طوال “ولاية ترامب المظلمة”، كما يسمّيها منافسه الديمقراطي جو بايدن الطامح نحو عتبة البيت الأبيض، أصرّ كلّ خصوم الرئيس الحالي على تصويره كعميل لروسيا تارة، ومتآمر للإطاحة برأس منافسه بايدن تارة أخرى. كلّ جهود “مقاومة الترامبية السياسية” أفضت إلى “لا شيء” سوى تعميق الانقسام العمودي السياسي والاجتماعي بين المعسكَرين التاريخيين في الولايات المتحدة “الفيل الجمهوري والحمار الديمقراطي”.
“إنجازات إدارة أوباما تُبقي الولايات المتحدة القوّة البارزة في العالم لعقودٍ آتية”، هكذا يصف نائب الرئيس السابق في مقال له نُشر على موقع “فورين أفيرز” العام 2016، مآثر الإدارة الديمقراطي السابق، ليخوض انتخابات 2020 غير متسلّح بهذه الإنجازات التي يعتبر أنّ ترامب أطاح بها كلّها. شريحة واسعة من الناخبين في الولايات المتحدة تشعر بأنّها ضاقت ذرعًا خلال 4 سنوات من حكم الشخصية المثيرة للجدل التي شكّل وصولها صدمة قائمة منذ 2016 إلى اليوم. ويتسلّح “جو” أيضًا بالأجواء التي يعتبرها “إيجابية” التي تبثّها استطلاعات الرأي على مدى أشهر حتّى يومنا هذا، وإلى فشل ترامب في ملفات عديدة، أبرزها إدارته لأزمة كورونا وانعكاساتها الاقتصادية على البلاد. فبايدن من وجهة نظره، يقود معركةً من أجل “الأمّة الأميركية”.
إضافة إلى إخفاقات ترامب وعثراته، يراهن “جو” الذي لا يتبنّى “قضايا مفصلية” على أنّ وسطيّته ستجيّر له كمًّا لا بأس به من أصوات الناخبين، ويحلم بالعودة إلى أيّام “أوباما” السعيدة، ومعها أيام “الوسطية” بين الجمهوريين والديمقراطيين، التي في الوقت عينه لم تكن مليئة بالودّ بين الطرفين، إلا أنّ التخاطب بينهما، كان أقلّ حديّة بأشواط مما هو عليه اليوم.
كلّ جهود “مقاومة الترامبية السياسية” أفضت إلى “لا شيء” سوى تعميق الانقسام العمودي السياسي والاجتماعي بين المعسكَرين التاريخيين في الولايات المتحدة “الفيل الجمهوري والحمار الديمقراطي”
“الوسطية” بين الجمهوريين والديمقراطيين التي يريدها بايدن ذابت بشكل تام في الأسابيع التي تلت مقتل المواطن من أصول أفريقية جورج فلويد خنقًا أثناء اعتقاله من الشرطة، حين تجلّى انقسام لن يكون بعض “الودّ” كافياً لمعالجة جذوره، التي كان “جو العمّالي” يهواها في ما مضى.
يعتمد المرشّح المتحدّر من ولاية بنسلفانيا على “أصوله العماليّة”، فهو “نصير الطبقة الوسطى”، كما كان يُسمّى في وقتٍ سابق من حياته، لأنّه وقف داعمًا رئيسيًا لكثير من الاتفاقات التجارية التي عادت بأرباح هائلة على المصارف الأميركية، على الرغم من أنّها أدّت لاختفاء المنطقة الصناعية حيث ترعرع “جو”.
بالنسبة لبايدن، معركته وحملته لانتخابات الرئاسة 2020، محورها منافسه دونالد ترامب “الفظيع الكذاب” الذي اعتدى على ما يسمّيه “أسس الديمقراطية الأميركية” بحسب ما يصفه بايدن الذي لا يملك خطّة عمل واضحة المعالم. بل إنّ إزاحة ترامب من المشهد هي ركيزة مهمته التي ترشّح على أساسها.
