“الثورة” و”العمالة”، ثنائية فرضت نفسها بقوّة خلال سنة من عمر ثورة 17 تشرين. وما بين محاور الأميركي الإسرائيلي، التركي، المحلي الأمني… شخصياتٌ أثارت وأثير حولها الجدل على مشهدية الشارع “الملغوم” والمتلاطم.
حاول “أساس” أن يسلّط الضوء على شخصيات كان حضورها محطّ جدل في يوميات ثورة 17 تشرين، وكان “جسمها لبّيساً” لتلقّي العديد والعديد من الاتهامات التي لحقت بها، ومن هذه الشخصيات الأستاذ الجامعي مكرم رباح، الناشط ربيع الزين، ورئيس ومؤسس “حراس المدينة” محمد شوك، فكيف تُرجمت هذه الجدلية، وبماذا يردّ أصحابها عبر موقعنا؟
إقرأ أيضاً: إعلام الثورة: هل انتصرت مواقع التواصل على التلفزيونات؟
مكرم رباح
مكرم رباح، محاضر في التاريخ في “الجامعة الأميركية في بيروت” وكبير المستشارين في شركة “كوانت كوميونيكيشنز” وكاتب في موقع “العربية” الإنكليزي، وصحيفة “النهار”. طُبعت إطلالاته الإعلامية بالحدّة تجاه الثنائي الشيعي وسلاح حزب الله، وهي التي كانت باباً لاتهامه بالعمالة لإسرائيل، وتنفيذ أجندة أميركية في لبنان، وأثار الجدل عبر “خيمة الملتقى – The Hub” في وسط بيروت التي كان هو أحد مؤسسيها، وحُرقت في كانون الأول 2019، بعد اتهام منظّميها بالترويج للتطبيع مع إسرائيل.
اتهمته جريدة “الأخبار” في أحد تقاريرها بـ”محاولة التأثير في مسار الاحتجاجات الشعبية والسعي إلى حرفها عن مطالبها الحياتية والاقتصادية والإصلاحية والتقدمية، وجعلها في خدمة المشروع الأميركي في المنطقة”، وذلك عقب إطلالته على موقع “معهد واشنطن”، الذي وصفته الصحيفة بأنّه “إحدى أذرع اليمين الصهيوني في العاصمة الأميركية”.
يرفض رباح أن يسمّي كلّ هذا بالجدلية، ويؤكد أن لا جدلية في الموضوع: “كلّ القصة أنني شخص ينتمي لمدرسة تطالب بالسيادية، تربك هذه الطبقة”. ويربط الاتهامات بصوته العالي، وكلامه الواضح، وموقفه المبدئي لا السياسي من هذه القضية: “وكانت هناك حملة مركّزة من صحافة الممانعة علينا. فاتهمتنا بالعمالة، وخلقت نوعاً ما جوّاً استعملته بعض مجموعات الثورة التي تعمل لدى الحزب، لمهاجمة الخيمة، التي لم تكن مشكلتها في المحاضرة التي تطالب بالحياد الإيجابي وإعلان بعبدا لإنقاذ البلد، بل كانت مشكلتها الأساسية مع 45 محاضرة أخرى تحدّثت عن فسادهم، وعرّتهم جميعاً في العديد من الملفات، وهذا ما لم يكن يناسبهم، علماً أنّ الأجهزة الأمنية هي من فكّ الخيمة لأنها كانت عاجزة عن حمايتنا”.
المرحلة التي مرّ بها لبنان أثبتت برأي رباح، أنه ليس هناك مجال للحديث عن أيّ إصلاح “بوجود سلاح الفساد وحزب الله المسيطر على الدولة. وأيّ كلام عن مبادرات فرنسية أو أميركية بنهاية المطاف، سيقف أمام هيمنة السلاح”
ويسخر رباح من اتهامه بتنفيذ الأجندة الأميركية والتشجيع على التطبيع، ويكرّر أنه يطالب بعقوبات على الفساد، وليس بعقوبات على ما يسمّى بمحور المقاومة، بل طالب بعقوبات على الفاسدين: “على اعتبار أنّ قضاءنا وأجهزتنا غير قادرة على وضع الفاسدين في السجون ومحاسبتهم”. ويضيف: “نحن كأشخاص ليس لدينا القدرة على التطبيع. فهذا يحتاج لمؤسسات ودول. ومن يتهمنا بالعمالة هم أنفسهم اليوم ليس لديهم أيّ مشكلة في الركض لترسيم الحدود والتطبيع مع العدو. ونحن من الأشخاص الذين نكرّر دائماً أن لا سلام من دون حقّ الشعب الفلسطيني المعنوي والمادي، وهذا لا مجال للتفاوض عليه”.
