تأرجح الرئيس سعد الحريري بين حالتين، حالة الغضب والتشاؤم والتذمّر، وحالة من العناد والإصرار والإبقاء على موقفه والتمسك بورقة تكليفه.
إقرأ أيضاً: الفرصة الأخيرة لسعد الحريري
مساء الجمعة كان الرئيس سعد الحريري في حالة غضب بسبب الشروط التي تضعها القوى السياسية في مشاورات عملية تشكيل الحكومة. مساء السبت ويوم الأحد، وعلى الرغم من أنّ الشروط استمرّت إلا أنّ الحريري بقي على إصراره، وبأنّه متمسك بشروطه ولن يتنازل، ولو تأخرت عملية تشكيل الحكومة، فقال للجميع: لن أعتذر عن التأليف.
لم تجرِ الرياح كما اشتهت سفن الحريري، إذ كان يتوقع أن ينتهي من عملية التشكيل خلال أسبوع، وسط إصرار على إنجازها قبل الانتخابات الأميركية. منذ ما قبل تكليفه، كان رئيس الجمهورية ميشال عون قد وضع دفتر شروط، وقال لمقرّبيه: على الرئيس المكلف أن يلتزم بها، ليتمكّن من تشكيل حكومته، وليحصل على توقيعه. في اللقاء الأول بينهما، قال الحريري لعون إنه يريد التعاون معه والبناء بشكل إيجابي، وتمنى نسيان السنوات الأربع الفائتة من العهد. أبدى عون تجاوباً في أن ينسى السنوات التي مرّت من عهده، ولكن على قاعدة خاصة فيه، وهي أن يعيد فرض شروط جديدة لتحقيق مكاسب لم يحقّقها من قبل.
في اللقاء الأول بينهما، قال الحريري لعون إنه يريد التعاون معه والبناء بشكل إيجابي، وتمنى نسيان السنوات الأربع الفائتة من العهد. أبدى عون تجاوباً في أن ينسى السنوات التي مرّت من عهده
اتفق الرجلان على التشاور الدائم بحيث تكون عملية التشكيل منسّقة بينهما وفق ما ينصّ عليه الدستور. نصب عون كمائنه، وقال لبعض محيطيه: “سأنتزع من الحريري في كلّ زيارة إلى هنا ورقة، وتنازل”. كان الرئيسان يحاولان أن يناور كلّ واحد منهما على الآخر.
بداية، تمسك الحريري بحكومة مصغّرة من 14 وزيراً، فاقترح عون حكومة من 24، توصّلا إلى اتفاق على حلّ وسط، وهو حكومة من عشرين وزيراً، في زيارة الحريري الثالثة إلى بعبدا، إلى جانب موافقته على مبدأ المداورة باستثناء وزارة المال.
ثانياً، أخذ عون موافقة الحريري على منحه وزارة الداخلية، إلى جانب وزارتي الدفاع والعدل، على أن تشملهما المداورة المذهبية لا السياسية، بمعنى تعيين ماروني في الدفاع.
ثالثاً، بعد أن نال عون هذا المطلب، عاد وطرح مسألة العقدة الدرزية بتمثيل طلال أرسلان كي لا يمتلك وليد جنبلاط وحده حصرية التمثيل الدرزي، وذلك يقتضي رفع عدد الوزراء في الحكومة إلى عشرين. اعترض الحريري على هذا المبدأ، لأنه لا يريد العودة إلى لعبة الثلث المعطّل.
رابعاً، وبما أنّ الحريري يصرّ على المداورة في الحقائب باستثناء المالية، فإنه يتوجّب على حزب الله أن يخرج من وزارة الصحة، التي اقترح الرئيس المكلّف إعطاءها للحزب التقدمي الإشتراكي، فطالب حزب الله بوزارة الأشغال. في البداية، أبدى الحريري مرونة حول هذا الطرح، على أن تكون وزارة الاتصالات لتيار المردة، وتكون التربية من حصته. في التشاور غير المباشر مع الحزب، أُبلغ الحريري بأنه عندما ينهي اتفاقه مع رئيس الجمهورية، يعود للتشاور مع الثنائي الشيعي لوضع اللمسات الأخيرة على التشكيلة الحكومية تمهيداً لإعلانها سريعاً.
التخلّي عن الداخلية، أدّى إلى حالة غضب كبيرة داخل تيار المستقبل، خاصة بعد أن كشفها النائب نهاد المشنوق في حديثه مع الزميل مارسيل غانم، ولدى رؤساء الحكومة السابقين، ولدى جهات محلية وخارجية إقليمية ودولية، هذا الأمر دفع بالحريري إلى إعادة حساباته
لكنّ عون بقي مصراّ على شروطه، لم يكتفِ بالداخلية والدفاع والعدل، أصرّ على وزارة الطاقة، وعلى الثلث المعطّل، بالإضافة إلى المطالبة بضمانة حول إقرار تعديل قانون النقد والتسليف لاستكمال التدقيق الجنائي، لأن الهدف الأساسي لدى عون في السنتين المقبلتين هو الإطاحة برياض سلامة من حاكمية مصرف لبنان. أمسك رئيس الجمهورية بتوقيعه على مراسيم الحكومة وبمفاتيح جلسة الثقة انطلاقاً من التنازلات التي قدّمها الحريري، وهو يصرّ عليه لتقديم المزيد.
التخلّي عن الداخلية، أدّى إلى حالة غضب كبيرة داخل تيار المستقبل، خاصة بعد أن كشفها النائب نهاد المشنوق في حديثه مع الزميل مارسيل غانم، ولدى رؤساء الحكومة السابقين، ولدى جهات محلية وخارجية إقليمية ودولية، هذا الأمر دفع بالحريري إلى إعادة حساباته، كذلك بالنسبة إلى وزارة الأشغال، إذ توجّه إليه أحدهم بالقول: إنّ منح حزب الله وزارة الأشغال، يعني الالتفاف على كلّ الرغبة الدولية وعلى العقوبات الأميركية، ويعني إطلاق يد حزب الله مجدّداً في المرفأ والمطار، هذا كله قبل الحديث عن عودة لعبة الثلث المعطل، ما يعني أنّ الحريري سيكون رئيس حكومة لا يمتلك القدرة على اتخاذ أيّ قرار فيها، وسيكون مكبّلاً بكلّ المقاييس كما كان حسان دياب.
كلّ هذا الجو دفع بالحريري إلى حالة غضب وانتفاض. ليل الجمعة، أجرى اتصالات بالرئيس نبيه بري طلباً للمساعدة، فأبدى رئيس مجلس النواب تعاطفاً، لكنه قال للحريري: “ما الذي يمكنني فعله يا دولة الرئيس طالما أنت ذهبت إلى عون، وقلت له إنك جاهز للتعاون معه، وأنت خير من يعرف ماذا يعني التعاون مع عون، وهو التسليم بكلّ ما يريده من شروط، وأنت وافقت على منحه مطالبه ما دفعه إلى المطالبة بالمزيد”.
يوم السبت غيّر الحريري من لهجته، واعتبر أنّ عون يرفع كلّ هذه الشروط لدفعه إلى الاعتذار، لكنه لن يفعل، ولن يسلّمه هذه الورقة. أبدى ثباتاً على موقفه وتمسكاً بتكليفه، وهو يعلم أنّ معطيات خارجية ستفرض متغيّرات على القوى المحلية لتليين مواقفها، يراهن في ذلك على الانتخابات الأميركية ونتائجها.