سعد والذِّيْب والغنمات

مدة القراءة 5 د


حبذا لو يخبرنا الرئيس سعد الحريري ماذا كان يقصد بقوله لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون: “علينا إيجاد صيغة للتدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، لا يموت فيها الذِّيْب (الذئب) ولا تِفْنَى الغنم”.

بانتظار أن يخبرنا الرئيس الحريري، ولا اعتقد أنه سيخبرنا، فإن واقعة هذا الحديث الذي دار بين الرئيسين الحريري وعون باتت منتشرة. فبعد ما كشف الزميل نقولا ناصيف بعض وقائع الحوار بمقالته يوم الثلاثاء الفائت في صحيفة “الأخبار”، جاء عضو كتلة لبنان القوي النائب جورج عطا الله وعبر شاشة “الجديد” ليؤكد المؤكد مضيفاً المزيد من الدقة لجهة ذكر التشبيه الذي استعمله الرئيس الحريري في كلامه متحدّثاً عن الذّيْب والغنم. ولم يصدر عن الرئيس الحريري أو مكتبه نفي لهذه لواقعة حديثاً أو صيغة.

علينا نحن الشعب اللبناني بداية، أن نشكر الرئيس ميشال عون أنه لم يستجب للحريري، ولم يُنصت لطلبه، وهو ما تُرجم في رسالة الاستقلال، التي وجّهها إلى اللبنانيين مؤكداً تمسّكه بالتدقيق الجنائي وعدم تراجعه. ومن ثَمّ بالرسالة التي وجّهها إلى مجلس النواب، وفقاً لصلاحياته الدستورية، وذهب فيها بعيداً بطلبه التدقيق الجنائي في كافة مؤسسات الدولة.

بالعودة للكلام الذي نقل عن الرئيس الحريري والتشبيه الذي اعتمده، فمن المؤكد ودون لبس في ذلك، أنّ الذّيْب في الكلام هو الطبقة السياسية التي سهّلت وتواطأت مع مخالفات المصرف المركزي الذي استعمل أموال الغنم أو الغنمات، أي نحن الناس المودعين المواطنين اللبنانيين.

علينا نحن الشعب اللبناني بداية، أن نشكر الرئيس ميشال عون أنه لم يستجب للحريري، ولم يُنصت لطلبه، وهو ما تُرجم في رسالة الاستقلال، التي وجّهها إلى اللبنانيين مؤكداً تمسّكه بالتدقيق الجنائي وعدم تراجعه

لم يعرف ما إذا كان الحريري قال هذا الكلام أم لم يفعل الأهم هو التأكيد على أنّ الشائع بين الناس والمودعين تحديداً هو هذا المفهوم عن الطبقة السياسية من جهة وعن المودعين ومن لفّ لفيفهم الحاملين لصفة الغنم.

الكلام في الشكل، يؤشّر على الحرص أوّلاً على حياة الذّيْب وبقاء الغنم على قيد الحياة. وإن كان تمييع التدقيق الجنائي سيُبقي على قيد الحياة (الطبقة السياسية)، فإنه من المؤكد أنه لن يضمن بقاء الغنم على قيد الحياة.

ما يتجاهله النصّ المنقول أنّ جزءاً من الغنم، فَقَد عمله ويعيش على “كرتونة إغاثة”، وجزءاً قضى في تفجير المرفأ في 4 آب موتاً أو إعاقة عن العمل أو تهجيراً من منزله، وجزءاً غادر البلاد مهاجراً دون عودة، وجزءاً ينتظر دوره ليلحق بالمهاجرين، والقسم الأكبر فقد الأمل في الحياة.

 فقانون الطبيعة يقول إنّ هاجس الذّيْب أن يفترس الغنم في كلّ زمان ومكان، فلا سلام لمعشر الغنم إلا بقتل الذّيب أو التخلص منه كيفما كان.

يقولون إنّ للذّيب سلوكاً مزدوجاً:

السلوك الأوّل: يأخذ حاجته من الأكل ويكفيه بهذه الحالة جزء من شاةٍ واحدةٍ بعيدة عن القطيع، رغم شراهته وشراسته (ليحافظ على رشاقته ولياقته طبعاً).

قانون الطبيعة يقول إنّ هاجس الذّيْب أن يفترس الغنم في كلّ زمان ومكان، فلا سلام لمعشر الغنم إلا بقتل الذّيب أو التخلص منه كيفما كان

السلوك الثاني: بعد أن يشبع بجزء من شاةٍ مُتطرّفةٍ، يهاجم القطيع بأسلوب غريب، وهو أسلوب ” بَقْـرالبطون” للقطيع واحدةً تلو الأخرى، والعجيب أنّ هذا الذئب المغوار لا يتوقّف أبداً إلاّ إذا:

1 – انتبَهَ له راعي الغنم .

