خبراء عن اختفاء 7 مليارات $: لا ثقة في أرقام مصرف لبنان

مدة القراءة 7 د


أثار مقال الزميل عبادة اللدن خواتيم هدوء الدولار: عاصفة بعد “اختفاء” 7 مليارات من مصرف لبنان، جدلاً في الأوساط المصرفية والاقتصادية، لا سيما أنّه طرح السؤال عن فقدان مصرف لبنان نحو 7.3 مليار دولار من احتياطياته من شهر تموز إلى اليوم، وفق ما تظهره البيانات التي يصدرها المصرف دورياً. فهل ذهب المبلغ المذكور لتسديد وديعة أجنبية ما؟..

“أساس” وجّه كتاباً إلى حاكمية مصرف لبنان مستوضحاً الأمر، وأعطى “المركزي” مهلة أسبوع للردّ على جملة أسئلة أرفقها بكتابه، ولم يحصل على جواب أو اتصال حتّى اللحظة.

إقرأ أيضاً: الدولار انخفض 2000 ليرة: لعبة صرّافين.. أو جوّ سياسي؟

المنطق كان يقضي باستطلاع آراء مصرفيين وخبراء اقتصاديين حول هذا الرقم، وعن الوجهة التي سلكتها هذه الأموال. فكان الإجماع على أنّ تأكيد الخبر أو نفيه أمر صعب لاستحالة الاطلاع على قرارات وإجراءات مصرف لبنان أولاً، ولعدم شفافية الأرقام التي تصدر عنه ثانياً، فيما رجّح بعضهم الآخر أن يكون المركزي قد سدّد وديعة غربية، أو أجرى تسويات ومصالحات مع بعص المصارف المحلية.

من المُستطلعين رئيس لجنة الرقاية على المصارف السابق سمير حمود، والخبير الاقتصادي الدكتور نسيب غبريل وخبير المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي.

آراؤهم دخلت في إطار الترجيحات، فيما الثابت الوحيد أنّ سلامة النقد مهدّدة، ومصرف لبنان غائب عن السمع ومتروك من السلطة السياسية التي ترى فيها “الخصم والحكم”!

يرفض رئيس لجنة الرقابة على المصارف السابق سمير حمود، التعليق على أرقام لا يعلم مصدرها، متجنّباً “منطق التخمين والتقدير” بطريقة صرف هذه الأموال، معتبراً أنّه “لا يمكن معرفة حجم احتياطي المصرف المركزي إلا من خلال ما يصرّح به الحاكم رياض سلامة مباشرة”.

مصرف لبنان يكاد يكون المصرف المركزي الوحيد في العالم الذي يموّل دعماً من هذا النوع، خصوصاً في ظلّ غياب تام للسلطة السياسية. كلّ الحمل على مصرف لبنان اليوم

أما الخبير الاقتصادي الدكتور نسيب غبريل، فاعتبر أنّ مقال “أساس”، خلط بين القرار الذي أصدره مصرف لبنان الخميس الماضي، بشأن الحدّ من سقوف السيولة للمصارف، وبين احتياطي مصرف لبنان بالدولار الأميركي، ويقول: “صحيح أنّ الكتلة النقدية ارتفعت، وقد تسبّبت نسبياً بالتضخم، لكن زيادة الكتلة النقدية سببها الرئيسي سحب الناس أموالها من المصارف. الناس تطلب سحب ودائعها الدولارية بالليرة اللبنانية لأنها مقتنعة أنّ لا امكانية للحصول عليها بالدولار أبداً”.

ويضيف غبريل: “فلنتذكّر أنّ جزءاً كبيراً من ايرادات مصرف لبنان تراجع بشكل كبير، مثل سندات اليوروبوند، وسندات الخزينة، وأموال السياحة، والودائع المقبلة من الخارج… علينا ألّا ننسى أنّ المصرف المركزي هو الحامل الأكبر لقسم كبير من الدين العام (43% مصرف لبنان، وبعده المصارف التجارية بـ28%)، المركزي يحمل نحو 60% من الدين على شكل سندات الخزينة بالليرة اللبنانية، ونحو 5 مليارات دولار من سندات اليوروبوند، أضف إلى ذلك أنّ موازنة العام 2020 فرضت عليه إعادة كلّ الفوائد إلى وزارة المالية. ولذا، فإنّ الأعباء زادت عليه كثيراً”.

غبريل يعتبر أنّ “مصرف لبنان يكاد يكون المصرف المركزي الوحيد في العالم الذي يموّل دعماً من هذا النوع، خصوصاً في ظلّ غياب تام للسلطة السياسية. كلّ الحمل على مصرف لبنان اليوم”. كما يرجّح أن يكون سبب هبوط الاحتياطي إلى هذا الحدّ، هو “تسديد وديعة لجهة خارجة استحقت خلال هذه الفترة، وربما دفعها مصرف لبنان”.

ويقصد غبريل وديعة “غولدمان ساكس” البالغة 1.4 مليار دولار التي لعب مصرف “سوسييتيه جنرال”  دور الوسيط من أجل الحصول عليها وكُشف عنها في شهر أيلول 2019. ما يطرح سؤالاً حول سبب عدم إعلان “المركزي” أنّه دفع هذه الوديعة. وهنا يبرز سؤال الشفافية مجدّداً، في لحظة مالية عاصفة وتاريخية ومؤلمة لكلّ اللبنانيين.

ثم يختم غبريل حديثه لـ”أساس” بتوجيه اللوم إلى الحكومات المتعاقبة، التي “لم تتخذ أيّ مبادرة لتعزيز ثقة المواطنين باقتصاد بلدهم وبمصارفه”. فكلّ ما حصل كان يُختصر بـ”شهوة السلطة على حساب مستقبل لبنان واستقراره النقدي والاقتصادي، وهذا ما دفع المصارف التجارية والمصرف المركزي على السواء إلى العمل بضبابية كاملة ووفق رؤية صفرية، فيما قرارات مصرف لبنان كلها كانت في سبيل  ملء الفراغ بعد استقالة السلطة السياسية من مسؤولياتها”.

من المعروف أنه منذ تشرين 2019 إلى اليوم ممنوع تحويل الدولارات إلى الخارج، أكان من المودعين أو من المصارف، إلا من أجل تمويل فاتورة الاستيراد للسلع الأساسية أو لمواضيع أخرى تحت المراقبة

في السياق نفسه، يقول خبير المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي، إنّ “زيادة الكتلة النقدية أو البنكنوت الليرة اللبنانية، جاءت في ظلّ اختفاء الدولار من يد المواطنين، وكذلك مع منع المواطنين من استعمال البطاقات البلاستيكية. ولهذا، فإنّ الزيادة في الكتلة النقدية لليرة، مضاف إليها ارتفاع الأسعار الذي تسبّبت به الأزمة، جعلتا ما يُسمّى بالفائض في حجم الكتلة النقدية، أمراً مفهوماً وغير مبالغ فيه إلى حدّ كبير”.

ويضيف فحيلي: “ما يُحكى عن محاصرة الكتلة النقدية وعن مساعي مصرف لبنان لسحبها من التداول في السوق قد يكون كلاماً، فالمركزي لم يقل ذلك أبداً. أضف إلى ذلك أنّ السياسات النقدية التي يعتمدها المركزي لن تسمح له بسحبها في ظلّ غياب الثقة لدى المواطنين بالمصارف، لأنّ أغلب الأموال موجودة في الخزائن وفي البيوت، أكان لدى الناس العاديين أو لدى التجار أو الصرّافين. هؤلاء لن يسلّموا هذه الأموال أبداً ولن يفرّطوا بها. وحتّى لو اضطروا إلى استعمالها من أجل كسب العيش أو لأيّ سبب آخر، فإن ذلك سيحصل بتقنين كبير، وهذا سيتسبّب بانكماش اقتصادي إضافي. مع التذكير بأنّ الجزء الأكبر من هذه الكتلة النقدية غير مخصّص للصرف، لأنّه بكل بساطة مخبأ، وهذا يعني أنّ هذه الأموال لا تساهم في التضخّم طالما أنها غير متداولة”.

