“اقتربنا من النموذج الإيطالي“، “نحن في بداية مناعة القطيع“، “نحن على شفير النموذج الإسباني“، كلها شعارات نسمعها من خبراء وأطباء من دون معرفتنا ماذا تعني وما الفرق بينها؟ فيكاد المرء يشكّ بأنّ الهدف قد يكون ترهيب الناس وإغراقهم بالمصطلحات التقنية المبهمة.
إقرأ أيضاً: حزّورة العام: ما جنسية لقاح كورونا القادم إلى لبنان؟
حين يُقال “النموذج الإسباني” يُقصد بذلك عدد الإصابات نسبة لعدد السكان، لأنّ إسبانيا قبل أشهر، سجّلت أعلى نسبة إصابات مقارنة بعدد سكانها، فسُمّي النموذج باسمها. لكن هذه الخلاصة تبدو أشبهَ بترف إحصائي لا علاقة له بدراسة انتشار الوباء بشكل مباشر. فما الفرق إن كان السكان مليوناً أو مليارَ نسمة طالما أنّ الذي يُعتدّ به هو عدد المصابين بداية، ثم عدد المتعافين أو ما يُسمّى باللغة الإنكليزيةclosed cases، وخصوصاً عدد الوفيات والنسبة بينهما، لأنهما الثابتان الأساسيان في دراسة الفيروس؟
نلاحظ أنّ أغلب وسائل الاعلام تركّز على عدد المصابين، من دون الاهتمام، غالباً، بعدد المتعافين الذي لا يُحسم من الرقم الأول، وإنما يُراكم فوقه، ويقال إنّ ذلك تنفيذاً لتعليمات “منظمة الصحة العالمية” ومن غير المعروف لماذا؟
يعني على سبيل المثال: قد نعرف بالتأكيد من خلال الضخّ الإعلامي أنّ عدد الإصابات في لبنان بات إلى حين كتابة هذه السطور نحو 65 ألفاً، لكن على الأرجح سيفوت الاعلام نفسه إخبارنا أنّ عدد المتعافين إلى اليوم أيضاً هو نحو 30 ألفاً (أي ما يعادل النصف تقريباً). وهذا رقم أكبر بكثير على المستوى العالمي، حيث عدد المصابين بات إلى اليوم قرابة 41.1 مليون فيما عدد المتعافين 30.7 مليون، أي إنّ نسبة المتعافين تشكّل 71%، وهذا أمر إيجابي جداً.
أغلب وسائل الاعلام تركّز على عدد المصابين، من دون الاهتمام، غالباً، بعدد المتعافين الذي لا يُحسم من الرقم الأول، وإنما يُراكم فوقه، ويقال إنّ ذلك تنفيذاً لتعليمات “منظمة الصحة العالمية” ومن غير المعروف لماذا؟
في المبدأ، فإنّ لغة الأرقام لا تكذب أبداً. وعليه، وبالعودة إلى رديّة “النموذج الاسباني“، تؤكد الإحصاءات أنّ إسبانيا باتت تحتلّ اليوم المركز 5 عالمياً من حيث عدد الوفيات، نسبةً لعدد سكانها، بمعدل 732 وفاة لكلّ مليون إصابة، فيما البيرو تحتلّ المركز الأول بـ1057 وفاة بالمليون، وإيطاليا في المركز 13 بـ607 وفيات بالمليون.
أما لبنان الذي يُرهّب مواطنيه وفق هذا النموذج، فيحتلّ المركز 66 عالمياً بـ77 وفاة بالمليون، وهو رقم بعيد جداً عن النموذجين الإسباني والإيطالي على السواء، ولا نعلم سبب تشبيهنا بهما.
حتى إسرائيل القريبة منا جغرافياً ومناخياً وجينياً وديموغرافياً، هي الأخرى بعيدة عن تصنيف لبنان، بـ256 وفاة بالمليون وتحتلّ المركز 30 عالمياً، وهي أرقام مستقاة من مركز Statita الأميركي للأبحاث والإحصاءات (أغلبية الدول في أسفل الجدول أفريقية).
أما رديّة “النموذج الإيطالي“، فتُستخدم للاستدلال إلى انهيار النظام الصحي. ولذا تشير إلى ارتفاع عدد الوفيات السريع الذي شهدته إيطاليا بداية الأزمة. لكن ما يفوت المروّجين لهذه “الردّية”، هو أنّ أزمة القطاع الصحي في لبنان، سببها الأزمة الاقتصادية وسعر صرف الدولار، يضاف إليها رفض المستشفيات الخاصة، ذات الأسرّة الفارغة، استقبال مرضى كورونا، وليس انهيار القطاع الصحي مثلما حصل في الدول الأروبية بدايات الأزمة، يوم كان الفيروس مجهولاً والرعب في أوجّه.
