إلى جانب الناخبين الأميركيين، تترقّب دول العالم النتيجة النهائية لسباق الرئاسة الأميركية، مع ارتفاع حظوظ المرشّح جو بايدن بوجه منافسه الرئيس الجمهوري دونالد ترامب الساعي إلى ضمان ولاية ثانية.
تبدو النتيجة حتّى الساعة بعيدة المنال عن ترامب، إن لم تطرأ تحوّلات مفصلية على نتائج الانتخابات. وعلى مرّ العهود الرئاسية في الولايات المتحدة، لطالما شكّل الشرق الأوسط محوراً رئيسيًا في السياسات الخارجية للرؤساء المتعاقبين على المكتب البيضاوي، وهي التي ستشهد تغيّرات واسعة في حال حسم بايدن بشكل رسمي ونهائي نتيجة الانتخابات، وخصوصًا تغيّر السياسات أثناء ولاية دونالد ترامب الذي كان يسير عكس سلفه باراك أوباما.
لبنان: لا انفراج قريباً والعقوبات مستمرة!
لا ينبغي “المقامرة” على أيّ تغيّر استراتيجي أميركي في التعامل مع لبنان. فللولايات المتّحدة مصالحها، وهذا ما يحدّ من قدرة جو بايدن – إن تولّى الرئاسة – على الخروج من السياسات التي أرساها دونالد ترامب خلال السنوات الـ 4 الماضية. وبحال كان بايدن يريد إرساء بعض التغييرات، فإنّ شيئًا لن يتبلور قبل عامٍ على أقلّ تقدير. فإنّ الرئيس لن يستلم منصبه رسميًا قبل حلول 20 كانون الثاني، ومن بعدها ستتوالى الإجراءات الإدارية لتعيين فريق العمل وأركان الإدارة الجديدة الذين سيخضعون لجلسات الاستماع الروتينية في الكونغرس.
وفي الإطار نفسه، فإنّ الاستمرار في السياسات الحاليّة هو أمر محتوم حتّى الانتهاء من “ورشة التعيينات”، واتضاح أيّ نهج سيسير الرئيس، على الرغم من الخلافات التي ستشهدها أميركا، كما الحال اليوم، كنوع من هزّات ارتدادية بعد الانتخابات. إلّا أنّ المؤسسات تبقى المُقرّر الأوحد لمصالح البلاد.
بالإضافة إلى ما سبق، فإنّ لبنان لا يُشكّل “أولوية قصوى” في أجندة الإدارة الأميركية. وعلى الرغم من زيارة “الديفيدين” هايل وشينكر مؤخرًا إلى لبنان، فإنّ موضوع ترسيم الحدود الذي يسير وفق ما هو مرسوم له حتى الساعة، مفصولٌ عن أيّ مسار آخر يتعلّق بلبنان. وهذا ما أكده أكثر من مسؤول أميركي، وآخرهم ديفيد شينكر الذي أشار في الوقت نفسه إلى استمرار سياسة الضغط بالعقوبات على حزب الله وحلفائه، وأنّ هذا الأمر لن يتوقّف في المستقبل القريب. وحتّى إن تولّى بايدن الرئاسة، فهو لن يتخلى بسهولة متناهية عن سياسة الضغط على حزب الله، وذلك لكون العقوبات تحلّ مكان العمليات العسكرية. بل إنّه قد يستغلّ هذه العقوبات للوصول إلى نتيجة في وقت لاحق.
ويرى المراقبون أنّ بايدن العارف بتفاصيل السياسة اللبنانية، يختلف في الملفّ اللبناني على نقطة واحدة مع إدارة ترامب، وهي أنه لا يرى مصلحة لانهيار لبنان بشكل كامل. إلا أنّ هذا الخلاف لا يعني أنّ بايدن سيُغدق المليارات على لبنان، بل إنّه قد يتعاطى بأقل حديّة من ترامب، ولكن ليس بتراخٍ وودّ. فهو يتفق مع ترامب على عدم خوض الحروب في الشرق الأوسط. وعليه، من المُرجّح أن يواصل بايدن العمل ضمن سياسة “المنطقة الرمادية” التي تشمل فرض العقوبات المالية والاقتصادية، والأعمال الأمنية، والهجمات السيبرانية، والعمل من خلال الوكلاء، لكن باختلاف في الأولويات ومستوى أسلوب التنفيذ.
