ماذا لو أعلنت الجمهورية الإسلامية تعميماً بحظر دخول بعض اللبنانيين إلى إراضيها؟ هل كان مثل هذا التعميم ليثير تداعيات كتلك التي أثارها خبر غير دقيق عن تعميم صدر أخيراً عن دائرة الهجرة في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة؟
خلال حرب تموز 2006، يروي تجّار جنوبيون من أحد مدن جبل عامل وقائع لقاء جرى بين وفد منهم وبين السفير الإيراني في بيروت مسعود الإدريسي، وكان غاية اللقاء، هو الحصول على تسهيلات تتيح لهؤلاء التجّار نقل أنشطتهم إلى الجمهورية الإسلامية ريثما تنتهي الحرب. لكنّ أعضاء الوفد فوجئوا بالجواب الذي سمعوه من السفير، وعلت وجوههم أمارات الدهشة غير مصدّقين ما سمعوه من الديبلوماسي الإيراني. ووفق ما ردّده لاحقا أستاذ في الجامعة اللبنانية يمتّ بصلة قرابة لأحد أفراد الوفد، وهو لا يزال على قيد الحياة، قال السفير الإدريسي: “كيف تفكّرون بمغادرة لبنان الآن، وقد كتب الله لكم الشهادة فيه؟”. ويضيف هذا المصدر قائلاً: “ما سمعه أعضاء الوفد من الإدريسي، كان له وقع الصاعقة على رؤوس زائري السفارة الإيرانية، ولم يجادلوا السفير بما أجابهم على طلبهم وخرجوا خائبين”.
ما يشبه كلام السفير الإيراني في ذلك الزمن، سمعه رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين من الرئيس الإيراني الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، كما يروي قيادي سابق في حركة “أمل” لـ”أساس”.
ماذا لو أعلنت الجمهورية الإسلامية تعميماً بحظر دخول بعض اللبنانيين إلى إراضيها؟ هل كان مثل هذا التعميم ليثير تداعيات كتلك التي أثارها خبر غير دقيق عن تعميم صدر أخيراً عن دائرة الهجرة في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة؟
ففي لقاء جمع الرجلين، قبل أن يصل رفسنجاني إلى المنصب الرئاسي، وكان يومذاك رئيساً لمجلس الشورى في بلاده في ثمانينات القرن الماضي، قال الأخير للشيخ شمس الدين خلال زيارة قام بها إلى مقرّ المجلس الشيعي في ضاحية بيروت الجنوبية: “إذا انتهى أمر 400 ألف شيعي في لبنان، فالإسلام لن ينتهي”. عندئذ قام الشيخ شمس الدين من مقعده، وخاطب زائره بجفاء: “انتهت المقابلة”!
ماذا عن خبر حظر دخول لبنانيين إلى دبي؟
في تقدير اوساط نيابية في لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان اللبناني تحدثت لـ”أساس” شرط عدم الإفصاح عن اسمها، إنّ “الدول المذكورة في الخبر الذي نفته الدوائر الرسمية، دول قد يتسرّب منها أفراد ذوي صلة بالحرس الثوري الإيراني ولو تحت ستار السياحة”. وهذه البلدان هي: لبنان، اليمن، سوريا، العراق، ليبيا، أفغانستان، باكستان الصومال، كينيا، تونس، تركيا، وإيران.
وكي لا يبدو التعميم مطلقاً، أُرفق التعميم بلائحة استنثاءات تضمّنت الآتي: “الأشخاص الذين هم فوق 60 سنة، السفر كعائلة، حاملي تأشيرة الإقامة في دول أخرى”.
الفارق هائل بين خبر التعميم “غير الصحيح” وفق الرواية الرسمية، وبين تعميم تاريخي لا يزال ساري المفعول منذ نجاح ثورة الخميني عام 1979 يقضي بتوظيف جماعات في المنطقة للتخريب في عدد من أقطارها، رافضاً في الوقت نفسه فتح أبواب إيران أمام طالبي الرزق كما تفعل معظم دول العالم، وبالأخصّ أقطار الخليج العربي.
الدول المذكورة في الخبر الذي نفته الدوائر الرسمية، دول قد يتسرّب منها أفراد ذوي صلة بالحرس الثوري الإيراني ولو تحت ستار السياحة
وتزامناً مع انتشار خبر التعميم، شهدت العلاقات السعودية – العراقية تطوّراً مهمّاً. فبعد نحو ثلاثة عقود على إغلاقه، افتتح الاربعاء منفذ “جديدة – عرعر” الحدودي الرابط بين السعودية والعراق، في خطوة وصفها مسؤولو البلدين بـ”التاريخية”، ومن المنتظر أن تفتح آفاقاً واسعة لتنمية الاقتصاد والتجارة والاستثمار.
ولا يفوت المراقبين أن يلاحظوا أنّ هذا التطوّر يأتي بين الدولة السنيّة الأولى في الخليج، وبين الدولة الشيعية الأولى في العالم العربي. وهذا يعني أنّ بلداً كالعراق يضمّ تشكيلات وفصائل إيرانية بينها “حزب الله – فرع العراق”، لم يصبح تابعاً للنفوذ الإيراني بسبب وجود أكثرية ساحقة من الشيعة وسائر الطوائف والمذاهب في بلاد ما بين النهريّن، بالإضافة إلى المرجعية في النجف التي ترفض أن يخضع العراق لنفوذ الجمهورية الإسلامية.
إقرأ أيضاً: الإمام محمد مهدي شمس الدين: “ولاية الأمّة” في مواجهة “ولاية الفقيه”
هل من عبرة في لبنان لما حصل بالأمس في العراق، وبين خبر دبي؟
أوساط شيعية لا تنتمي إلى الثنائي الشيعي الذي يضمّ حركة “أمل” و”حزب الله” تقول لـ”أساس” إنّ العبرة التي يجب أن يستفاد منها هنا، هو أنّ “بلداً كلبنان هو بأمس الحاجة لكي يكون على علاقات متينة جدا مع عالمه العربي، لا سيما الخليجي منه. لكن ما يحصل اليوم هو معاكس لهذه الحاجة. والسبب أنّ التاثير الذي يمارسه “حزب الله” ارتباطاً بالسياسة الإيرانية، يقيم الجدران بين لبنان ومحيطه العربي ويهدّد بعزله عن العالم الأوسع”. ودعت هذه الأوساط إلى التشبّه بالعراق الذي تتطلّع غالبيته الشيعية إلى أفضل العلاقات مع جيران في الخليج وأشقائه في العالم العربي.
في زمن الصعوبات الهائلة التي يجتازها لبنان، يفتقد اللبنانيون شخصية فذّة مثل شخصية الإمام الراحل شمس الدين ليقف في وجه النفوذ الإيراني قائلاً: “انتهت المقابلة”.