والمرحلة التي مرّ بها لبنان أثبتت برأي رباح، أنه ليس هناك مجال للحديث عن أيّ إصلاح “بوجود سلاح الفساد وحزب الله المسيطر على الدولة. وأيّ كلام عن مبادرات فرنسية أو أميركية بنهاية المطاف، سيقف أمام هيمنة السلاح”.
ربيع الزين
الناشط ربيع الزين، مواليد 1984 من جويّا جنوب لبنان، والدته شمالية من المنية، وهو من سكان المتن الشمالي. يعمل في مجال تعهّد الحفلات الفنية، والتصوير، وتأمين “حضور” مشاركين للجلوس والتصفيق خلال البرامج التلفزيونية.
برز اسمه في تظاهرات مدينة طرابلس، وعُرف بسيارته الكاديلاك، ومسدسه الحربي المرخّص من قبل وزير الدفاع السابق يعقوب الصراف بصفة “مرجع عسكري”. اتهم بأنه ينفّذ أجندات أمنية لتشويه الثورة وتخريب مسارها، ويقوم بتجنيد الثوار عبر شركته لقطع الطرقات، وتنفيذ أعمال شغب. حتى إنّ نشاطه الخيري في طرابلس، تمّ التشكيك فيه، وبأنه باب من أبواب تعبئة الشارع الجائع في طرابلس. واشتهر ربيع بإطلالاته الإعلامية الجدلية. وتصدّر المشهد الطرابلسي للمرة الأولى في أواخر تشرين الثاني من العام 2019 عندما اتهم بالضلوع في الاشتباكات بوجه الجيش، التي سقط جرّاءها عشرات الجرحى. ولدى الزين حضور افتراضي قوي على مواقع التواصل الاجتماعي، وتستحوذ صفحته على متابعة أكثر من 50 ألفاً. وما أثار الشكوك حوله أيضاً تصريحه الشهير بعد توقيفه لمدة 50 يوماً، حين امتدح جهاز أمن الدولة قائلاً: “أتمنى على الثوار أن يقولوا الحقيقة حول كيفية تعامل جهاز أمن الدولة مع الموقوفين بكل احترام ومحبة، وليس كما يُقال عادة”.
أكد شوك أنّ الثورة التي أسقطت نظريات شيطنة طرابلس، وغيّرت مفاهيم، وكسرت الخوف، ووحّدت الناس، مستمرة. لكن مع خلط الأوراق الحاصل بالشارع اليوم
يردّ ربيع الزين على هذه الاتهامات، ويؤكد في حديثه لـ”أساس” أنّ الجدل حول شخصيته سواء كان سلبياً أم إيجابياً “فهو بسبب جرأتي في مواقف قد يفهمها البعض على أنّها في محلها، والبعض الآخر يفهمها بطريقة خاطئة. أنا موجود منذ العام 2016 في الشارع، منذ حادثة إحراق جورج زريق نفسه، وأقفلنا وزارة التربية، وقمنا بتحرّكات ضدّ وزارة الداخلية في عهد الوزيرة ريا الحسن، وكان عليّ دعاوى من رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس السابق ميشال سليمان”.
ويسأل ربيع كيف يمكن أن ينفّذ أجندة أمنية والأجهزة الأمنية “ركّبت لي 7 ملفات، وضُغط على عدد من الموقوفين لزجّ اسمي بالتحقيقات. ومعظم هؤلاء عندما كنت ألقاهم في التحقيق، لا يعرفونني حتّى ولا أعرفهم”. ويبرّر امتداحه أمن الدولة بقوله: “لو أنني أعمل لصالحهم كنت تحدّثت عنهم بطريقة مسيئة لأبعد الشبهات عني، وما كنت لأقول الحقيقة”. ويكشف أنّ جهاز أمن الدولة عرض عليه أن يعمل لصالحه خلال التحقيقات، ورفض.
