إنها “الفرصة الأخيرة”، هكذا وصفها الرئيس سعد الحريري بعد تكليفه بتشكيل الحكومة. فرصة للبلد وله. فرصة لبنانية في إعادة استنهاض معنى السياسية ومعنى الإقتصاد وجوهر ارتباطه بالتطورات السياسية على قاعدة التوازن لا الإختزال ولا الأحلاف المختبئة في بلاد لا سرّ فيها. يمكن لهذه الفرصة أن تكون معبراً حقيقياً لتغيير جوهري، في حال أُحسنت الإدارة. ليست الفرصة بتشكيل الحكومة، بمقدار ارتباطها ببرنامجها وتشعبّاتها إقتصادياً، عسكرياً، أمنياً وسياسياً. هذه كلها ملفات داهمة، فتحها ملف ترسيم الحدود ودخول المنطقة كلها “عصر التطبيع”. ولبنان في الواجهة الأساسية لهذا العصر.
إقرأ أيضاً: مشاورات التأليف: أوّل الرقص الرئاسي “حنجلة”
على الأرجح أن يكون التطبيع اللبناني غير علني. يرتكز على نقاط عديدة:
أولاً: يؤدي الإتفاق على ترسيم الحدود إلى اعتراف لبناني بدولة إسرائيل وحدودها.
ثانياً: وقف العمليات العسكرية معها.
ثالثاً: العودة إلى مرحلة إتفاق الهدنة بعد وقف العمليات العدائية.
رابعاً: التأسيس لواقع جديد في الجنوب اللبناني برعاية الجيش اللبناني وقوات اليونيفل وتفكيك مخازن الأسلحة.
خامساً: إرساء الإستقرار بحيث سيكون ملف السلاح والإستراتيجية الدفاعية أحد العناوين الأساسية للمرحلة المقبلة وهذا ما أكده رئيس الجمهورية ميشال عون.
تشكلّ هذه النقاط البرنامج الحقيقي لأي حكومة مقبلة، وهي الحكومة التي اختارها الحريري أن تكون “حكومة الفرصة الأخيرة” له أيضاً. هو الذي يعود رئيساً لحكومة بصفتين: الرئيس، والزعيم
لا ينفصل هذا الملف، عن ملفات الإصلاح الأخرى في السياسة والإقتصاد أيضاً، فيرتبط أولاً بمراقبة المرفأ من خلال الإشراف الدولي على إعادة إعماره، وثانياً فرض مراقبة على المطار بعد كل التقارير التي تشير إلى حصول عمليات غير قانونية مهددة للامن والإستقرار ولسلامة الطيران المدني. وعلى المدى الأبعد، ترتبط هذه الملفات، بملف ضبط حركة الحدود مع سوريا، وإغلاق المعابر غير الشرعية. والإتجاه إلى ترسيم الحدود الشرقية والشمالية للبنان على غرار ترسيم الحدود الجنوبية. كل هذه العناوين ستكون متوازية مع الملفات المالية والإقتصادية المطروحة على طاولة المفاوضات بين لبنان وصندوق النقد الدولي والجهات المانحة.
تشكلّ هذه النقاط البرنامج الحقيقي لأي حكومة مقبلة، وهي الحكومة التي اختارها الحريري أن تكون “حكومة الفرصة الأخيرة” له أيضاً. هو الذي يعود رئيساً لحكومة بصفتين: الرئيس، والزعيم.
أولاً: صفة الرئاسة التي ينطلق منها، يفترض أن ينتهزها لإعادة الإعتبار إلى الموقع، بعد تجاوزات كثيرة حصلت منذ انقلاب العام 2011، وما تكرّس قبله في اتفاق الدوحة، وبعده في إدارة التسوية مع الرئيس عون وصهره. وصولاً إلى الإنقلاب على ما تكرّس مع تجربة حسان دياب. مع الإشارة إلى وجوب الإقلاع عن الصيغة التي انتهجها دياب في تشكيل حكومته والتي أطلق عليها صفة” حكومة الإختصاصيين”. فيكون للحريري تصوره المختلف جذرياً عن تلك التجربة.
ثانياً: والأهم في ما يرتكز إليه الرجل للعودة إلى موقعه، أو إلى ما وصف كونه “المرشح الطبيعي لرئاسة الحكومة”، باعتباره رئيس الكتلة السنية الأكبر وزعيم السنّة، فإنّ لتلك الزعامة مقومات لا يمكن التفريط بها. ولها آليات واضحة لحمايتها واستعادة جوهر دورها، وفق برنامج عمل واضح، يقوم على مبدأ وقف النزيف الذي تعيشه بيئة الزعامة، والخروج من حالة الهوان الذي وجدت نفسها فيه.
إنّها الفرصة الأخيرة لسعد الحريري شخصياً، لاستعادة المشهد باستعادة التفاف البيئة وأهمية الدور وموقعه وصلاحياته، واستعادة المبادرة بما يتوافق مع الدور التاريخي لرئيس السلطة التنفيذية، ولهذه الزعامة ولحماية الإرث
يأتي الحريري في ظرف بالغ الدقة والتحولات، وهو كزعيم، ورئيس للحكومة، لا يمكنه أن يكون بعيداً عن تطورات كبرى يقبل عليها لبنان تبدأ من ملف ترسيم الحدود، ملف بدا أنه محصور بين يدي مكونين أساسيين، الشيعة من خلال حركة أمل وحزب الله، والمسيحيين من خلال رئيس الجمهورية. علماً أن التحول الذي تعيشه المنطقة كلها في دخول عصر التطبيع، كان لبنان والسنّة من أساسه، وفق مرتكزات مبادرة حلّ الدولتين في فلسطين المحتلّة، أو مسار تفاوض الأرض مقابل السلام”، في التسعينيات.
إنّها الفرصة “الأخيرة لسعد الحريري شخصياً، لاستعادة المشهد باستعادة التفاف البيئة وأهمية الدور وموقعه وصلاحياته، واستعادة المبادرة بما يتوافق مع الدور التاريخي لرئيس السلطة التنفيذية، ولهذه الزعامة ولحماية الإرث.
هل سيلتقط الحريري الرابع هذه الفرصة؟
التجارب السابقة لا تؤشر إلى هذا الاستنتاج بل ربّما تؤكد على العكس. لكن لا بد من انتظار الأشهر الستة الأولى بعد التأليف…