بينما يعيش العالم سباقاً بين الموت الجماعي وبين تطوير لقاح فعّال ضدّ وباء كورونا، جاء خبر فشل اللقاح الصيني كخيبة أمل كبيرة تبشّر بأن الرحلة لم تصل إلى خواتيمها بعد، وربما تحتاج إلى مزيد من الوقت، مزيد من الموت، والكثير من الوقاية.
فما هي قصة اللقاح الصيني “مهد الكورونا”؟ ولماذا أوقفت البرازيل التجارب السريرية عليه؟ ولماذا عادت واستأنفتها خلال 48 ساعة فقط؟ وعن أيّ حادثة خطيرة تحدّثت وزارة الصحة البرازيلية؟
استأنفت البرازيل التجارب السريرية على اللقاح الصيني المضادّ لكورونا الذي تطوّره شركة “سينوفاك – Sinovac” الصينية، بعد يومين من تعليقها، إثر حادثة وصفتها بـ”الخطيرة”. وأكدت الهيئة المنظمة الصحية في البرازيل (أنفيزا) في 11 تشرين الثاني الجاري أنها تلقت تفاصيل حول طبيعة “الحادث السلبي” الذي أدّى بها إلى وقف تجارب لقاح “كورونافاك – CoronaVac”، وأنه بات لديها معلومات كافية للسماح باستئناف التطعيم.
أفاد مسؤولو الصحة في البرازيل بأنّ الحادث الذي أدّى إلى وفاة متطوّع متلقٍّ للقاح، والذي تحقّق الشرطة في كونه انتحاراً، لا علاقة له باللقاح
فقد أفاد مسؤولو الصحة في البرازيل بأنّ الحادث الذي أدّى إلى وفاة متطوّع متلقٍّ للقاح، والذي تحقّق الشرطة في كونه انتحاراً، لا علاقة له باللقاح. وعلّقت الشركة الصينية Sinovac في بيان لها: “نحن واثقون من سلامة اللقاح، ونفهم تمامًا ونقدّر إشراف Anvisa الصارم واستئناف الدراسات السريرية في الوقت المناسب”. وقد شكّل اللقاح الصيني محور معركة سياسية في البرازيل، بحسب ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
وكانت وكالة بلومبيرغ قد نشرت في 10 تشرين الثاني، نقلاً عن معهد “بوتانتان” في ساو باولو، الذي عقد شراكة مع شركة سينوفاك لإنتاج اللقاح محلياً، أنه “لا توجد علاقة بين الحادثة التي وقعت مع أحد المتطوّعين وبين اللقاح، نظراً لوجود أكثر من 10000 متطوع في تلك اللحظة، ويمكن أن تحدث وفيات”. وربطت بلومبيرغ ما حصل باستثمار سياسي بين أحد كبار مؤيّدي اللقاح، جواو دوريا حاكم ولاية ساو باولو، وبين خصمه السياسي الأبرز الرئيس جايير بولسونارو الذي يدعم لقاحاً آخر تطوّره جامعة أكسفورد بالتعاون مع مجموعة “أسترازينيكا” البريطانية.
وقد صعّد الرئيس بولسونارو من انتقاداته لـ”كورونافاك” الشهر الماضي، قائلاً إنّ الصين تفتقر إلى المصداقية للتوصّل إلى حلول لأزمة فيروس كورونا، وربط مراقبون هذا الصراع بالانتخابات الرئاسية في 2022 وبالصراع السياسي بين الرجلين. فلطالما عبّر الرئيس بولسونارو عن عدم ثقته بالصين، لا سيما أثناء حملته الانتخابية في عام 2018، وكان جواو دوريا منافساً سياسياً ومنتقدًا صريحاً لتعاطي الرئيس مع الوباء.
وتُعتبر البرازيل ثالث أكبر دولة من حيث عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا في العالم مع 5.6 مليون إصابة وثاني أكبر عدد وفيات مع 163 ألف وفاة تقريباً. وهي تحتل المرتبة الرابعة في معدّل وفيات الفرد. ويتمّ اختبار CoronaVac في سبع ولايات برازيلية، بالإضافة إلى المنطقة الفيدرالية، أي العاصمة برازيليا.
لا توجد علاقة بين الحادثة التي وقعت مع أحد المتطوّعين وبين اللقاح، نظراً لوجود أكثر من 10000 متطوع في تلك اللحظة، ويمكن أن تحدث وفيات
البروفسور جاك مخباط، الاختصاصي في الأمراض الجرثومية، يؤكد أنّ ما حصل في البرازيل أمر طبيعي قد يحصل خلال تطوير أيّ لقاح، وهذا ما يجب أن نتوقّعه “فوفاة المتطوّع في البرازيل قد تكون مرتبطة باللقاح وقد لا تكون. وقد علمت أنّ أول حالة وفاة تبيّن أنها تلقت البلاسيبو وليس اللقاح، وهي جرعة المياه والملح التي تستخدم للمقارنة بين الحالات التي تتلقى اللقاح والتي لا تتلقّاه. أما الحالة الثانية فهي رهن التحقيقات”.
ويتابع: “لا بدّ أن نتوقّع حصول تفاعلات، وربما وفيات بسبب هذه التفاعلات، ولا مهرب من حصول تفاعلات ثانوية في اللقاحات والأدوية. وهذا ما يستوجب المتابعة والتجارب السريرية الدقيقة لمدّة طويلة. وحتى عندما يُنشر اللقاح بالسوق، علينا أن نتوقّع حصول تفاعلات لا بدّ منها”.
ويميّز البروفيسور مخباط في حديثه لـ “أساس” بين التفاعلات البسيطة والمزعجة والخطيرة، والتي يتوقف على إثرها اللقاح، وبين التفاعلات الأخرى التي يستمرّ اللقاح على الرغم من حدوثها، وهو الأمر الذي تحدّده الدراسات، ويكون رهن فعالية اللقاح بالدرجة الأولى: “فإذا أثبت اللقاح فعاليته ننتقل لمراقبة التفاعلات. إن كانت بنسبة كبيرة وتتعارض مع مبدأ الصحة العامة، يوقَف اللقاح”.
يقول مخباط: “التأثير في العصب والنخاع الشوكي الذي يؤدّي إلى تدهور في الوظائف الدماغية والحركية، وإلى الحساسية والموت، وربما نكون أمام تفاعلات لا نعرفها، لا سيما أن الوباء جديد واللقاح جديد
من أبرز هذه التفاعلات، كما يقول مخباط، “التأثير في العصب والنخاع الشوكي الذي يؤدّي إلى تدهور في الوظائف الدماغية والحركية، وإلى الحساسية والموت، وفي بعض الحالات يؤذي اللقاح كريات الدم، أو الكبد، أو يتسبّب بأمراض مناعية وورم بالمفاصل وأمراض جلدية. وربما نكون أمام تفاعلات لا نعرفها، لا سيما أن الوباء جديد واللقاح جديد”.
ويشدّد مخباط على ضرورة معرفة أنّ الهدف من تطوير أيّ لقاح هو خدمة الصحة العامة، وليس خدمة شخص أو اثنين. ويكفي أن نعرف أنّ فعالية هذا اللقاح كافية لنسبة كبيرة من الأشخاص، فإذا لقّحنا مليون شخص وحمينا من بينهم 100 ألف شخص، واقتصرت التفاعلات الثانوية على شخصين. فهذا يعني أنّ اللقاح أثبت فعاليته ويكون صالحاً (بالمعنى العلمي لهدف اللقاح) للتوزيع: “فليس هناك من لقاح من دون تفاعلات مهمّة وخطيرة، وأحياناً تؤدّي للموت. ولم يحصل عبر الزمن أن طُوّر لقاح من دون حصول حالات وفاة. وحتى لقاح الأنفلونزا العادي أظهر أمراضاً في النخاع الشوكي والعصب. ولقاح الحمى الصفراء نتجت عنه أمراض خطيرة أدّت إلى وفاة كثيرين”.
وعن مسير التجارب السريرية على لقاحات كورونا حول العالم، يؤكّد مخباط وجود تقدّم عظيم في البحث عن اللقاح، ويأمل “أن نصل يوماً ما إلى للقاح فعّال، لكن يجب ألا نتحمّس قبل انتهاء التجارب كلها”. حتى إنّ الوصول إلى النتائج النهائية وموافقة الصحة العالمية، لا يعنيان أنّ العالم أصبح بأمان. فهناك تحدّي الكمية التي يحتاجها العالم “إلا إذا نجح اللقاح في شركات متعدّدة، حينها تصير عملية التوزيع أسهل”.
لكن في الوقت الحالي، هناك شركة وحيدة (“فايزر” الأميركية) أعلنت استعدادها لتصنيع 50 مليون جرعة من اللقاح قبل نهاية السنة. وهي الكمية التي تغطي 25 مليون شخص كون كلّ شخص يحتاج لجرعتين من اللقاح. وتوقّعت الشركة تصنيع مليار و300 مليون جرعة من اللقاح خلال السنة المقبلة، أي ما يغطي 650 مليون شخص حول العالم.
إقرأ أيضاً: 11 سؤالاً وجواباً ضرورياً حول لقاح كورونا الأوّلي
ختاماً، تجدر الإشارة إلى أنّ هذا اللقاح لم يصل إلى النتائج النهائية بعد. وهو بعد الوصول إليها، عليه أن يحصل على موافقة منظمة الصحة العالمية، ومنظمة الدواء الأميركية، لتبدأ الشركة بتصنيعه ومن ثَم توزيعه، الأمر الذي يحتاج إلى مزيد من الوقت. ولذا، يدعو البروفيسور مخباط إلى “الوقاية الشخصية لحماية أنفسنا، ريثما تصلنا اللقاحات في المراحل المقبلة، التي قد يطول انتظارها”.