ويقول إنّ رخصة السلاح أمّنها لي صديقي مصباح الأحدب”، ويتحدّى “الأجهزة الأمنية ووسائل الإعلام أن تثبت توّرط موظفي شركتي في أعمال شغب”. ويغمز هنا إلى أنّ بعض أبناء الثورة يساهمون بتشويه صورته غيرةً من الحيثية التي يشكّلها في الشارع.
وعن الأعمال الخيرية في طرابلس، أكّد ربيع الزين أنه منذ 7 سنوات وهو يقوم بنشاطات خيرية إنسانية في طرابلس وخارجها. ويختم: “لا اليوم ولا بعد 10 سنين، سترونني وزيراً أو نائباً أو في أيّ منصب سياسي. فأنا مواطن عادي وسأبقى، كي تقول الناس عني بعد وفاتي عند رؤية ابني: الله يرحم بيو كان رجّال”.
محمد شوك
وعلى الموجة نفسها، موجة العمالة وشيطنة الثوار، يلمع اسم محمد شوك، وهو مسؤول ومؤسس “حرّاس المدينة”، مجموعة اتهمت بعلاقة مع السفير التركي في لبنان هاكان تشاكل، وبإجراء اجتماعات دورية معه لاستقطاب المزيد من المنتسبين للجمعية التي قيل عنها إنّها “تتلقى رشاوى ودعم مالي من النظام التركي، لمراكمة النفوذ في الشمال”. وانتشر حديث عن مبلغ 60 ألف دولار، و50 مليون ليرة حصلت عليها عبر بلدية طرابلس، واتهمت الجمعية بأنّها واحدة من الجماعات التي يحاول النظام التركي التغلغل بلبنان عبرها.
ينفي شوك هذه الاتهامت جملةً وتفصيلاً ويسخر منها أيضاً، ويؤكد بطلانها: “ولاء حراس المدينة للبنان فقط، ونحن كنا شفّافين ولا نزال. كان لدينا الجرأة لنسمّي كلّ مؤسسة أو شخص وقف إلى جانبنا. وكانت ولا تزال مخابرات الجيش والأجهزة الأمنية تدقّق في كل الأوراق اللازمة”.
يرى شوك في حديث لـ”أساس” أنّ سبب هذه الاتهامات مرتبط بنجاح حراس المدينة التي في تنظيم ساحة النور بشكل لوجستي، والحفاظ على سمعة طرابلس حتّى سميت بـ”عروس الثورة، ولذلك من الطبيعي شيطنتها”. وينفي شوك أيّ علاقة بالسفير التركي: “لم أتلقَ يوماً اتصالاً من السفير التركي، ولم ألتقِ به شخصياً ولا مرة، حتى إنني لا أعرف أين تقع السفارة التركية في لبنان”، ويطالب المتهمين بأن يأتوا بربع دليل على تقاضي الجمعية المال من تركيا.
أما أساس الاتهامات، فهو على حدّ قول شوك تسجيل صوتي لقائد “حماة الديار” رالف الشمالي في احتجاجات 6/6، روّج خلاله لاتّهام حراس المدينة بالتمويل التركي: “نحن للأسف لا نملك الإعلام ولا السلطة. ولذلك، انتشرت هذه الاتهامات، ولم نُمنح حتى حقّ الردّ”.
وبمناسبة مرور سنة على 17 تشرين، أكد شوك أنّ الثورة التي أسقطت نظريات شيطنة طرابلس، وغيّرت مفاهيم، وكسرت الخوف، ووحّدت الناس، مستمرة. لكن مع خلط الأوراق الحاصل بالشارع اليوم، وبهذا الظرف “سنأخذ دور المراقب لحين انتظار مصير المبادرات والتجمّعات التي تكثر اليوم في الشارع للوصول إلى ما يسمّى بالمجلس الثوري. وحراس المدينة ستراقب جيداً لترى الأقرب إليها وتعمل معه كيد واحدة، وسنكون متنبّهين كي لا نضع أيدينا بأيدي أيّ مجموعة دسّت السلطة فيها بعض الشخصيات الملغومة”.