ثلاثة “مطابخ” رئيسية باتت تتحكّم اليوم بولادة الحكومة، ويبدو أنّ اقتراح المزج بينها هو الحلّ شبه الوحيد لصدور مراسيم حكومة ينتظرها المجتمع الدولي لتقرير مصير المساعدات للبنان: مطبخ الرئيس المكلّف سعد الحريري بالتنسيق مع رئيس الجمهورية، مطبخ جبران باسيل في البياضة، والمطبخ الفرنسي، شريك الضرورة في إنتاج فريق وزاري “كفء، ونظيف، ومؤهّل لقيادة المرحلة”.
اجتماع تاسع يفترض أن يعقد بين الرئيس ميشال عون والحريري بعد مغادرة الموفد الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل بيروت صباح أمس. الأخير يعدّ تقريراً يرفعه إلى الرئيس إيمانويل ماكرون عن جولته الموسّعة على القيادات السياسية والتي شملت النائب جبران باسيل المُدرَج لتوّه على لائحة العقوبات الاميركية بتهم فساد وصرف نفوذ، طالباً منه “المساعدة والتسهيل لولادة الحكومة بأسرع وقت”. أما الرسالة الفرنسية الأهمّ، فكانت توجّه موكب دوريل إلى الضاحية للقاء النائب محمد رعد بعد نحو شهرين من إدراج واشنطن حليفي حزب الله علي حسن خليل ويوسف فنيانوس على لائحة “أوفاك” بتهمة دعم “حزب الله الإرهابي”!!
التمايز الفرنسي – الأميركي في مقاربة الملف اللبناني ليس جديداً، لكن الطرفين يلتقيان تقريباً عند نقطة تحميل رئيس الجمهورية وباسيل بشكل أساس مسؤولية “التأخير غير المبرّر” في ولادة الحكومة بسبب التمسّك “بمعايير لا تتلاءم مع طبيعة المرحلة”، وفق ما نُقل عن الموفد الفرنسي، في حين لا تزال المواجهة مفتوحة بين السفيرة الأميركية دوروثي شيا وبين باسيل.
الرسالة الفرنسية الأهمّ، فكانت توجّه موكب دوريل إلى الضاحية للقاء النائب محمد رعد بعد نحو شهرين من إدراج واشنطن حليفي حزب الله علي حسن خليل ويوسف فنيانوس على لائحة “أوفاك” بتهمة دعم “حزب الله الإرهابي”!!
لا شيء يدلّ على أنّ مكالمة الدقائق القليلة بين الحريري وباسيل بمبادرة من دوريل ستكسر حدّة التباعد بين الطرفين في مقاربة ملف الحكومة. حديث قصير ومقتضب تخلّلته مجاملات لا تقدّم ولا تؤخّر، خصوصاً مع استبعاد مصادر مطلعة حصول لقاء بين الطرفين.
فقرار الرئيس الحريري، وفق أوساطه، ثابت بعدم عقد لقاءات جانبية مع أيّ من الكتل السياسية، ولا يزال يراهن على المشاورات مع رئيس الجمهورية حصراً كمدخل آمن لولادة حكومته.
وتفيد المعطيات أنّ دوريل وقبل مغادرته بيروت، أجرى مجدّداً مروحة اتصالات مع قوى سياسية من دون أن ترشح أيّ معلومة تفيد بحصول خرق على مستوى الأزمة الحكومية.
لكن مطلعين على الموقف الفرنسي أشاروا الى أنّ “باريس، عكس الأجواء التي عمّمت، لم تطرح أسماء للتوزير، بل هي معنيّة بالتأكّد من “أهلية” بعض الأسماء المطروحة خصوصاً في حقائب مهمّة ستشكّل المعبر لدخول أموال القروض إلى لبنان، على رأسها الطاقة والمال والاتصالات والأشغال. وقد تستخدم حقّ الفيتو في حال وجدت أنّ الخيار اللبناني ليس صائباً!”.
