هل أعادت ورشة البحث في السراي الحكومي عن حلول لمسألة وقف دعم المواد الأساسية والحيوية، أو ترشيده، التي أطلقها رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب، الاعتبار إلى مجلس الوزراء ورئاسته، في مواجهة تغوّل رئاسة الجمهورية ومحاولة ابتلاع الرئاسة الثالثة بواسطة توسيع صلاحيات وأدوار المجلس الأعلى للدفاع؟
ما حصل خلال اليومين الماضيين داخل السراي الحكومي حول “ترشيد الدعم”، ربما يُختصر بهذه الرغبة لكنّه، للأسف، جهدٌ يُصرف في المكان الخطأ. فالحكومة نتهرّبت من مسؤولياتها في مجال تصريف الأعمال منذ استقالتها بُعَيْد انفجار مرفأ بيروت، واليوم ها هي تعود إلى “التصريف” لكن من دون أعمال تُذكر، أو أيّ قرارات جدّية، ومن دون جلسة رسمية للحكومة، ما قد يعدّ إمعاناً في التخلّي الصلاحيات وليس محاولةً لاسترجاع بعضها.
الحديث عن الدعم (سبب الاجتماعات) يُختصر بجملة طريفة من مسلسل “أبو سليم الطبل وفرقته” الفكاهي: “شوفيني يا منيرة”: حركة لقاءات واجتماعات لا ينتج عنها سوى جعجعة بلا طحين، “غير مدعوم” هذه المرّة. زحمة ممثّلي نقابات وتعاونيات، ومدراء عامين ورؤوساء مجالس. مشاورات وأوراق وخطط، فيما الأمر المُستطاع بيد رجل واحد: رياض سلامة، الذي يبدو اليوم كما لو أنّه الحاكم المطلق للنقد اللبناني… وحتّى آخر دولار في احتياط مصرف لبنان الإلزامي، وربما آخر دولار في احتياطات المصارف التجارية أيضاً.
ما حصل خلال اليومين الماضيين داخل السراي الحكومي حول “ترشيد الدعم”، ربما يُختصر بهذه الرغبة، لكنّه، للأسف، جهدٌ يُصرف في المكان الخطأ
من يعرف؟ ربما يخضع سلامة لإرادة السياسيين، فيُجهز على ما تبقّى من دولارات المودعين المحتجزة في خزائنه ليحمي الطبقة السياسية، برغم التأكيدات السابقة والحالية، والتزام السياسيين “عدم المسّ بها”.
حكومة دياب عاجزة كلياً عن اتخاذ أيّ قرار. تصرّ من باب الهروب، على احترام الدستور لناحية عدم تفعيل عملها ليتخطّى المفهوم الضيق لـ “تصريف الأعمال”. تتقاذف المسؤوليات بينها وبين مصرف لبنان تارة، وطوراً ترمي الكرة في ملعب اللجان النيابية التي يدعوها دياب إلى مشاركته ومصرف لبنان في وضع “رؤية لحلّ أزمة الدعم من أجل تمرير المرحلة، بانتظار تشكيل الحكومة الجديدة”.
إذاً، دياب يقول بلا مواربة، إنه يحاول تخطي “مطبّ” مواجهة الشارع من خلال الهروب من المسؤوليات وتحويل الأزمة إلى حكومة الحريري المنتظرة. بعد الحديث المتواتر عن احتمال تنازل الرئيس المكلّف عمّا تمسّك به من شروط في السابق ليعود اليوم إلى السراي.
مصدر مشارك في “ورش العمل” كشف لـ “أساس” أنّ ما حصل أمس “مجرّد شكليات ولزوم ما لا يلزم”، محذّراً من ورطة كبيرة، سائلاً: “كيف لسلطة تنفيذية أن تُصدر توصيات؟ كيف لها أنّ تنتظر حاكمية مصرف لبنان أن تُقرّر؟ هل تحوّل رياض سلامة إلى مجلس وزراء؟ الصلاحيات بيدها أم بيد الحاكم؟”.
لا يخفي المصدر أنّ هذا الاجراء الذي يطالب به المجتمعون سيكون بمثابة “هدر دم” رياض سلامة، لأنّ الحكومة تستقيل من مسؤولياتها، وتضع الحاكم في “فوهة المدفع”، ثم تنتظر منه إيجاد الحلول وصرف الأموال.
دياب يقول بلا مواربة، إنه يحاول تخطي “مطبّ” مواجهة الشارع من خلال الهروب من المسؤوليات وتحويل الأزمة إلى حكومة الحريري المنتظرة. بعد الحديث المتواتر عن احتمال تنازل الرئيس المكلّف عمّا تمسّك به من شروط في السابق ليعود اليوم إلى السراي
وعن مسألة التصرّف في أموال الاحتياطي الإلزامي للمصارف لدى مصرف لبنان (ما تبقّى من أموال المودعين)، يقول المصدر: “من الواضح أنّ حكومة دياب لا تمانع أبداً التصرّف بهذه الأموال. شرطها الوحيد ألاّ يجوع الشعب!”. أما مصرف لبنان، فحتّى اللحظة لم يحسم أمره لناحية استعمال هذه الأموال من عدمها، فقرار الحاكم غير واضح. ويقال إنّ الأمر متروك لاجتماعاته مع أعضاء المجلس المركزي، وهو قرار صعب ربما يتسبّب بانشقاقات داخل المصرف المركزي نفسه!
أما عن خفض الدعم أو ترشيده، فيكشف المصدر أنّ كل ما يُحكى في هذا الشأن “غير دقيق”، لأنّ ما ستفعله الحكومة سينحصر بـ”محاولة إعادة تنظيم الاستهلاك فقط”، ما يعني أن “لا ترشيد ولا إلغاء”، وإنّما وقف استيراد السلع غير الضرورية، خصوصاً تلك التي تخصّ الأغنياء في مقابل إغراق السوق بالمواد الغذائية والاستهلاكية التي تمسّ الطبقات الدنيا.
إقرأ أيضاً: خبراء عن اختفاء 7 مليارات $: لا ثقة في أرقام مصرف لبنان
بعد جولة سريعة في السراي لمواكبة الاجتماعات الوزارية، يكتشف الزائر أنّ السراي نفسه بحاجة إلى دعم. لأنّ آثار تفجير المرفأ لا تزال حاضرة كما لو أنّ التفجير وقع أمس: الزجاج المكسّر والأبواب المخلّعة والجدران المشقوقة، لا تزال “تزيّن” غُرف القصر الحكومي وقاعاته وزواياه… مشهد سريالي آخر يطرح ألف سؤال وسؤال: كيف لفاقد الشيء أن يعطيه؟
نخرج من السراي بلا خبر ولا نتيجة. هل سيتوقّف الدعم؟ هل سيستمرّ؟ هل ستمرّر الأعياد؟ أم يهبط الخبر الأسود على اللبنانيين مطلع 2021؟ هل ننتظر الحكومة الجديدة؟
الأكيد أنّ السراي “باردة”. تشعر بالبرد، ولا تجد من يغطّيها، فكيف لها أن تغطّي البردانين في الخارج؟
إنّها سرايا فاقدة لـ”زجاج الصلاحيات”.