضائي من يعطي رأياً مغايراً في القاضي صوّان “لناحية استقلاليته وعدم تأثّره بالضغوطات. وفي نهاية المطاف هو لا يزال يقوم بعمله ولم يُصدر القرار الاتهامي بعد، وهناك بريد وتواصل دائم بينه وبين النائب العام التمييزي. حتّى أنّ القرار الاتّهامي لا يشكّل نهاية قضية ستسلك مسارها لاحقاً أمام المجلس العدلي الذي قد يدين أناساً جدداً أو يبرّئ متّهمين”.
تقول مصادر قضائية بارزة: “كان يجب على صوان أن يَحسم منذ البداية اختصاصه في الادّعاء من دون سؤال مجلس النواب ويصدر لائحة كاملة غير مجتزأة، وعندها كان ليكسب ثقة الرأي العام والجسم القضائي برمّته”
وبعيداً عن إشكالية قانونية تتعلّق بمدى صلاحية أن يلاحق محقّقٌ عدلي رئيسَ حكومة أو وزراء (بعضهم نواب ومحامون في الوقت نفسه) على ضوء اجتهادات متناقضة في المحاكم لا تحسم جدلاً كهذا، فقد بات من الصعب جداً تحييد القضية عن الحسابات السياسية.
فالحزام السنّي الذي زُنّر دياب به، له مكمّلاته. تقول أوساط الحريري: “حماية الموقع يشكّل معطىً دستورياً وليس فقط سياسياً. والتوجّس يتخطّى هذا المنعطف في التحقيقات من أجل منع تمرير أي تصرّف يؤدّي إلى استخدامٍ سياسي للقضاء. تلقّفنا الرسالة وردّينا عليها. وهذا الموقع الذي لم يطَلهُ السلاح المتفلّت لن يطاله التطبيق المتفلّت للقانون اليوم!”. وهي إشارة واضحة بالتصدّي لمحاولة وصول موس الاتهام إلى ذقن “الشيخ سعد”.
وهو الحزام نفسه “الناسف” لاحتمال “جرجرة” دياب والوزراء المحسوبين على محور الثامن من آذار أمام المحقق العدلي بعد تلقّي الأربعة دعم حزب الله ومن يدور في فلكه.
إقرأ أيضاً: ادعاء فادي صوان يسقط بضربة تجاوز الدستور؟
وتسأل مصادر سياسية: “هل لدى صوان الجرأة للادّعاء على وزراء العدل المحسوبين على العهد وهم: شكيب قرطباوي وسليم جريصاتي وألبيرت سرحان وماري كلود نجم، ولماذا استثناهم من رزمة المدّعى عليهم؟”.
ويتفرّع عن هذا الملف نقطة حساسة تتعلّق باحتمال تنحّي مدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات عن الملفّ بعد الادّعاء على زوج شقيقته النائب غازي زعيتر.
لكنّ مصادر قضائية تشير إلى أنّ القاضي عويدات، وبعد رفعه ملفّ الادّعاء إلى المحقّق العدلي بُعَيد تعيينه، لم يُعطِ من يومها أيّ إشارة قضائية في الملفّ، إن في ما يتعلّق بإخلاءات السبيل أو بمذكرات التوقيف أو المواجهة. بل هو حيّد نفسه بالأساس ولا رأي له في كلّ مسار التحقيق اليوم، فالبريد يصل إليه ويحوّله تلقائياً إلى المحاميّين العاميّن القاضيين عماد قبلان أو غسان خوري. فيما يقتصر تعاطيه فقط مع المحقّقين أو الخبراء الدوليين”.