“المُقامرون” يُخضِعون الدولة: 2 مليار دولار عوائد الرهان على الإفلاس

مدة القراءة 5 د


كيف تعامل لبنان مع دينه الخارجي بعد 7 أشهر من إعلان امتناع الدولة عن الدفع؟

لم يقُم لبنان بدوره السيادي في هذا الشأن. نعم، لم تفعل السلطات المختصة شيئاً سوى المزيد من طمس الأرقام والحقائق وشراء الوقت وتنفيع كبار “المتموّلين” بما أنّ هناك مَن “راهن” على الافلاس واستثمر في عدم الدفع… فأخضَع الدولة المنهوبة.

منذ العام 2018، و”مقايضة” مخاطر التسديد الائتماني لدين لبنان الخارجي المجدول للأعوام الخمسة المقبلة، تتخذ منحى تصاعدياً. ذلك يعني أنّ مصرف لبنان ومعه السلطة التنفيذية أدركا خطورة الوضع، وهما علما أيضاً منذ تلك الفترة أنّ انفجار الفقاعة الاقتصادية (Bubble Economy) بات وشيكاً. على الرغم من ذلك، لم يترفّع “البعض” عن “المضاربة” والاستثمار في احتمال عدم تسديد مستحقات الـeurobonds، فبدأت عملية شراء الـcredit default swap، أي مبادلة مخاطر الائتمان (CDS) عبر بورصة لندن. ولمن لا يعرف هذا النوع من الأوراق المالية، فالـCDS بمثابة تأمين على عدم الدفع الدولة لدينها، فاذا تعثّرت الدولة اللبنانية حصل حاملو الـCDS على التعويض المالي، وإن سدّدت مستحقاتها خسروا المراهنة.

إقرأ أيضاً: لعبة “المركزي” مع الليرة: إنفصام وانتقام!

في المبدأ، وُضعت هذه الآلية للمُكتتبين في سندات دين مشكوك التحصيل لتقليص حجم خسائرهم. إلا أنها تحوّلت إلى وسيلة للمضاربة والضغط على الدولة حتى تمتنع عن تسديد استحقاقات الـEurobonds من دون حتّى أن تكلّف نفسها عناء وضع خطة بديلة. في هذا السياق، يشير مصدر متخصّص لـ”أساس” إلى أنّ هذه الآليّة البدعة حقّقت لحاملي الـCDS عوائد لامست المليارَي دولار أميركي. هنا، تكمن “الزبدة” التي تفضح “غالبية” المطالبين بعدم التسديد.

في كانون الثاني 2020، بدأ “الثنائي” بالتسويق لاحتمال امتناع لبنان عن تسديد مستحقاته الخارجية، عبر التظاهر بحماية أموال الناس، وبالارتكاز إلى واقع أنّ صافي موجودات مصرف لبنان بالدولار وفقاً لوكالات التصنيف العالمية باتت سلبيّة

وقبل كلّ شيء، ولمن لا يتذكّر، فإنّ الثنائي الشيعي كان أوّل من سارع إلى الدعوة لعدم الدفع واستغلال حقيقة أنّ النظام المصرفي المؤلف من مصارف تجارية وبنك مركزي يحمل نحو 50% من سندات الدين الخارجي. فكانت هذه الطريقة المثلى لتفكيك المنظومة المالية المحلية… “ظاهرياً”.

وللمصادفة، فإن هذا الفريق ذاته هو الذي طرح عبر وزير المال غازي وزني اقتراح قانون “الكابيتال كونترول” قبل أن يسارع إلى سحبه. وهو أيضاً من يمنع التصويت على الاقتراح في المجلس النيابي، وهو من أدّى الدور الأكبر لإخراج لبنان من النظام المالي العالمي، ثم عرقل كلّ القرارات التي كان بوسعها أن تفرمل الانهيار وتوقف التدهور، فوقف سدّاً منيعاً بوجه حلول صندوق النقد الدولي وإصلاحاته.