2 – صرخ راعي الغنم بأعلى صوته ليطلب النجدة من الناس.

3- تفرّقت الأغنام وفقد الذئب سيطرته في عمليّة البقْرالعجيبة في كيفية تنفيذها.

4 – أعياه التّعب بعد أن فقد سيطرته.

لم يخطئ سعد الحريري مطلقاً عندما صوّر الناس والمواطنين بالغنم، كما لم يخطئ عندما شبّه الطبقة السياسية بالذّيْب. فالناس أي نحن اللبنانيين ارتضينا أن نكون غنماً، وقاتلنا وتقاتلنا كي يتحكّم بمصيرنا الذّيْب. كل ما يحصل من حولنا لم يغيّر بواقع الأمر شيئاً، اندلعت الثورة في 17 تشرين، فانقسم الغنم بين خائف على جدار في سوق تجاري لا يمكنه التسوّق فيه، وبين ثائر يميّز بين ذيب وذيب. ثمّ سرقت المصارف ودائعنا، فمارسنا دورنا كغنم مجدّداً بكل حرفية، فوقفنا بالطوابير على أبواب المصارف نتوسّل مديراً من هنا وموظفاً من هناك، وارتضينا أن تفعل بنا المصارف ما تشاء، تُقطّر علينا مالنا جنى عمرنا، وتحبس الجزء الأكبر منه. نحن مليون ونصف المليون مودع، لم يخرج منّا ثائر أو غاضب واحد يصرخ بوجه المصارف ويرفض الذلّ والهوان. انفجر المرفأ ودُمّرت بيروت، فإذا ببعضنا يختصر الغضب والألم بـ”سلفي، واهراءات المرفأ المدمّر خلفي”. أو بأغنية تساعد على اللطم أو تهزّ في المهرجانات خواصر الفتيات الحِسان، وانتهينا بشعلة حديدية كدنا نتقاتل بسببها، ونذرف الدماء لأجل من سيشعلها.

إقرأ أيضاً: عاجل: قصر بعبدا يتعرّض للقصف

لقد ارتضينا أن نكون غنماً وأن يكون هم ذِيَبة (جمع ذِيب) مفترسين. لقد سلّمناهم أولادنا عفواً غنماتنا الصغيرة، كي يأكلوا مستقبلهم وغدهم وأحلامهم، وما زلنا حتى اليوم مقتنعين أنّ النشيد لن يتغيّر. فصوت الغنم يسمّى ثغاء، ولا يمكن أن يصبح صوتاً آخر ولا حتى عواء. غداً في يوم الانتخاب سنذهب الى الصناديق في مدننا وقرانا قطعاناً كلنا سُنّة وشيعة ومسيحيين ودروز وملحدين كالاغنام، كلّ منّا سيصوّت للذّيب في طائفته وفي مذهبه وفي حزبه، فلا الغنم (أي سعادتنا) مستعدة أن تخلع ثوب الأغنام، ولا الذّيب (الطبقة السياسية) حزين لحكمه هذه القطعان.

صدق الشاعر حين قال: “لا يلام الذئب في عدوانه

                            إن يكُ الراعي عدو الغنمِ”.

وفي الختام دعاء، فعند العجز لا نملك غير الدعاء: “اللَّهمَّ لا سَهلَ إلَّا ما جَعَلتَه سَهلًا”، فأنت القادر أن تجعل الصعب إن شئتَ سهلاً.

 

مواضيع ذات صلة

الرياض: حدثان اثنان لحلّ لبنانيّ جذريّ

في الأيّام القليلة الماضية، كانت مدينة الرياض مسرحاً لبحث جدّي وعميق وجذري لحلّ أزمات لبنان الأكثر جوهرية، من دون علمه، ولا علم الباحثين. قسمٌ منه…

الحزب بعد الحرب: قليل من “العسكرة” وكثير من السياسة

هل انتهى الحزب؟ وإذا كان هذا صحيحاً، فما هو شكل اليوم التالي؟ وما هي الآثار السياسية المباشرة لهذه المقولة، وكذلك على المدى المنظور؟ وما هو…

أكراد الإقليم أمام مصيدة “المحبّة” الإسرائيليّة! (2/2)

عادي أن تكون الأذهان مشوّشة خارج تركيا أيضاً بسبب ما يقوم به دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية وحليف رجب طيب إردوغان السياسي، وهو يدعو…

الاستكبار النّخبويّ من أسباب سقوط الدّيمقراطيّين

“يعيش المثقّف على مقهى ريش… محفلط مزفلط كثير الكلام عديم الممارسة عدوّ الزحام… بكم كلمة فاضية وكم اصطلاح يفبرك حلول المشاكل أوام… يعيش أهل بلدي…