وتجدر الإشارة إلى أنّ وصول بايدن إلى البيت الأبيض يعني عودة وجوه ديمقراطية ضالعة بالشأن اللبناني، وترسيخ أدوارهم السياسية، مثل وكيل وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد هايل، والذي يُوصف بأنّه كان مكبّلًا مع الهيمنة “الجمهورية” على دوائر الخارجية أثناء قيادتها من قبل المتشدّد مايك بومبيو صاحب سياسة “الضغط الأقصى”، وهي التي كانت تلقى نوعًا من التحفّظ من قبل هايل الذي يتخوّف من الفوضى في لبنان التي يعتبرها الديمقراطيون من مصلحة حزب الله.
ويقول المراقبون إنّ أحد أبرز المؤشرات على تكبيل أيدي” الديمقراطيين” في السياسة اللبنانية، كان استبدال السفيرة السابقة إليزابيث ريتشارد بدوروثي شيا، والتي انتهجت مسارًا مختلفًا من الجذور في التعاطي مع الملف اللبناني. ولعلّ المواجهة الإعلامية مع الحزب قبل أشهر في قضية “شيا-القاضي مازح”، وما رافقها من تصريحات نارية استدعت تدخل الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله ليعود ويردّ عليه مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر بشكل مباشر وبتصريحات وعبارات غير مسبوقة في عملية “الكباش” بين الولايات المتحدة والحزب. ويتوقّع المراقبون أن تعود ريتشارد للواجهة أيضًا، إلا أنّ عودة “الديمقراطيين” لن تكون سريعة بسبب الإجراءات الإدارية وهيمنة الجمهوريين على مجلس الشيوخ، بالإضافة إلى عدم أرجحية استبدال ديفيد شينكر من منصبه بسبب الخبرة الواسعة التي يمتلكها في التعامل مع اللبنانيين. وهناك سابقة أيضًا في هذا الشأن، إذ تولّى السفير السابق الجمهوري جيفري فيلتمان منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى أثناء ولاية الديمقراطية هيلاري كلينتون في الخارجية. ما يعني أنّ لبنان سيكون مع “كوكتيل دبلوماسي” في الخارجية بين الجمهوريين والديمقراطيين، أي عدم تغيّر السياسة الأميركية تجاهه بشكلٍ جذري، وهذا كان محور كلام ديفيد شينكر بعد فرض العقوبات على النائب جبران باسيل.
لبنان لا يُشكّل “أولوية قصوى” في أجندة الإدارة الأميركية. وعلى الرغم من زيارة “الديفيدين” هايل وشينكر مؤخرًا إلى لبنان، فإنّ موضوع ترسيم الحدود الذي يسير وفق ما هو مرسوم له حتى الساعة، مفصولٌ عن أيّ مسار آخر يتعلّق بلبنان
الملف الفلسطيني- الإسرائيلي
بعد عامين من توليه مقاليد الحكم في الولايات المتحدة، نفّذ الرئيس دونالد ترامب واحدة من أكثر قرارات إدارته المثيرة للجدل بنقله سفارة بلاده إلى القدس من تل أبيب، وهو ما أثار سخط العالمين العربي والإسلامي يومها، تبعه عرض لـ “خطة السّلام” أو ما يُعرف بـ”صفقة القرن” التي يرى كثيرون حول العالم أنها تضرب كلّ آمال التوصّل لاتفاق سلام عادل قائم على حلّ الدولتين، ويحفظ حقوق الشعب الفلسطيني.
سياسات ترامب المنحازة لإسرائيل أدّت إلى رفض السلطة الفلسطينية أيّ وساطة للولايات المتحدة في أيّ مفاوضات مستقبلية. وفي الوقت نفسه، لا تبدو إسرائيل عازمة على الدخول في محادثات تغيّر من وضع ما بعد توقيع ترامب و”صديقه” نتنياهو على صفقة القرن.
موقف بايدن بخصوص الملف الفلسطيني – الإسرائيلي، كان واضحًا لجهة أنّه لن يقوم بأيّ تعديلات على قرار ترامب بنقل السفارة إلى القدس، إلّا إنّه أكّد أنّ السلام لن يكتمل أو يتحقّق سوى بحلّ الدولتين، وهو سيسعى لعودة الحوار بين واشنطن ورام الله، وإعادة فتح قنصلية بلاده في القسم الشرقي من مدينة القدس، ومكتب تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن اللذين أغلقا خلال عهد الرئيس دونالد ترامب.