وعن خسارة مصرف لبنان لحجم كبير من احتياطي الدولار الأميركي، يقول فحيلي: “من المعروف أنه منذ تشرين 2019 إلى اليوم ممنوع تحويل الدولارات إلى الخارج، أكان من المودعين أو من المصارف، إلا من أجل تمويل فاتورة الاستيراد للسلع الأساسية أو لمواضيع أخرى تحت المراقبة (أقساط الطلاب، تحويل رواتب العمال الأجانب…الخ). لكن هناك مصارف طُلب منها تعزيز أرصدتها لدى المصارف المراسلة في الخارج، ربما تكون هذه المصارف قد فعلت هذا الأمر، وإنما يصعب علينا تحديد هذا الرقم لأنّ كلّ الأرقام التي تصدر عن المصارف وعن مصرف لبنان بكل صراحة، لا ثقة لي بها”.

ويستطرد بالقول: “الأرقام التي أصدرتها المصارف عن موازناتها للعام 2019 مصداقيتها دون الـ30%، ومن المعيب أن يوقّع المدقّقين الأجانب، على أرقام كهذه في ظلّ الأزمات التي نعيشها. لأنّ ضمن هذه التقارير هناك نظرة مستقبلية مُطالب المدقّق الأجنبي أن يذكرها في تقريره، ولم نر أيّ شيء في هذه التقارير يدعو إلى التفاؤل”، خاتماً حديثه بالتأكيد على أنّ “أيّ خسارة للعملة الأجنبية لدى مصرف لبنان يُفترض أن تذهب إلى فاتورة الاستيراد التي تضخّمت في الآونة الأخيرة بسببب جشع بعض التجار ونفخ فواتير استيرادهم”، معتبراً أنّ “التدقيق بشكل أكبر في هذه الفواتير أمر أكثر من ضروري وملحّ، من أجل وضع حدّ لوقف نزيف العملات الأجنبية إلى خارج لبنان”.

لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه بقوّة: هل من مسؤوليات مصرف لبنان ملاحقة المهرّبين؟ أو من مسؤولياته الاستمرار بدعم السلع حتى نفاد احتياطي الدولار؟ المنطق يقول: لا، ويقول أيضاً إنّ “المسؤولية بقدر الصلاحية”، إلاّ أن تعقيدات الأزمة النقدية والاقتصادية باتت تطرح الشيء ونقيضه: فاتهام مصرف لبنان جائز وتبرئته جائزة أيضاً، وللحالتين مبرّراتها وقرائنها وبراهينها، لكنّ الثابت الوحيد أنّ أزمتنا في العمق سياسة… حيث السياسة في لبنان لها دوماً حديث أو منطق آخر.

 

مواضيع ذات صلة

هذه هي الإصلاحات المطلوبة في القطاع المصرفيّ (2/2)

مع تعمّق الأزمة اللبنانية، يصبح من الضروري تحليل أوجه القصور في أداء المؤسّسات المصرفية والمالية، وطرح إصلاحات جذرية من شأنها استعادة الثقة المفقودة بين المصارف…

لا نهوض للاقتصاد… قبل إصلاح القطاع المصرفيّ (1/2)

لبنان، الذي كان يوماً يُعرف بأنّه “سويسرا الشرق” بفضل قطاعه المصرفي المتين واقتصاده الديناميكي، يعيش اليوم واحدة من أخطر الأزمات النقدية والاقتصادية في تاريخه. هذه…

مجموعة الـ20: قيود تمنع مواءمة المصالح

اختتمت أعمال قمّة مجموعة العشرين التي عقدت في ريو دي جانيرو يومي 18 و19 تشرين الثاني 2024، فيما يشهد العالم استقطاباً سياسياً متزايداً وعدم استقرار…

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…