بدأت فرنسا وبلجيكا وألمانيا، إجراءات الإغلاق العام لمنع تفشّي وباء كورونا أكثر، مع دخول تلك الدول في الموجة الثانية. بينما ما زلنا في لبنان نتخبّط وسط دوّامة “الضياع” والفشل باتخاذ القرارات المناسبة بعد كلّ اجتماع لخلية الأزمة الحكومية. ما الذي يؤخر لبنان الذي يعيش تحت وطأة الخطر عن إعلان الإقفال العام مع اقتراب وصول عدد الاصابات إلى مئة ألف، وتحديداً بعد اعتراف وزير الصحة حمد حسن أنّ الإقفال الجزئي لم يأتِ بالنتائج المرجوة، ويجب اللجوء إلى الإقفال العام؟ وهل سيتجرّأ مجلس الوزراء على عقد جلسة استثنائية لتنفيذ القرار؟ وما السبب الذي حال دون اتخاذ خلية الأزمة الحكومية قراراً بالإقفال التام؟
عضو “اللجنة الوطنية للأمراض السارية والمعدية” والاختصاصي في الأمراض الجرثومية الدكتور عبد الرحمن البزري يوضح لـ”أساس” أنّ “إغلاق بعض المناطق أو الأحياء لا يجدي نفعاً. وليس لدى الدولة حتى الآن رغبة بإغلاق المدن، والقضاء غير متعاون لأنّه يغضّ النظر عن المخالفات”.
أما من الناحية الوبائية، فقال: “لا يوجد طبيب إلا وهو مع خطة الإغلاق الفعّال. ولكن من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، إذا لم يكن الإغلاق ملحقاً بقرارات أخرى، وله خطة ما بعد الإغلاق، فعندها سنعود ونقع في المطبّ نفسه، ومشكلة ما قبل الإغلاق”.
وتابع: “الإغلاق الفعّال يجب أن يكون بالحدّ الأدنى لمدّة أسبوعين. ومن المستحسن أن يكون لـ4 أسابيع. أما إذا انتهت مدّة الاغلاق، وفُتح البلد من دون وجود أيّ مراقبة تدريجية، ومواكبة لعملية الفتح، فعندئذ سيكون هناك نوع من الارتداد، وسنشهد ارتفاعاً سريعاً للحالات، خاصة مع عدم تعاون القطاع الخاص الذي يعتبر نفسه غير معنيّ. ونسمع يومياً الاعتراضات من النقابات والهيئات التي ترفع الصوت عن الوضع الاقتصادي الأليم”.
لا يوجد طبيب إلا وهو مع خطة الإغلاق الفعّال. ولكن من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، إذا لم يكن الإغلاق ملحقاً بقرارات أخرى، وله خطة ما بعد الإغلاق، فعندها سنعود ونقع في المطبّ نفسه، ومشكلة ما قبل الإغلاق
وختم قائلاً: “قسم من المستشفيات الحكومية الرسمية، وبسبب غطاء سياسي في مناطقها، لم تتورّط بمواجهة الفيروس. أما المستشفيات الخاصة، ففيها توصية بأن تكون نسبة 20% من أسرّتها للعناية الفائقة لمرضى الكوفيد-19، و10% منها للحالات العادية. وهذا ما أكده وزير الصحة حمد حسن بعد الاجتماع الأخير للجنة الوزارية لمتابعة ملف فيروس “كورونا”. ودعا البزري الى “ضرورة عقد مؤتمر وطني يشارك فيه الجميع بعيداً عن تناقضاتهم وخلافاتهم، وذلك من أجل وضع سياسة صحية شاملة ومتكاملة، تواكب تطور هذا المرض الخطير، وإضطرار الإنسانية للتعايش معه، ولفترة طويلة سواء في لبنان أم في غيره من المناطق”.
رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي
“أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً”، بهذه الكلمات يشرح عراجي لـ”أساس” حال الضياع من التوصيات والقرارات التي تُعلن: “إقفال البلد بشكل عام لأسبوعين أو أكثر متروك للجنة مواجهة وباء كورونا العليا، التي تحتاج قرارتها لجلسة استثنائية للحكومة”، مكرّراً التأكيد أنّه “يفضّل هذا التوجّه شرط تطبيقه بحذافيره وليرتاح القطاع الطبي والتمريضي”، لافتاً إلى أنّه “كنّا في السابق نوازن بين ?الاقتصاد والصحة، وكنا ننادي بفتح البلاد. ولكن الوضع حالياً في لبنان أصبح صعباً”.
وتابع: “أعيش مع الناس وبينهم، وأعلم بهمومهم، ولكن لبنان أمام أزمة كبيرة، وعلى المواطن اللبناني مسؤولية كبيرة. وأيضاً الدولة التي اتخذت قرارات في السابق. ولكنها لم تعمل على تطبيقها، وكانت حبراً على ورق، والمسؤولية تقع على عاتق وزارة العدل والداخلية والسياحة?، ويجب اتخاذ إجراءات صارمة بحق المخالفين”.
أما بالنسبة إلى المدارس، فرأى رئيس لجنة الصحة النيابية أنّ هناك تقريراً سيقدّم عن الوضع كلّ أسبوع. وإذا تبيّن أنّ هناك إصابات مرتفعة فيتخذ القرار المناسب. وأشار إلى أنّه “إذا اتّخذ قرار الإقفال العام، فإن ذلك سيشمل المدارس”.
كنّا في السابق نوازن بين ?الاقتصاد والصحة، وكنا ننادي بفتح البلاد. ولكن الوضع حالياً في لبنان أصبح صعباً
رئيس مركز أبحاث الأمراض الجرثومية المعدية في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت، والمستشار في لجنة “منظمة الصحة العالمية لمنطقة الشرق الأوسط” الدكتور غسان دبيبو رأى أنّ “كلّ ما نسمعه من قرارات وتوصيات كأنّها تصدر لتوهم الناس أننا نفعل ما يلزم. ولكن في الحقيقة يجب أن يكون هناك نوع من المصارحة مثلاً (نحن غير قادرين الآن على إعلان الإقفال التام متل الدول الأوروبية لأن هناك أشخاصاً بحاجة للعمل كي تستطيع تأمين قوتها اليومي). ومن الممكن بسبب الإقفال أن تلجأ الناس المتضرّرة إلى التظاهرات أو حتّى إلى الجرائم. ولذا، سنواجه مشكلة اجتماعية أكبر وأخطر من المشكلة الصحية”.
وأضاف لـ “أساس”: “طبياً، القرار صائب إذا أردنا السيطرة على الفيروس، ولكن يجب أن يترافق ذلك مع خطة واضحة على المدى الطويل لأن الفيروس سيبقى معنا لفترة طويلة، وربما لسنوات، القضية ليست أسبوعاً أو شهراً وننتهي. هناك شقّ اجتماعي مهمّ جداً، يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، هو انعدام وجود شبكة الأمان الاجتماعية في لبنان. وهذا ما يجعل القرارات غير واضحة وغامضة على عكس الدول الأوروبية التي أعلنت الإقفال التام”.
إقرأ أيضاً: موجة كورونا الثانية في لبنان: إقفال تام أو انهيار تام
وتابع: “قرار فتح أسرة جديدة بحاجة لتمويل وكلّ سرير عناية فائقة يكلّف آلاف الدولارات في اليوم الواحد. والسؤال الذي يطرح نفسه كيف سيتأمّن التمويل؟”.
وختم: “المطلوب قيادة أو هيئة أو حكومة تنظر إلى المشكلة التي نواجهها في لبنان من كافة الزوايا والجوانب الصحية والاقتصادية والمجتمعية، وبالإضافة إلى النظرة للقطاع الصحي: كيف نستطيع مساعدته. ولكن للأسف في لبنان “كلّ واحد بشدّ الحبل لعندو ليظبط وضع جماعته. ما حدا بينتبه على وضع البلد والمجتمع”.