موقف بايدن بخصوص الملف الفلسطيني – الإسرائيلي، كان واضحًا لجهة أنّه لن يقوم بأيّ تعديلات على قرار ترامب بنقل السفارة إلى القدس، إلّا إنّه أكّد أنّ السلام لن يكتمل أو يتحقّق سوى بحلّ الدولتين
الملف الإيراني
لعب جو بايدن دورًا محوريًا في الاتفاق النووي الذي وقّعته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما عام 2015 مع طهران إلى جانب باقي أعضاء ما يعرف بـ”الدول الـ5 + ألمانيا”، إلا أنّ انسحاب ترامب أحادي الجانب من الاتفاق، أعاد خلط الأوراق فيما خصّ الملف الإيراني برمّته. إذ أدّى لإعادة فرض العقوبات الأميركية، وتشديد وتيرتها بشكل غير مسبوق، ما أسفر عن توتر كبير في العلاقات بين واشنطن وطهران، وصل إلى تصعيد و”تبادل للكمات” في دول شرق أوسطية كسوريا والعراق واليمن. والنتيجة كانت قتل قائد قوّة القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بغارة أميركية قرب مطار بغداد، واستهداف إيران لقاعدة عين الأسد الأميركية في الأنبار، بالإضافة إلى القصف المتكرّر للمواقع العسكرية ومحيط السفارة الأميركية بصواريخ الكاتيوشا من قبل ميليشيات موالية لطهران في العراق.
ولطالما انتقد نائب الرئيس السابق سياسة ترامب تجاه إيران مشيرًا في أكثر من مناسبة إلى أنّها لا تؤدي إلى نتيجة سوى “تملّص” النظام الإيراني من التزاماته بالاتفاق الذي يعتقد بايدن أنّه كافٍ لمنع طهران من امتلاك قنبلة نووية. وقد أكّد بايدن أكثر من مرة أنّه في حال انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة، فسيقوم بـ “تقديم طريق موثوق” به إلى طهران للعودة إلى الدبلوماسية. وفي حال عادت إيران إلى الامتثال للاتفاق النووي، فستعاود واشنطن الانضمام إليه كنقطة انطلاق لمفاوضات المتابعة.
إقرأ أيضاً: بايدن والشرق الأوسط: نهاية الطفرة النفطية؟
ويعتقد المراقبون أنّ طريق بايدن نحو طهران لن تكون سهلة، وأنّه لن يكون متراخيًا معها، فالأوضاع في الشرق الأوسط بشكل عام، وفي الخليج بشكل خاصّ، اختلفت عمّا كانت عليه قبل 4 أعوام، إذ إنّه سيأخذ بعين الاعتبار، توقيع دولة الإمارات ومملكة البحرين معاهدة “أبراهام” مع إسرائيل. كما أنّه سيطالب بتقييد برنامج إيران الصاروخي وسحب الميليشيات المنتشرة في أكثر من بقعة جغرافية في الشرق الأوسط لتخفيف وطأة العقوبات على طهران. وفي حال خروج ترامب من البيت الأبيض، فسيكون قد ترك الملف الإيراني أكثر تعقيدًا مما كان عليه قبل عام 2015، وسيكون على بايدن إذا دخل البيت الأبيض، أن يفكّك العديد من الألغام في طريقه نحو طهران، عبر التشدّد تجاهها، وعدم التراخي في ملفات البرنامج النووي، والصواريخ الباليستية، والأذرع التابعة لها، التي تتوزّع في الشرق الأوسط، إنّما بشروط أخفّ من تلك التي فرضها دونالد ترامب. وذلك لكون بايدن، ومعه الحزب الديمقراطي، لا يرى الأمن الأميركي من منظار إسرائيلي مع أخذه بعين الاعتبار المصالح الإسرائيلية، بعكس ما هو الحال مع إدارة ترامب.
وفي الوقت عينه، فإنّ أيّ تسوية مع الإيرانيين ستستدعي تكثيف الأميركيين الضغوط على أذرع طهران كي لا تستفيد من تداعيات أيّ انفتاح محتمل عليها، ما يعني أنّ وصول بايدن لا يعني توجّه أميركي للتساهل مع حزب الله.