شهد البحث عن لقاح فعّال ضدّ كورونا خطوة مهمة إلى الأمام، تبدو الأكثر نجاحاً منذ انطلاقة الأبحاث بداية العام لمكافحة مفاعيل هذا الفيروس الفاتك، وذلك مع إعلان نتائج شبه مؤكّدة تظهر أنّ اللقاح الذي طوّرته شركتا “فايزر Pfizer” الأميركية و”بيونتك BioNTech” الألمانية يمكن أن يمنع أكثر من 90? من الناس من الإصابة بالفيروس الذي ظهر في الصين منذ 11 شهراً وتمادى وتوحّش، فأصاب 50 مليون إنسان، قتل منهم أكثر من مليون و260 ألفاً حول العالم، ولا يزال فاتكاً يبثّ الرعب حتى الآن. إلا أنّ الحل يبدو بمتناول اليد وقريباً، جداً.
ما الذي حقّقته الشركتان؟
أعلنت شركة “فايزر” عن نتائج إيجابية مبكرة من تجربتها للقاح ضد فيروس كورونا، ما “عزّز الصدارة في سباق عالمي محموم انكشف بسرعة قياسية”، بحسب صحيفة نيويورك تايمز. وهي الشركة التي سبق أن اخترعت “الفياغرا” ووضعت حدّاً للعجز الجنسي لدى الذكور حول العالم.
وتضيف الصحيفة الأميركية أنّ “التحليل المبكر لتجربة لقاح فيروس كورونا يشير إلى أنّ اللقاح كان فعّالًا بقوة في الوقاية من Covid-19، وهو تطوّر واعد، بعدما انتظر العالم بقلق أيّ أخبار إيجابية عن جائحة أودت بحياة أكثر من 1.2 مليون شخص”.
وحسب وكالة BBC البريطانية، فإنّ “فايزر” و”بيونتك” كانتا “أوّل من شارك البيانات من المراحل النهائية للاختبار، المعروفة باسم المرحلة الثالثة من التجربة. وهذه نقطة حاسمة في تطوير اللقاح”.
وأُعطي اللقاح لحوالي 43500 شخص في ستة بلدان، ولم تكن هناك تحفّظات صحية على مفعوله. وهو يستخدم نهجًا تجريبيًا بالكامل، من خلال حقن جزء من الشفرة الجينية للفيروس في الأشخاص، بهدف تدريب جهاز المناعة في حال الإصابة.
التحليل المبكر لتجربة لقاح فيروس كورونا يشير إلى أنّ اللقاح كان فعّالًا بقوة في الوقاية من Covid-19، وهو تطوّر واعد، بعدما انتظر العالم بقلق أيّ أخبار إيجابية عن جائحة أودت بحياة أكثر من 1.2. مليون شخص
وتعتقد شركة فايزر أنها “ستكون قادرة على توفير 50 ??مليون جرعة بحلول نهاية هذا العام، ونحو 1.3 مليار بحلول نهاية عام 2021”.
ويجب أن “تحصل المملكة المتحدة على 10 ملايين جرعة بحلول نهاية عام 2020، مع طلب 30 مليون جرعة أخرى بالفعل”.
تعاون أميركي- ألماني
في ألمانيا، وفي موازاة عمل “فايزر” الأميركية، كان الرئيس التنفيذي لشركة “بيونتك” أوغور شاهين وزوجته المديرة الطبية أوزلم تورجي (التركيان في الأصل)، قد جمعا فريقًا من 40 شخصًا للعمل على اللقاح، وأطلقا عليه اسم “مشروع سرعة الضوء (Project Lightspeed).
ركّزت التجربة على مادة وراثية تسمى Messenger RNA، وهي تجري في خلايا العضلات، التي تعاملها كإرشادات لبناء بروتين، وهو بروتين موجود على سطح فيروس كورونا. تقوم البروتينات بعد ذلك بتنشيط جهاز المناعة، ويُعتقد أنها تؤدّي إلى حماية طويلة الأمد ضد الفيروس.
حدّدت “بيونتك” بسرعة 20 لقاحًا مرشّحًا، وبدأت في اختبارها على القوارض. لكن الشركة كانت تفتقر إلى الخبرة والموارد لإجراء تجربة سريرية كبرى بسرعة. لذلك اتصلت بشركة “فايزر”. كانت الشركتان تعملان على تطوير لقاح ضدّ الإنفلونزا منذ عام 2018. وفي غضون يوم واحد من اتصال شاهين بالدكتور يانسن في شركة “فايزر”، وافقت الشركتان على المشاركة في لقاح ضدّ فيروس كورونا. وفي منتصف آذار، أعلنت الشركات عن شراكتهما.
ركّزت التجربة على مادة وراثية تسمى Messenger RNA، وهي تجري في خلايا العضلات، التي تعاملها كإرشادات لبناء بروتين، وهو بروتين موجود على سطح فيروس كورونا. تقوم البروتينات بعد ذلك بتنشيط جهاز المناعة. ويعتقد أنها تؤدي إلى حماية طويلة الأمد ضد الفيروس
بعد التجارب البشرية المبكرة، ظهر أنّ اثنين من اللقاحات المرشّحة أنتجا استجابة مناعية قوية، بما في ذلك الأجسام المضادة للفيروس والخلايا المناعية القوية المعروفة باسم الخلايا التائية (T Cells). اختاروا النوع الذي يحتوي على آثار جانبية أقل لبدء تجربة مع أكثر من 30 ألف متطوّع في الولايات المتحدة والأرجنتين والبرازيل وألمانيا. وفي أيلول، قامت الشركة بتوسيع التجربة إلى 44000 مشارك.
