22 تريليون ليرة “ضائعة”… احتكار أم تحضير للّعب بنار الدولار؟!

مدة القراءة 5 د


منذ أيام، وبالتزامن مع قرار مصرف لبنان تقنين أوراق الليرة اللبنانية في السوق اللبنانية، صرّح أمين صندوق جمعية المصارف تنال الصبّاح، عن وجود 22 تريليون ليرة مفقودة، خرجت من مصرف لبنان والمصارف ولم تعُد.

حمل هذا الإعلان أكثر من دلالة: فإما أنّ لسان الصبّاح قد زلّ، ربما عن غير قصد، في وقت غير مناسب. أو أنّ حجم الكتلة النقدية المتداولة في السوق بات كبيراً إلى درجة مرعبة. وإمّا أنّ هذه الأموال ستستخدم في سوق المضاربة. فاستفاقت حاكميّة مصرف لبنان لتوهم الناس بمدى حرصها على منع التضخم وتحليق سعر الدولار وفقا لمقولة: “أللهم اشهد أنّي حاولت”.

إقرأ أيضاً: “المُقامرون” يُخضِعون الدولة: 2 مليار دولار عوائد الرهان على الإفلاس

بحسب أرقام مصرف لبنان، فإن حجم الكتلة النقدية المتداولة لغاية أيلول 2020 بلغت 22 تريليون ليرة. فيما تحوي الحسابات المصرفية على 10 تريليونات. وللتذكير، وبحسب الأرقام “المعلنة” قبل تشرين 2019، كان حجم الكتلة النقدية المتداولة 6.2 تريليون ليرة، أي أنّ مصرف لبنان طبع في عام واحد 16 تريليوناً.

هنا، تُطرح تساؤلات مشروعة حول قانونية الطباعة التي تمّت في ظلّ فراغ في المجلس المركزي وغياب نواب الحاكم. 

لكن إذا كان ما أعلنه الصبّاح مقصوداً، فهل يعني ذلك أنّ حجم الكتلة النقدية المتداولة 54 تريليوناً؟!

في جميع الأحوال، مرّ “الرقم” مرور الكرام. إلا أنّ هذا التخبّط ما بين الأرقام الرسمية المعتمدة وتلك الحقيقية، بالإضافة إلى ترنّح جمعية المصارف في تصاريحها وبياناتها، يطرح أكثر من علامة استفهام حول مستقبل جمعية المصارف ودورها وضرورة محاسبة أعضائها الذين قامروا بأموال المودعين فخسروا الرهان. وكلّ ذلك مع استمرار التواطؤ مع مصرف لبنان، وبعدما فقدت الجمعية مصداقيتها. فأين اللجنة البرلمانية الكنعانية (برئاسة ابراهيم كنعان) من هذه المغالطات الرقمية!

في حال فُقد 22 تريليون ليرة من النظام المصرفي، فذلك يعني أنّ كبار الصرّافين المرخّصين وغير المرخّصين يجمعون الأموال للمضاربة فور رفع الدعم نهائياً

بحسب مصدر مصرفي مطّلع: “يفتقر مصرف لبنان إلى الأوراق النقدية بالليرة اللبنانية. وهذا ما جعله في الواقع يطلب من الشركات المستوردة للسلع المدعومة تأمين الأموال اللازمة نقداً. أي أنّ ما يُحكى في الحقيقة عن محاولة لجم التضخم ليس سوى مزيد من التحايل على اللبنانيين وحرف لأنظارهم عن مستقبل سعر الصرف”. إلى ذلك، يشير المصدر لـ”أساس” إلى أنّ وزارة المالية غطّت الحاكمية للاستمرار بخلق النقد إلا أنّ ذلك يتطلّب بضعة أشهر، فكان التقنين لحين ولادة “الطلبيّة” الجديدة عبر التحكّم بالمعروض النقدي”.

