بقلم “هيئة تحرير وول ستريت جورنال”
ستعود مؤسسة الحزب الديمقراطي قريباً، وتتحمّل مسؤولية السياسة الخارجية للولايات المتحدة، والسؤال: كم تعلّم الديمقراطيون خارج السلطة؟
إيران ستكون إحدى الاختبارات المبكرة، فهل سيتخلّى جو بايدن عن المكاسب الاستراتيجية التي حقّقها الرئيس دونالد ترامب في الشرق الأوسط، متعجّلاً العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015، وهو الحافل بالعيوب؟
الاغتيال الواضح لعالم نووي إيراني كبير (محسن فخري زاده) بالقرب من طهران يوم الجمعة الماضي، يُظهر أنّ البرنامج النووى الإيراني ما زال يمثّل مشكلة أمنية عالمية. لم يعلن أحد مسؤوليته عن الاغتيال، ولكن لدى عدد من الدول أسباب للتحرّك الآن في حال عودة إدارة بايدن إلى سياسة استرضاء إيران.
تخلّت الولايات المتحدة عن الاتفاق النووي في أيار 2018، وشرعت في حملة عقوبات “الضغط الأقصى”. بعد استعادة جملة العقوبات التي كانت مفروضة على إيران قبل الاتفاق النووي، أضافت إدارة ترامب قيوداً جديدة في جميع قطاعات الاقتصاد الإيراني، الذي يمدّ الحرس الثوري الإسلامي والنخب في طهران بالثروات. ويعتزم البيت الأبيض إعلان المزيد من العقوبات حتى 20 كانون الثاني (موعد خروج ترامب من البيت الأبيض وتسلّم بادين منصبه) .
هل سيتخلّى جو بايدن عن المكاسب الاستراتيجية التي حقّقها الرئيس دونالد ترامب في الشرق الأوسط، متعجّلاً العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015، وهو الحافل بالعيوب؟
وقد نجحت العقوبات في إضعاف النظام المارق. واليوم تصدّر طهران من النفط حوالى ربع الكميّة التي كانت تصدّرها قبل انسحاب أميركا من الاتفاق النووي أي من مجمل 2.5 مليون برميل من النفط يومياً. وهذا يحرم الحكومة الإيرانية من 50 مليار دولار من الإيرادات السنوية. وقد انكمش الاقتصاد، في حين فقد الريال الإيراني 80% من قيمته مقابل الدولار.
إيران ردّت بزيادة انتهاكاتها للاتفاق النووي. وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية هذا الشهر إنّ طهران تجاوزت الحدّ المسموح به من اليورانيوم المخصّب بموجب الاتفاق بـ 12 ضعفاً. كما أنها تقوم بتخصيب اليورانيوم إلى نسبة 4.5? من النقاء، وهو أعلى من نسبة 3.67? المسموح بها بموجب الاتفاق، ولكن هذه النسبة تبقى بعيدة عن نسبة تركيز اليورانيوم اللازمة لصنع قنبلة نووية، والتي تبلغ 90?.
إنّ قدرة إيران على زيادة إنتاجها النووي بهذه السرعة، تذكّر بالشوائب الرئيسية التي تشوب الاتفاق. وكما ذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية هذا الشهر، فإن تفسير إيران للاتفاق “غير موثوق به ” بعد أن عثر المحقّقون على مواد نووية فى موقع غير معلن عنه من قبل. وقالت المملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا فى بيان ردّاً على تقرير الوكالة: “ما زلنا نشعر بقلق بالغ بإزاء الإجراءات الايرانية التي تفرّغ الاتفاق من الفوائد الجوهرية لعدم الانتشار النووي”.