تحفّظ وتحفّز بريطانيا
تتناول الصحافة البريطانية الخبر بسؤال: “هل تعود الحياة الى طبيعتها بحلول الربيع؟”،. وهو تساؤل غير مؤكّد أمام الإنجاز الأميركي – الألماني، ألحقته صحيفة “تلغراف” البريطانية بصيغة الترجيح، إذ علّقت: “يمكن أن يكون هذا الاختراق مفيدًا في المساعدة على عودة بريطانيا إلى طبيعتها”.
وأوردت الصحيفة عن لسان نائب كبير المسؤولين الطبيين، جوناثان فان تام، أنّ هناك أملًا في الحصول على لقاح ضدّ فيروس كورونا بحلول عيد الميلاد، وسط حذر من رئيس الوزراء بوريس جونسون بشأن “عقبات يجب التغلّب عليها”.
أيضا، في مؤتمر صحافي من مقرّ داونينغ ستريت، قال جونسون إنّ “الوصول إلى لقاح كورونا الأخير من فايزر وبيونتك لا ينبغي اعتباره “سباقًا محليًا” أو “ضربة قاضية” أو “تسديدة في بطن المرمى”.
كما قال البروفيسور فان تام إنّه “متفائل ولكن غير متأكد بعد من أننا قد نرى بعض اللقاحات بحلول عيد الميلاد”. في المقابل، طلبت حكومة المملكة المتحدة 40 مليون جرعة من لقاح فايزر – تكفي لنحو ثلث سكان المملكة المتحدة. وقال رئيس الوزراء: “إذا اجتاز لقاح فايزر جميع اختبارات السلامة الصارمة وثبتت فعاليته، فسنبدأ برنامجًا لتوزيع اللقاح بقيادة هيئة الخدمات الصحية الوطني (NHS) على مستوى المملكة المتحدة”.
مهاجران يخترعان اللقاح
جدير بالذكر أنّ الثنائي شاهين وتورجي اللذين يقفز وراء تطوير اللقاح، هما مهاجران من تركيا الى ألمانيا.
أغور شاهين (55 سنة) ولد في مدينة اسكندرونة، التابعة لمنطقة سورية معروفة باسم “لواء اسكندرون” التي احتلتها تركيا في 1939 وغيّرت اسمها. هاجر بعمر 4 سنوات مع أبيه الذي اشتغل في مصنع سيارات “فورد” بألمانيا، بحسب ما ذكرت صحيفة Welt الألمانية.
والدكتورة أوزلم تورجي، هي ابنة طبيب تركي هاجر من اسطنبول إلى ألمانيا ودرست الطب في جامعة Saarlandes، حيث تعرفت إلى أوغور شاهين، قبل أن يتزوجا في العام 2002.
تتناول الصحافة البريطانية الخبر بسؤال: “هل تعود الحياة الى طبيعتها بحلول الربيع؟”،. وهو تساؤل غير مؤكّد أمام الإنجاز الأميركي – الألماني، ألحقته صحيفة “تلغراف” البريطانية بصيغة الترجيح، إذ علّقت: “يمكن أن يكون هذا الاختراق مفيدًا في المساعدة على عودة بريطانيا إلى طبيعتها
تورجي الطبيبة المحاضرة في جامعة ماينز، قالت لموقع wissenschaftsjahr الدنماركي: إنّها تأثّرت بوالدها، الذي عمل كطبيب. وأضافت: “عندما كنا أطفالًا كنا نلعب بين المرضى. لم يكن هناك فصل صارم بين العمل والحياة في منزلنا”.
في تقرير الصحيفة أيضاً، أنّ الزوجين أسسا في 2008 شركة “بيونتك” لتطوير أجسام “وحيدة النسيلة ضدّ السرطان”، ومن خلالها يأملان أن يعيد العالم “إلى ما كان عليه قبل كورونا.”
خيبة ترامب
وليس سرّاً أنّه في السباق الرئاسي الأميركي، تقدّم جو بايدن في محاولته للتفوّق على نهج دونالد ترامب في مكافحة الفيروس واستمالة الناخبين، وكان وضع للرئاسة خططًا لتطوير وتوزيع اللقاح إذا فاز في انتخابات تشرين الثاني.
إقرأ أيضاً: “فايزر” تعلن نجاح لقاح كورونا بنسبة 90%.. ماذا عن لبنان؟
أمر دفع بترامب في وقت سابق من هذا الشهر، بإلقاء باللوم على السياسة في فشله في احتواء الفيروس، ما يؤكد ما قاله ألبرت بورلا، الرئيس التنفيذي لشركة “فايزر”، في حديث لـ “نيويورك تايمز”، حول سؤال ترامب الملحّ بشأن اللقاح. قال بورلا: “في كلّ مرّة تحدثت مع الرئيس، أخبرته أنّه لا ينبغي أن يقلق بشأن تنازلنا عن السلامة أو الفعالية، لكننا سنفعل ذلك بالسرعة التي يسمح بها لنا العلم”.
هذا وفي مقطع فيديو على تويتر بعد فترة وجيزة من خروجه من المستشفى بعد تعافيه من كورونا، قال ترامب: “أعتقد أنه يجب أن نحصل عليه (اللقاح) قبل الانتخابات”. “لكن بصراحة، السياسة تتدخل، ولا بأس بذلك، يريدون أن يلعبوا ألعابهم. سيكون ذلك بعد الانتخابات مباشرة”، وهذا بالفعل ما حدث.