ففي كانون الثاني 2020، بدأ “الثنائي” بالتسويق لاحتمال امتناع لبنان عن تسديد مستحقاته الخارجية، عبر التظاهر بحماية أموال الناس، وبالارتكاز إلى واقع أنّ صافي موجودات مصرف لبنان بالدولار وفقاً لوكالات التصنيف العالمية باتت سلبيّة. وعليه، لم يمكن للبنك المركزي أن يسدّد أيّ مستحقات باستخدام أموال ليست له، خصوصاً مع استحالة الحصول على معلومات رقمية واضحة ومفصّلة من مصرف لبنان ومن وزارة المالية. كثيرون وقعوا في “الفخ” وفقاً للنظرية التالية: وضع السيولة الصافي (Net Cash) لدى مصرف لبنان سلبي، ولذا، فإنّ أيّ صرف بالعملة النادرة سيجري عمليّاً من ودائع المصارف لدى “المركزي”… أي عمليّاً من ودائع المواطنين ومدّخراتهم.

تُطرح مسألة أخرى هي قضية بيع نسب من سندات الدين للـvulture funds، وهي صناديق ديون متعثرة تستثمر في الديون المتخلّفة عن السداد. أما العوائد فتخطّت 20% من قيمة السندات وُزّعت على السياسيين المتواطئين على حساب الدولة

لكن فات الجميع “احتمالية” ان تكون المنظومتان وغيرهما طبعاً، متآمرتَين: ففي البداية، حاربت جمعية المصارف، ومعها البنك المركزي، من أجل إقناع حكومة حسان دياب بضرورة تسديد استحقاقات الـEurobonds، لكنها ما لبثت أن انصاعت لقرار الممانعة بالامتناع. والغريب في كلّ ما جرى، صمت حاملي السندات. والمستغرب أيضاً أنه وعلى الرغم من عدم توصّل شركة “Lazard” إلى حلّ تفاوضي معهم، لم يقم دائنو لبنان بأيّ خطوة قانونية ضد الدولة المفلسة، على الرغم من التغاضي عن مخاطبتهم طوال هذه الفترة. مع الإشارة إلى أنه في حالات كهذه، يتوجّب على الدولة الإعلان عن قرار عدم السداد بعد التشاور مع دائنيها والتباحث معهم، على عكس الإجراءات اللبنانية الأحادية بالامتناع عن السداد.

في هذا السياق، تُطرح مسألة أخرى هي قضية بيع نسب من سندات الدين للـvulture funds، وهي صناديق ديون متعثرة تستثمر في الديون المتخلّفة عن السداد. أما العوائد فتخطّت 20% من قيمة السندات وُزّعت على السياسيين المتواطئين على حساب الدولة. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن وزارة المالية تملك حصة 1.5% من الدين اللبناني وسندات الـeurobonds، لذا من المرجّح أن تكون قد توّرطت هي أيضاً بعملية بيع سندات الدين.

في جميع الأحوال، تتطلّب الاستفادة من امتناع لبنان عن تسديد مستحقاته الخارجية تحقيقاً شفافاً خصوصاً وأنّ سوق الـCDS سرية وغير مكشوفة لكلّ من ليس عضواً في الجمعية الدولية للمقايضة والعقود الاشتقاقيّة ISDA (International Swaps and Derivatives Association). وبما أنّه وحتى اللحظة لا صورة واضحة حيال موجودات المركزي ولا أرقام وزارة المالية، فإنّ ذلك يجعلهما، بما يُمثّلان، شريكَين في كلّ ما جرى، ولا يزالان.

 

مواضيع ذات صلة

هذه هي الإصلاحات المطلوبة في القطاع المصرفيّ (2/2)

مع تعمّق الأزمة اللبنانية، يصبح من الضروري تحليل أوجه القصور في أداء المؤسّسات المصرفية والمالية، وطرح إصلاحات جذرية من شأنها استعادة الثقة المفقودة بين المصارف…

لا نهوض للاقتصاد… قبل إصلاح القطاع المصرفيّ (1/2)

لبنان، الذي كان يوماً يُعرف بأنّه “سويسرا الشرق” بفضل قطاعه المصرفي المتين واقتصاده الديناميكي، يعيش اليوم واحدة من أخطر الأزمات النقدية والاقتصادية في تاريخه. هذه…

مجموعة الـ20: قيود تمنع مواءمة المصالح

اختتمت أعمال قمّة مجموعة العشرين التي عقدت في ريو دي جانيرو يومي 18 و19 تشرين الثاني 2024، فيما يشهد العالم استقطاباً سياسياً متزايداً وعدم استقرار…

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…