ومع ذلك، تعهّد بايدن بالعودة إلى الاتفاق، إذا احترمت طهران التزاماتها. وكان جيك سوليفان Jake Sullivan قد قال لزميلنا والتر راسل ميد Walter Russell Mead هذا العام، وسوليفان هو من اختاره بايدن ليكون مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض: “ينبغي على الإدارة الديمقراطية أن تنخرط فوراً في الدبلوماسية النووية مع إيران، وأن تتطلّع إلى إنشاء شيء على غرار [الاتفاق النووي]، ولكن يجب أن تبدأ على الفور بمسار تفاوضي على ملحق للاتفاق”.
قدرة إيران على زيادة إنتاجها النووي بهذه السرعة، تذكّر بالشوائب الرئيسية التي تشوب الاتفاق. وكما ذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية هذا الشهر، فإن تفسير إيران للاتفاق “غير موثوق به ” بعد أن عثر المحقّقون على مواد نووية فى موقع غير معلن عنه من قبل
ولكن أيّ نوع من الاتفاقات؟
الاتفاق النووي الأصلي يجعل من السهل على إيران الخروج منه مع انقضاء أحكامه خلال العقد المقبل (مدّة الاتفاق 15 عاماً، وانقضت منها خمس سنوات). وفي الوقت نفسه، زوّد الاتفاق إيران بأموال نقدية استعملتها في توسيع نفوذها الإقليمي ومدى إرهابها. وبعد توقيع اتفاق عام 2015، زادت إيران ميزانيتها العسكرية بأكثر من 30% بين عامي 2016 و2018، واستفاد منها وكلاؤها في سوريا والعراق واليمن.
وقد أجبرت عقوبات ترامب إيران على تقليص هذا الدعم، وكان مقتل زعيم الإرهاب قاسم سليماني رادعاً مدوّياً. وسيكون سوء تصرّف دبلوماسي واستراتيجي لو تُخلّي عن العقوبات مرة أخرى مقابل المزيد من الوعود الإيرانية. بالحدّ الأدنى، يمكن لفريق بايدن استعمال العقوبات كوسيلة ضغط لسدّ الثغرات في الاتفاق لعام 2015.
ينبغي أن لا يكون الاتفاق سارياً لمدّة محدودة وحسب، وعليه أن يتضمّن عمليات تفتيش غير محدودة للمواقع المشتبه فيها، وقيوداً على الصواريخ الباليستية، وكذلك على التوسع الإقليمي الإيراني. إذا رفضت إيران ذلك، عندها سنعرف أنّ هدفها لا يزال هو الهيمنة الإقليمية بدلاً من أن تصبح دولة طبيعية.
إقرأ أيضاً: كيف سقطت استطلاعات الرأي في امتحان الانتخابات الأميركية؟
إلى ذلك، فقد تغيّر الشرق الأوسط إلى الأفضل منذ أن كان الديمقراطيون في السلطة آخر مرة. إنّ إسرائيل والدول العربية السنّية تطبّع العلاقات فيما بينها بعد عقود من الصراع، وأحد أسباب ذلك، هو قلقها المشترك بشأن إيران. لم يعد الصراع العربي الإسرائيلي على فلسطين هو القضية المهيمنة.
وقد أعطى الرئيس ترامب كلا الطرفين (إسرائيل والدول العربية) ضمانات بأنّ الولايات المتحدة ستكون إلى جانبهم، على النقيض من الازدراء الصاخب من جهة باراك أوباما وتبنّيه الاستراتيجي لإيران. وإذا اندفع بايدن باتجاه الاتفاق النووي، فإنه يخاطر بتفجير هذا التقدّم الإقليمي.
لماذا يريد بايدن التخلص من ذلك؟
نحن نفهم الارتباط العاطفي الذي يكنّه سوليفان ومستشارو بايدن الآخرون للاتفاق النووي لعام 2015. لكن الوقت والسلوك الإيراني كشفا أنّ هذا الاتفاق هو أسوأ مما كان يبدو عليه في ذلك الوقت. وينبغي أن يكون فريق السياسة الخارجية التابع لبايدن شاكراً لليد الأقوى التي يتركها لهم ترامب.
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا