جون بولتون، من أبرز صقور المحافظين في الولايات المتحدة، ومن دعاة تغيير النظام في إيران وسوريا وفنزويلا وكوبا واليمن وكوريا الشمالية من البلدان التي يعتبرها مارقة. رئيس مؤسسة غايتستون، وهي مجموعة تفكير، وباحث سابق في مؤسسة أنتربرايز المرتبطة بالمحافظين الجدد. عمل كمحامٍ، ودبلوماسي، ومستشار سابق للأمن القومي. ما بين عامي 2001 و2005 عمل في إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن في ملف نزع السلاح. واستلم منصب سفير الولايات المتحدة في الأمم المتحدة بين عامي 2005 و2006. وفي إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب عمل مستشاراً للأمن القومي بين عامي 2018 و2019، ثم استقال لخلافات في الرأي مع الرئيس. وفي أواخر حزيران العام الحالي، صدر له كتاب “الغرفة التي شهدت الأحداث“ مذكرات البيت الأبيض”The Room Where It Happened: A White House Memoir”، والذي تضمّن انتقادات لاذعة لسياسات ترامب، وكيفية إدارته قوة عظمى في مواجهة أزمات حادة.
“أساس” ينفرد بنشر مقتطفات من الكتاب على حلقات، بالاتفاق مع دار نشر “شركة المطبوعات للتوزيع والنشر”، التي حصلت على حقوق الترجمة والنشر بالعربية.
إقرأ أيضاً: بولتون يتذكر (20): ترامب تلاعب بأوكرانيا لأغراض انتخابية
في 29 آب/ أغسطس 2019، سافرت من كييف إلى مولدوفا وبيلاروسيا، مواصلاً رحلاتي في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة. فكنت أريد أن أبيّن لروسيا أنّ تركيزنا مستمر على محيطها، ولا نكتفي بترك تلك الدول وحدها في صراعاتها مع موسكو. ولو كنت بقيت في البيت الأبيض لفترة أطول، لكنت نفّذت خططاً أكثر جوهرية لعلاقات الولايات المتحدة مع الدول السوفييتية السابقة، ولكن لم يقدّر لهذا أن يحدث. وفي مينسك على وجه الخصوص، وعلى الرغم من سجل [الرئيس البيلاروسي] ألكسندر لوكاشينكو في مجال حقوق الإنسان، أردت أن أثبت أن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة اليدين وبيلاروسيا تعود إلى روسيا، الأمر الذي كان بوتين قد بدأ يفكّر فيه بجدّية. وكان من عناصر استراتيجيتي لقاء جرى ترتيبه مع البولنديين في وارسو يوم السبت، 31 آب/ أغسطس، وجمع بين مستشاري الأمن القومي في بولندا وبيلاروسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة. وكنت أهدف من ذلك إلى أن ينشغل الكرملين في الغرض من هذا الاجتماع لفترة. ومن الواضح أنني كنت أفكر في ما يتجاوز مجرّد عقد اجتماعات إضافية، ولكن من شأن هذا الاجتماع أن يؤكد للجمهوريات السوفييتية السابقة الأخرى أنه ليس علينا أن نكون سلبيين في حال وجود عدوان روسي أو تهديدات لحكوماتها. هناك الكثير مما يمكننا القيام به، دبلوماسياً وعسكرياً. وبعد استقالتي، بدا لي أنّ الإدارة وآخرين ينتهجون النهج نفسه.
خلال عطلة نهاية الأسبوع، استمرت عملية تبادل الأسرى بين أوكرانيا وروسيا، وهو حدث إيجابي بحدّ ذاته، والذي ألمح ترامب إلى أنه على ما يبدو قد يكون كافياً لاعتماده المساعدة الأمنية
وأثناء الرحلة من مينسك (بيلاروسيا) إلى وارسو (بولندا)، هاتفت وزير الخارجية بومبيو لإطلاعه على ما جرى في الزيارة. وسألته عما إذا كان من الممكن اتخاذ قرار بشأن صرف أموال المساعدة العسكرية (إلى أوكرانيا) قبل أن يغادر ترامب إلى وارسو. ورأى بومبيو إمكانية ذلك، وأشار إلى أنه سيجد فرصة أخرى على متن طائرة الرئاسة، والتي كانت ستغادر أندروز ليلة الجمعة وتصل إلى وارسو صباح السبت. وكان من المقرّر عقد الاجتماع مع (الرئيس الأوكراني) زيلينسكي صباح الأحد. لذلك، كان هناك بعض الوقت على الأقل في وارسو. وكان جيم إنهوف James Inhofe، رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، يحاول الوصول إليّ، وراجعت مع بومبيو عدة خيارات بشأن الكونغرس، كنا نفكّر فيها ونناقشها بهدوء للخلاص من أزمة الموعد النهائي، 30 أيلول/ سبتمبر. فقد تكون هناك سبل لكسب مزيد من الوقت، على الرغم من استحالة ذلك مع اقتراب نهاية السنة المالية، ولكن يمكن تحقيقه هنا بطرق متنوّعة بسبب الدعم الساحق من كلا الحزبين لتقديم مساعدة أمنية لأوكرانيا.
“وماذا عن أوكرانيا؟”
وفي مساء الجمعة، 30 آب/ أغسطس، بتوقيت وارسو، شاركت من وارسو عبر الفيديو في اجتماع لمجلس الأمن القومي حول أفغانستان في غرفة العمليات بحضور ترامب ومعظم أعضاء المجلس الآخرين. وكما سبق لي أن وصفت، فقد كانت المناقشة حول أفغانستان تستهلكنا جداً، حتى إنّ ترامب همّ بمغادرة الغرفة ولم أدرك أنّ الاجتماع كان ينفضّ. ووجدت نفسي أصيح في الشاشة، “انتظر، ماذا عن أوكرانيا؟”. وهنا جلس الجميع مجدّداً. وقال ترامب: “لا يهمّني حلف الناتو على الإطلاق. وأنا على استعداد لأن أقول لهم إذا لم تدفعوا، فلن ندافع عنهم. أنا أريد أن يتمّ سداد ثلاثمئة مليون دولار [كان يقصد مئتين وخمسين مليون دولار، جزءاً من المساعدة المخصّصة لأوكرانيا] من خلال الناتو”. وبالطبع، لم يكن أيّ من ذلك ممكناً مادياً، بما يعكس افتقار ترامب المستمر لفهم آلية تخصيص تلك الأموال، ولكن ذلك لم يكن بالأمر الجديد. وقال “أوكرانيا جدار بيننا وروسيا”، وهو يعني في ما أعتقد أنها حاجز أمام توطيد العلاقات بين موسكو وواشنطن. ثم قال لنائبه مايك بنس: “اتصل بستولتنبيرغ Jens Stoltenberg [الأمين العام للناتو] واطلب منه أن يدفع الناتو. قل له الرئيس معك، ولكن يجب أن يأتي المال من الناتو”، وهو الأمر الذي لم يكن له أيّ معنى. وقال ترامب: “انتظر حتى اجتماع الناتو في كانون الأول/ ديسمبر”، ليوحي، بالنسبة لي على الأقل، أنه سوف يعلن انسحابنا من تقديم الدعم العسكري.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، استمرت عملية تبادل الأسرى بين أوكرانيا وروسيا، وهو حدث إيجابي بحدّ ذاته، والذي ألمح ترامب إلى أنه على ما يبدو قد يكون كافياً لاعتماده المساعدة الأمنية. وتحدّثت وبومبيو في هذا الموضوع صباح يوم 9 أيلول/ سبتمبر، وتحدّثنا مع وزير الدفاع مارك إسبر Mark Esper هاتفياً لاحقاً في ذلك اليوم، في استمرار الضغط لإيجاد مخرج تشريعي يمنحنا المزيد من الوقت. وبعد ظهر الأربعاء، قرّر ترامب منح المساعدات لأوكرانيا.
اتهام بولتون بالتسريبات
في ذلك الحين، كنت قد تركت منصبي وصرت مواطناً عادياً. ففي حوالي الثانية والربع من ظهيرة الاثنين 9 أيلول/ سبتمبر، هاتفني ترامب للحضور إلى المكتب البيضاوي، حيث التقينا وحدنا. واشتكى من التغطية الصحافية لأفغانستان، وإلغاء اجتماع كامب ديفيد مع طالبان، ناهيك عن ردّ الفعل السلبي الكبير، بين صفوف الجمهوريين بالتأكيد، تجاه الاتفاق ودعوة طالبان إلى كامب ديفيد. وبطبيعة الحال، كانت معظم ردود الفعل السلبية بسبب تغريداته غير الحكيمة. وربما كان من المستغرب أن لا شيء قد تسرّب عن كلّ هذا قبل أن ينشر تغريداته تلك، والتي أفشت القصة. وكان غاضباً من تصويره على أنه أحمق، وليس من أنه هو الذي تحدّث على هذا النحو. ولكنه قال: “الكثيرون لا يحبونك. يقولون إنك مصدر التسريبات، ولا تتحلّى بروح الفريق”. ولم أكن لأسكت على هذه الاتهامات. وقلت له إنني كنت هدفاً لحملة تسريبات سلبية ضدّي خلال الأشهر العديدة الماضية، ويسعدني أن أتحدّث عنها بالتفصيل، ويسعدني أيضاً أن أخبره بمصدر تلك التسريبات. (كنت أعتقد أنها في الغالب بتوجيه من بومبيو وكبير موظفي البيت الأبيض ميك مولفاني Mick Mulvaney).
صباح الثلاثاء، 10 أيلول، حضرت في توقيتي المعتاد، وبادرت بتسوية بعض الالتزامات المتبقّية، ثم غادرت لأكون في المنزل عندما يعلم الجميع باستقالتي
أما بالنسبة للزعم بأنني مصدر تسريبات، فقد طلبت منه الاطلاع على كلّ القصص الإيجابية عني في النيويورك تايمز، واشنطن بوست، وغيرهما، والتي كشفت في كثير من الأحيان عن مصدر التسريب، وأنه لن يجد فيها ما يسيء لي. وسأل ترامب على وجه التحديد عن تسريب الاجتماع مع طالبان، وذكّرته بأنني قلت فقط إنه يجب على موفدي طالبان المرور عبر كاشف مغناطيسي قوي. وما قلته هو إنني لم أكن لأوقّع على الصفقة التي تعقدها وزارة الخارجية، وعندئذ أشار ترامب بإصبعه نحوي وقال: “أوافق على هذا”. ثم أردف قائلاً: “لديك طائرتك الخاصة”، فأوضحت له أن ليس لدي واحدة. وقد سافرت على متن طائرات عسكرية في جميع الرحلات الرسمية، متبعاً السياسة نفسها التي مارسها أسلافي والعديد من كبار المسؤولين الآخرين المعنيين بالأمن القومي. ولست أنا من وضع هذه القواعد، بل اتبعتها وحسب. وكنت أعلم أنّ هذه بالتحديد شكوى من مولفاني، الذي كان مصدراً للكثير من هذا الهراء. فقال ترامب معلّقاً على شكوى أخرى من مولفاني: “لقد استعنت بكلّ أفرادك هناك [يقصد موظفي مجلس الأمن القومي]”. وبالطبع كانت شكوى ترامب المعتادة أنّ أغلب موظفي مجلس الأمن القومي من “الدولة العميقة”.
عندئذ، نهضت قبالة مكتب ريزولوت، وأنا أقول له:
– “إن كنت تريد مني ترك منصبي، فلسوف أتركه”.
– “لنتحدّث في هذا الأمر صباحاً”.
استقالتي فاجأت ترامب
كان ذلك هو حواري الأخير مع ترامب. تركت المكتب البيضاوي في حوالي الثانية والنصف وعدت إلى مكتبي. وأخبرت (مساعدي) شارلز كوبرمان Charles Kupperman و[مسؤولة التواصل في مجلس الأمن القومي] سارة تينسلي Sarah Tinsley عن ذلك الحوار وقلت إنها نقطة النهاية بالنسبة لي. وقدّمت خطاب استقالتي القصير، الذي كتبته قبل عدة أشهر، إلى مساعدتي كريستين صمويليان Christine Samuelian، لتضعه مع بقية الأوراق التي سوف تعرض على الرئيس. وأخبرت الجميع بأنني عائد إلى المنزل للتفكير في الأمر، ولكنني عقدت العزم على تأكيد الاستقالة في اليوم التالي. وفي ضوء ما يحيط بهذا الأمر من جدل، أودّ أن أشير إلى أنّ مساعدي شارلز كوبرمان Charles Kupperman قال لي يوم الثلاثاء إن دان والش Dan Walsh، أحد مساعدي مولفاني، اتصل به في وقت متأخر من يوم الاثنين، وهو عائد مع ترامب على متن طائرة الرئاسة من تجمّع سياسي في كارولينا الشمالية، كان ترامب قد غادر إليه بعد اجتماعي معه مباشرة. وكان ترامب لا يزال يتحدّث حول استخدامي للطائرات العسكرية، وهو أمر حاول والش شرحه له دون جدوى، وقال ترامب لوالش: “أخبره أنه لن يحصل على طائرة أخرى ما لم أوافق على ذلك بنفسي”. ويتضح من كلام ترامب أنه كان حتى وقت متأخر من يوم الإثنين ما يزال يعتقد أنني سأبقى، وأنني سأتقدّم بطلبات استخدام طائرات عسكرية بعد اجتماعي معه يوم الثلاثاء.
إقرأ أيضاً: بولتون يتذكر (19): ترامب يريد “سفّاحي” طالبان في البيت الأبيض
وصباح الثلاثاء، 10 أيلول/ سبتمبر، حضرت في توقيتي المعتاد، وبادرت بتسوية بعض الالتزامات المتبقّية، ثم غادرت لأكون في المنزل عندما يعلم الجميع باستقالتي. وطلبت من كريستين تسليم خطاب الاستقالة إلى المكتب البيضاوي الخارجي ونسخ لكل من بنس، مولفاني، بات سيبولوني Pat Cipollone [المستشار القانوني للبيت الأبيض]، وستيفاني غريشام Stephanie Grisham [المتحدّثة باسم البيت الأبيض] عند الحادية عشرة والنصف صباحاً. وكنت واثقاً من أن ترامب لم يكن يتوقّع هذه الخطوة، حيث غرّد في حوالي الساعة 11:50 صباحاً للتعريف بالقصة وفق رأيه هو أولاً. وتعلّمت من ذلك أنه كان عليّ أن أسبق بخطوة، لكني كنت قادراً على الردّ بالحقائق. وأعرف ما انتهى إليه الأمر. المهم أنني صرت حراً من جديد.
*نشر في الأصل بلغته الإنكليزية بعنوان: THE ROOM WHERE IT HAPPENED.
Copyright (c) 2020 by John Bolton
حقوق النشر بالعربية (c) شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ش. م. ل.
جميع الحقوق محفوظة (c)