تسود في السوق التأمينية حالة غليان وضياع. وإذا كان الفَوَران ناتج عن الكرّ والفرّ وشدّ الحبال بين شركات التأمين وحاملي البوالص، فإنّ “الارتباك” ناجم عن جهل المؤمّنين بتفاصيل ما لهم وما عليهم في العقود التي وقّعوها. وهو ما يؤدّي في نهاية المطاف إلى هذا الكمّ من الخلافات الجوهريّة التي لا تقتصر على مَن يبيع البوالص التأمينية، بل تطال أيضاً مَن يشتريها.
لا ثقافة تأمينية في لبنان. هذا الأمر تعكسه العلاقة التعاقدية بين كلّ مؤمّن وشركة تأمين. من جهة تسعى الشركات إلى التحاذق في غالبية الأحيان، في محاولة للإفلات من تغطية المؤمّنين. ومن جهة ثانية، هنالك مؤمّنون يبغون في أكثريتهم التوفير في بوالصهم ظنّاً منهم أنّ الشركات تمارس النصب كلما أتاحت لها الفرصة ذلك، لذا نراهم يفضّلون “الأوفر”…
المقصود بالأوفر هنا نوعيّة البوالص التي تغطي “كلّ أنواع المخاطر”. وقبل الغوص في السجال الحاصل بين رئيس غرفة التجارة والزراعة والصناعة في بيروت وجبل لبنان محمد شقير وجمعية شركات الضمان “ACAL”، لا بدّ من التوقّف عند بوالص الـ”property all risk” (التأمين على الممتلكات ضدّ الأخطار)، التي لا يتخطّى عددها في بيروت المدمّرة 9%.
في لبنان سياستان للتأمين على الممتلكات:
الأولى: أي الـLondon market 7) LM7) هي عبارة عن بوليصة تأمين لجميع المخاطر، وتغطي كلّ الحوادث، أكانت حريقاً أم سرقةً أو انفجاراً.
الثانية: كناية عن نموذج السياسة الفرنسية التي تغطّي السرقة والحرائق، ما يعني أنّ هذه السياسة لا تغطّي الاضرار الناجمة عن انفجار الرابع من آب.
نسبة المؤمّنين بموجب الـLM7 منخفضة، ما يعني أنّ غالبية بوالص الـProperty all risk لا تغطّي أضرار الحادث المريع.
من جهة تسعى الشركات إلى التحاذق في غالبية الأحيان، في محاولة للإفلات من تغطية المؤمّنين. ومن جهة ثانية، هنالك مؤمّنون يبغون في أكثريتهم التوفير في بوالصهم ظنّاً منهم أنّ الشركات تمارس النصب كلما أتاحت لها الفرصة ذلك، لذا نراهم يفضّلون “الأوفر”
على الرغم من ذلك، هاجم رئيس غرفة التجارة والزراعة والصناعة في بيروت وجبل لبنان محمد شقير شركات التأمين في إطلالة إعلامية الأسبوع الماضي. اتّهم شقير بعض الشركات بـ”النهب والنصب”. بُنيت الاتهامات، كما جاء على لسان شقير، على محاولة الشركات قبض أموال تأمين تفجير الرابع من آب من معيدي التأمين من خلال دولارات طازجة، على أمل إيفائها للمؤمّنين بشيكات غير قابلة للصرف. من وجهة نظر شقير، هذا الأمر كان كافياً لاستقدام شركة “E-Technical Solutions” الإيطالية لتحصيل حقوق المتضرّرين “خصوصاً أنّ وزارة الاقتصاد والتجارة لم تعلن عن عدد البوالص غير الخاضعة لإعادة التأمين”.
“قبل كلّ شيء، تجدر الانطلاقة من مسيرة الشركة الإيطالية وسمعتها التي تشوبها أكثر من دعوى قضائية في أكثر من دولة، ما يجعلها غير مؤهّلة للتدخل بين الشركات وبين المؤمّنين وبين معيدي التأمين”، يقول مصدر مطّلع ومتابع. ويوضح أنّ “اتّهامات شقير مستغربة فهو يدرك جيداً أنّ آلية التسديد للمتضرّرين المؤمّنين منهم، لا يمكن أن تنطلق قبل صدور التقرير الرسمي الذي يفنّد أسباب الانفجار”، ويحدّد ما إذا كان عملاً إرهابياً أو حادثاً غير مقصود.
وفي اتصال مع “أساس”، يعتبر النائب ألكسندر ماتوسيان، رئيس مجلس إدارة شركة “المشرق” أنّ “الشركة الإيطالية هي طرف ثالث لا تحتاجه شركات التأمين، ومن خلفها شركات إعادة التأمين ولا حتى المؤمّنون. فمعيدو التأمين لا يمكن أن يتفاوضوا إلا مع خبراء معتمدين، وهو ما لا ينطبق على الشركة الإيطالية. كما أنّ الشركات لم تحاول التنصّل من مسؤولياتها حتى تُزجّ في خانة المتهرّبة من الدفع، وتحتاج تالياً إلى من يلاحقها. الموضوع كما أُثير لا يملك أسساً شفّافة، وهو يندرج في إطار “التركيبات”. فمنذ اليوم الأول، وشركات الضمان تبدي استعدادها للقيام بكلّ ما يتوجّب عليها. وبالفعل، فقد غطّى عدد كبير من الشركات السيارات المؤمّنة، على الرغم من عدم صدور أيّ تقرير رسمي. من هنا، فإنّ البلبلة الحاصلة كناية عن تعدٍّ على الشركات”.
اتّهامات شقير مستغربة فهو يدرك جيداً أنّ آلية التسديد للمتضرّرين المؤمّنين منهم، لا يمكن أن تنطلق قبل صدور التقرير الرسمي الذي يفنّد أسباب الانفجار
وأضاف ماتوسيان: “لم تحوّل الشركات المبالغ المتوجّبة عليها لمعيدي التأمين منذ نحو عام نظراً للأزمة المالية التي منعت التحاويل. لذلك، من المرجّح ألّا تحصل الشركات اللبنانية على أيّ دولارات طازجة في حال عمدت شركات إعادة التأمين إلى حسم المبالغ المستحقّة لها. في جميع الأحوال، وعلى عكس ما أُشيع، من المستحيل أن تتورّط شركات التأمين في لعبة أسعار الصرف، فَلِشركات إعادة التأمين ممثّلون في السوق اللبنانية، وهم يراقبون أدق التفاصيل. لذا، وإلى حين صدور التقرير الرسمي، لا يمكن الحديث عن تغطية تأمينية، كما لا يمكن رمي الاتهامات على الشركات في وقت كان يتوجّب على الدولة، لاعتبارها أساس الحادث، القيام بدورها تجاه المتضرّرين”.
إقرأ أيضاً: جديد “التأمين” في 2021: “بازار” على صحة المواطنين… بالليرة وبالدولار
برّر شقير وجود الشركة غير المرخّصة من وزارة الاقتصاد والتجارة، على أنّها شركة استشارية، تقدّم المشورة للمتضرّرين. والحقيقة أنّ هذه الشركة تجسّد عمل السمسرة بكلّ ما تعنيه الكلمة، فهي تطلب (على ذمّة المعنيين في القطاع التأميني) مبلغ 10 آلاف دولار مقدّماً لمن يرغب في توكيلها، على أن تقتطع نسبة معيّنة من المبلغ المحصّل لاحقاً.
في نظرة سريعة إلى سيرة الشركة الايطالية، يتبيّن أنها عملت في دول عدّة شهدت حوادث وكوارث ضخمة. وهي وفقاً للمعطيات التي حصل عليها “أساس” دخلت إلى السوق اللبنانية بطلب ثلاثي من شقير والمحامي محمد عالم ومعهما فادي رومانوس (صاحب إحدى أكبر شركات وساطة التأمين في لبنان)، وبغطاء من أحد كبار الموظفين في لجنة مراقبة هيئات الضمان. علماً أنّ غالبية شركات إعادة التأمين تعاني من تجارب سيئة مع الشركة المذكورة والتي تدور علامات استفهام كثيرة حول مصداقيتها.