وفي العودة إلى حجم الكتلة النقدية المتداولة، وإن صحّ ما قاله الصبّاح، رغم تطميناته في البيان عينه بأنّ الليرة موجودة، وفي حال فُقد 22 تريليون ليرة من النظام المصرفي، فذلك يعني أنّ كبار الصرّافين المرخّصين وغير المرخّصين يجمعون الأموال للمضاربة فور رفع الدعم نهائياً. في هذا السياق، تكون نظرية تخبئة المواطنين لـ”هذه” الأموال في المنازل… غير صحيحة.

هكذا يلعب محتكرو العملة بالأمن النقدي والاقتصادي والاجتماعي للبلاد. لذا لن يكون رقم 46 ألف ليرة للدولار كما توقّع “Bank of America” منذ فترة مبالغاً فيه خاصة في جو عدم الاطمئنان إلى إقرار قوانين الإصلاح المطلوبة من صندوق النقد الدولي والدول الداعمة. فمحلات الصيرفة نجحت في أن تنشئ وهم أنّها “مبنية على العرض والطلب”. هكذا فرضت سعراً ثانياً للدولار، علماً أنّ الصرافين لا يملكون “آلية” لتحديد العرض والطلب. لذا، فإنّ هذا التحديد وهميّ وغير مبنيّ على أُسس واضحة.

تهريب الأموال من الخارج بحسب الخبراء، منوط بعمليات تبييض الأموال وزجّها في السوق اللبنانية للاستفادة من الأزمة المالية

وعَن مصادر تمويل عمل الصرّافين: يتمثّل المصدر الأول بالمال الموجود لدى “النظام المصرفي”. وفي هذه الحالة، لا يمكن نفي وجود احتمال تواطؤ مع المصارف الكبرى. أما الثاني، فناجم عن إدخال الأموال إلى لبنان عبر الحدود، خصوصاً البريّة منها، مع ما تتطلّبه هذه الآلية من تكلفة، كبدل نقل الدولارات، تُترجم في نهاية المطاف برفع سعر الدولار في السوق الموازية باتفاق مع المصارف وبغطاء من البنك المركزي.

تهريب الأموال من الخارج بحسب الخبراء، منوط بعمليات تبييض الأموال وزجّها في السوق اللبنانية للاستفادة من الأزمة المالية. وفي كلا الحالتين، ليس هناك من رقابة على مصادر الأموال المتداولة بالعملتين الوطنية والأجنبية، في سوق الصيرفة. علماً أنّ الصرّافين يخضعون لأحكام قانون الإثراء غير المشروع.

أما الحلّ، فلا يمكن أن يبدأ إلا من منصة شرعية تحدّد سعر الصرف وفقاً لآلية العرض والطلب. والأهم الإسراع في محاكمة المحتكرين، وتتبّع أموالهم، ومصادرتها إن لزم الأمر، بما أنّ المداهمات التي قامت بها النيابة العامة المالية منذ فترة لعدد من محلات الصيرفة ليست سوى “عنتريّات” منحت الصرّافين النافذين حصانة مجانية، ووهبت اللوبي المصرفي وقتاً إضافياً.

مواضيع ذات صلة

هذه هي الإصلاحات المطلوبة في القطاع المصرفيّ (2/2)

مع تعمّق الأزمة اللبنانية، يصبح من الضروري تحليل أوجه القصور في أداء المؤسّسات المصرفية والمالية، وطرح إصلاحات جذرية من شأنها استعادة الثقة المفقودة بين المصارف…

لا نهوض للاقتصاد… قبل إصلاح القطاع المصرفيّ (1/2)

لبنان، الذي كان يوماً يُعرف بأنّه “سويسرا الشرق” بفضل قطاعه المصرفي المتين واقتصاده الديناميكي، يعيش اليوم واحدة من أخطر الأزمات النقدية والاقتصادية في تاريخه. هذه…

مجموعة الـ20: قيود تمنع مواءمة المصالح

اختتمت أعمال قمّة مجموعة العشرين التي عقدت في ريو دي جانيرو يومي 18 و19 تشرين الثاني 2024، فيما يشهد العالم استقطاباً سياسياً متزايداً وعدم استقرار…

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…