في خطاب قبول ترشّحه أمام مؤتمر الحزب الديموقراطي في شهر آب الماضي، اعتبر جو بايدن أنّ “ترامب أدخل أميركا في الظلام لفترة طويلة جداً”، مُركّزًا حديثه عن “روح الولايات المتحدة”، والاختبار الصعب الذي تمرّ به.
رسالته لم تتغيّر كثيراً منذ أطلق حملته الرئاسية عام 2019 حين وصف ترامب بأنه “تهديد للأمة الأميركية”، معلنًا أنّ انتخابات تشرين الثاني 2020 هي “معركة من أجل روح الأمة الأميركية”.
بالنسبة لبايدن، معركته وحملته لانتخابات الرئاسة 2020، محورها منافسه دونالد ترامب “الفظيع الكذاب” الذي اعتدى على ما يسمّيه “أسس الديمقراطية الأميركية”
في مؤتمر قبول ترشيح هيلاري كلينتون في فيلادلفيا عام 2016، كان الديموقراطيون على يقين بأنّ منافسها دونالد ترامب، لا يمكن أن يفوز، وذلك لأنّهم “يعرفون من يكون”. فتعاملوا مع ظاهرة ترامب على أنّها “مزحة”، نجحت بالحظ في تأمين ترشيح الحزب الجمهوري له.
المشكلة التي وقع فيها الثنائي الديمقراطي الرئيس أوباما ونائبه بايدن، كانت اعتقادهما المطلق بأن ترامب سيخسر حتمًا أمام كلينتون، وضمن ذلك تصريح أوباما الذي قال فيه: “البلد كما يراه ترامب، والذي يمكن أن يصبح فيه شخص مثله رئيساً “لن يكون أبدًا أميركا التي أعرفها”.
الصّديق الصّدوق لـ”تل أبيب”
خلال رحلته الأولى إلى الأراضي المحتلة عام 1973، التقى بايدن رئيسة الحكومة وقتها غولدا مائير، التي تكلّمت أمام ضيفها الديمقراطي عن ما أسمته “التهديدات الأمنية” في الشرق الأوسط، وكان ذلك قبل أيام مِن “حرب تشرين (أكتوبر)” بين مصر وسوريا من جهة وإسرائيل من جهة أخرى. وكان “السيناتور” بايدن يومها منتخباً حديثاً كعضو في مجلس الشيوخ الأميركي، ووصف لقاءه مع مائير بأنّه “من أكثر الاجتماعات أهمية”، الذي له تأثير كبير على مجريات حياته، وبقي بعدها لمدة 40 عامًا من مسيرته مدافعًا شرسًا عن دولة الاحتلال.
لا يخفى على أحد التوتّر الذي ساد في علاقة إدارة أوباما مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. لكنّ المراقبين يتوقّعون أن يكون فوز بايدن موضع ترحيب لدى المؤسسات السياسية والعسكرية وحتى الأمنية في إسرائيل. كيف لا وبايدن يَعتبر أنه من أهم ما ينبغي على أميركا فعله، هو التّصلّب والإيفاء “بوعدها بحماية وطن الشعب اليهودي” على حدّ تعبيره.
إقرأ أيضاً: ترامب: One-man Show President!
ولا يختلف بايدن كثيرًا في تقديم أوراقه لإسرائيل عن ترامب، إذ إنّه سبق الرئيس الحالي بتأييد الاعتراف بالقدس كاملة عاصمة لإسرائيل قبل نحو 20 عامًا، بالإضافة إلى تأييده المُطلق لمشروع قانون أصدره مجلس الشيوخ الأميركي عام 1995، يُقرّ بإقامة سفارة أميركية في القدس المحتلة خلال 4 أعوام. كما أكّد في غير مرّة أنّه في حال انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة، فإنّه لن يعيد إلى تل أبيب السفارة الأميركية التي نقلها ترامب إلى القدس على الإطلاق، إلا أنّه كشف في الوقت عينه عن نيته إعادة فتح قنصلية لبلاده في القدس الشرقية هدفها إعادة التواصل مع القيادات الفلسطينية.