لبنان الذي يُرهّب مواطنيه وفق هذا النموذج، فيحتلّ المركز 66 عالمياً بـ77 وفاة بالمليون، وهو رقم بعيد جداً عن النموذجين الإسباني والإيطالي على السواء، ولا نعلم سبب تشبيهنا بهما
أما إذا اعتمدنا عدد الإصابات في لبنان كمحطة، أو كمقياس للمقارنة، فإنّ موقع Worldometer المتخصّص بإحصاءات كورنا، يكشف أنّ عدد الوفيات في إيطاليا بلغ 6100، يوم كان عدد الإصابات قرابة 64 ألفاً (نسبة لعدد الإصابات في لبنان اليوم) وذلك في 23 آذار، ثم ارتفع في غضون 15 يوماً إلى 15 ألف وفاة.
وحين كان عدد الإصابات نحو 64 ألفاً في فرنسا (30 نيسان)، سُجل 6500 وفاة، وارتفع العدد في غضون 15 يوماً إلى 19300 وفاة.
وفي ألمانيا بلغ عدد الاصابات قرابة 65 ألفاً في 30 آذار الفائت، وكان عدد الوفيات الأقرب إلى لبنان اليوم بـ645 وفية، لكن الرقم ارتفع بشكل كبير وسريع إلى 3800 في 15 يوماً.
ويوم سجّلت إيران 64 ألف إصابة كان ذلك في 8 نيسان، وكان عدد الوفيات 4000 وارتفع إلى 5480 في 15 يوماً أيضاً.
أما السويد التي كانت تعتمد نهج “مناعة القطيع” ولم تتخذ إجراءات مشددة، فسجّلت 64 ألف إصابة في 25 حزيران و5411 وفاة لكنّها إلى اليوم سجلت رقم 5900 وفاة فقط. وبالتالي يمكن القول إن السويد هي الدولة الوحيدة التي استطاعت أن تسطّح فعلاً منحنى الوفيات.
لا يمكن تشبيه لبنان بالدول الأوروبية مثل إيطاليا أو إسبانيا، لاختلاف الظروف والمؤشرات. فالمجتمع اللبناني لا يشبه ذاك الأوروبي المتخم بكبار السنّ، وهذا ظاهر بشكل فاقع في بيانات الهرم السكاني
إسرائيل، وهي النموذج الأقرب الآن إلى النموذج اللبناني مع فارق يتعلّق بعدد الفحوصات. فقد سجلت في 25 تموز 65 ألف إصابة توفي منهم 457 فقط ولم يرتفع الرقم في 15 يوماً أكثر من 613 حالة وفاة، كما أنّ عدد الاصابات فيها اليوم بات 308 آلاف مع 2328 حالة وفاة في غضون 3 أشهر.
خلاصة الحديث، أنّه لا يمكن تشبيه لبنان بالدول الأوروبية مثل إيطاليا أو إسبانيا، لاختلاف الظروف والمؤشرات. فالمجتمع اللبناني لا يشبه ذاك الأوروبي المتخم بكبار السنّ، وهذا ظاهر بشكل فاقع في بيانات الهرم السكاني. كما أنّ توقيت ذروة الإصابات مختلف أيضاً، إذ ضرب أوروبا في بدايات الربيع فيما وصل إلى الشرق الأوسط في نهايته أي في مطلع الصيف.
الأهم من هذا كله هو التشابه الكبير بيننا وبين إسرائيل ديموغرافياً وجينياً ومناخياً. وعليه، فإذا افترضنا أنّ لبنان “مطبّع كورنياً” مع إسرائيل، فإنّ السيناريو الذي ينتظرنا في الأشهر الثلاثة المقبلة هو السيناريو الإسرائيلي ضمن سقف 2300 حالة وفاة، ليبقى عدد الإصابات مجهولاً، لارتباطه بعدد الفحوصات الذي تتفوّق إسرائيل به عالمياً، وتسجّل أرقاماً تصل إلى حدود 476 ألف فحص لكلّ مليون، في حين يسجل لبنان 163 ألفاً بالمليون فقط.
*ملاحظة: الأرقام الواردة أعلاه وفقاً لإحصاءات يوم الخميس 22 تشرين الأول.