وفي هذا السياق، تُرصد “حرب أسماء” بين المقرّات، فيصوّب قريبون من باسيل على أسماء مرشّحة للتوزير يطرحها الحريري والرئيس نبيه بري، وأوساط الأخير “تشيطن” أسماء يروّج لها باسيل، فيما لا يتردّد محيط الحريري في اعتبار بعض الشخصيات الباسيلية المطروحة بمثابة لغم داخل حكومته!
وتفيد معطيات أنّ منبع الاستياء الفرنسي من جبران باسيل، هو إصرار الأخير على تكرار لازمة: “لا نضع شروطاً ولا نريد شيئاً من الحكومة”… وفي الوقت نفسه، يطرح مطلب عدم التأليف إلا وفق شروط معيّنة. وقد رصدت السفارة الفرنسية بيانات وتسريبات من جانب المكتب الإعلامي للتيار الوطني الحرّ تفيد بعدم وجود أيّ شرط أو مطلب لباسيل بشكل يعاكس الواقع، فيما يتبيّن أنّ رئيس التيار يطرح بحديثه عن المعيار الواحد مطلب تسمية الوزراء المسيحيين في الحكومة.
تُرصد “حرب أسماء” بين المقرّات، فيصوّب قريبون من باسيل على أسماء مرشّحة للتوزير يطرحها الحريري والرئيس نبيه بري، وأوساط الأخير “تشيطن” أسماء يروّج لها باسيل
وفي هذا السياق، سمع دوريل كلاماً صريحاً من جانب الحريري بأنّه “لم يسمح لأيّ طرف سياسي بتسمية وزرائه في الحكومة، تحديداً حركة أمل وحزب الله ووليد جنبلاط. هناك “أخذ وردّ”، وفي النهاية، أنا المعنيّ مع رئيس الجمهورية بغربلة الأسماء. ولذلك فإنّ تحجّج باسيل بأنّ “الشيعي يسمّي”، و”جنبلاط يسمّي” لكي يختار المحسوبين عليه داخل الحكومة فهذا أمر مرفوض ولن أخضع له”.
ويقول العارفون إنّ أساس الخلاف بدأ مع اتفاق الحريري وعون على اختيارهما أسماء كافة الوزراء في الحكومة. لكن مع دخول باسيل على الخط، قطع الطريق على شراكة الحريري في تسمية الوزراء المسيحيين طالما أنّ الأخير سَمح، برأيه، لأمل وحزب الله وجنبلاط وفرنجية بطرح أسماء. وقد رفض الحريري، وفق أوساطه، الدخول في متاهة ما اعتبره محاصصة ستفتح عليه أبواباُ مغلقة بما في ذلك الوقوف على خاطر “القوات” حتّى لو لم تسمّه.
إقرأ أيضاً: قلق فرنسي على حكومة “المُعاقبين” أميركياً!
وفيما تؤكد المعلومات أنّ التبادل بين الداخلية والخارجية قد حُسم على أن يتفاهم عون والحريري على اسم وزير الداخلية الجديد المحسوب على حصة رئيس الجمهورية، تؤكد مصادر باسيل أنّ “الكرة في ملعب سعد الحريري. إذا التزم مع رئيس الجمهورية حصراً بتسمية الوزراء فليكن، وعندها لا مشكلة. وإذا أصرّ الحريري على تسمية الوزراء المسيحيين، فلا مشكلة أيضاً، وعندها فليسمّ رئيس الجمهورية الوزراء السنّة والشيعة والدروز”، معتبرة أنّ سكوت “الطرف الشيعي والدرزي وفرنجية والطاشناق اليوم مريب، وكأنّ هناك اتفاقاً قد حصل فعلاً، فيما يريد الحريري مشاركة رئيس الجمهورية بالأسماء المسيحية”.
تضيف مصادر باسيل: “كلّ ما في الأمر أنّ على الحريري أن يتوقف عن المناورة، ويقول الأمور بصراحة “بلا لفّ ودوران”. فإذا كان محرجاً بالأسماء الشيعية “ومش قادر يقول لا لحزب الله”، أو أنه ينتظر إيعازاً خارجياً ليشكّل حكومته… فليقل ذلك بصراحة”، مستغربة “عدم تقديم الحريري أيّ مسودة وزارية حتى الآن لرئيس الجمهورية”.